ارشيف من :نقاط على الحروف

الصحافي المستكتب وفوضى الحواس

الصحافي المستكتب وفوضى الحواس
هادي قبيسي

قد لا يعرف القارئ أن الصحافي الذي يجهد نفسه لإقناعه بوجهة نظر غير منطقية، يتسبب لنفسه بمتاعب اضافية على اعباء مهنته المعروفة بمهنة المتاعب، فهو يعيش في فوضى ذهنية عارمة، وتصبح قدرته على استخدام القدرات العقلية المنطقية غارقة في ضبابية مبهمة، شيء محبط فعلاً أن ترى المال قادراً على تغيير مناهج التفكير وأساليب التحليل لدى البعض.

تاريخ باكستان الشرقية والغربية (بنغلادش حالياً) هو النموذج الذهني الذي تم اسقاطه لاستشراف مستقبل العلاقة بين إيران وحزب الله، هكذا تتم عملية الاستفادة من البناء والتربية المنهجية في الجامعات الحديثة، فبعد تعب السنين في التعلم واكتساب مهارة الالتزام بتقنيات البحث والتحليل، يضطر كاتب مثل وسام سعادة إلى تطويع المنهج في قالب الحاجة الإعلامية اليومية وضرورات التوظيف السياسي.

بائسٌ الصحافيّ الذي يضطر إلى تضييع كفاءته المعرفية بسبب فشل فريقه السياسي في الانتصار سياسياً، فيلقي على عاتقه عبء صنع انتصار اعلامي، موجداً كوة في الوهم بديلاً عن واقع مأزوم.

السقطات التي وقع فيها الكاتب في مقالته "تبعية حزب الله لإيران" هي نموذج عن نمطية ذهنية وحالة عامة لدى أمثاله من فريقه السياسي، يمكن لهم بكل هدوء أن يسردوا استنتاجاتهم دون أي دليل ليسبح المقال في مجال ديكتاتوري يفرض رأيه بشكل إرهابي على القارئ المرغم على التصديق والقبول "زي ما هيي".

يرى الكاتب من برجه الثقافي العاجي أن القارئ عليه أن يصدق كلاماً مماثلاً لـ "علاقة الحزب بالجمهورية الإسلامية تتبدل بشكل آلي تلقائي حالما يتبدل مزاج القيادة فيها" ملغياً تاريخاً من ثلاثين عاماً ليختزله في حادثة واحدة : اعتذار قناة المنار واذاعة النور، وما هي علاقة هذا الاعتذار بالتبعية لإيران ؟
ربما عجز الكاتب عن ابتكار تحليل يربط بين النقطتين بشكل منطقي، فتخطى ذلك ليقفز إلى مقاربة أخرى بشكل سفسطائي : استنزاف حزب الله لنفسه في سوريا لأجل وصل الجغرافيا مع إيران، فلا شيء يربط الحزب بسوريا ولا علاقة بين الحزب والدولة المقاومة الوحيدة في العالم العربي إلا المواصلات مع إيران، نعم الأفضل تجاوز الأدلة والاكتفاء بالاستنتاجات لأن الأدلة التاريخية ستؤدي منطقياً إلى استنتاجات معاكسة.

من ناحية ثانية، واستكمالاً لنفس الأسلوب الإكراهي، يمكن القيام بمقارنة انطباقية بين حزب ولاية الفقيه الشيعي والأحزاب الشيوعية في القرن العشرين، فلا فارق بينهما لا في الأيديولوجيا ولا الظرف التاريخي ولا طبيعة العلاقة بينهما وبين الدولة الخارجية الداعمة لهما، وبناءً عليه، يفترض الكاتب من ناحية أخرى، أن على حزب الله أن يتبع المثال الناجح للأحزاب الشيوعية، ويطرح للنقاش علاقته مع إيران التي تسببت باعتذار قناة المنار !! وبالمقارنة مع كل التيارات السياسية اللبنانية الحالية التي لديها هوامش في القرار، ولو عن طريق الخطأ، إلا حزب الله الذي وصل به الأمر إلى أن ينظر إلى الانسحاب السوري من لبنان كـ" تخفف من وطأة عنجر ليتمكن من ازدياد المجاهدات الاتحادية مع الجمهورية الإسلامية" كان الحزب إذن في حالة تحقيق مكاسب سياسية بخروج سوريا من لبنان عام 2005 تتمثل في نيل الحزب شرف المشاركة في حرب الاتصال الجغرافي مع إيران عام 2013. مخيلة بهلوانية تلغي المسافة الزمنية في التحليل وتتجرد من مسؤوليتها أمام القارئ، لتحبك اتهامات ضعيفة وباهتة لقارئ مفترض ينظر إليه الكاتب كوعاء فارغ لا قدرة على أبسط أشكال النقد.

ثمة اتحادية صوفية بين الحزب والنظام الإيراني وحرسه الثوري ينبغي التخلص منها، وينبغي لجمهور الحزب أن يطالب بتخفيف التبعية لإيران التي أرغمت قناة المنار على الاعتذار من النظام البحريني، النظام البحريني الملكي المتخلف الذي يدعمه فريق وسام سعادة بناءً لرغبة السعودية التي تدفع راتب الكاتب كما تدفع راتب مقاتلي داعش.

يحلم الكاتب بإمكانية خلق رأي عام معادٍ للعلاقة مع إيران في وسط مؤيدي الحزب، من خلال استخدام أدوات أثبتت نجاعتها في تطويع جمهور فريقه السياسي بطريقة إكراهية، غائباً عنه أن جمهور المقاومة الذي تمتع أمس بحرية التعبير عن رأيه النقدي تجاه المقاومة، إثر قضية الاعتذار، كيف سيقبل أن يساق كالأعمى مستسلماً لاستنتاجات لا تستند إلى أي شيء سوى رغبات ممولي الصحيفة ؟ جمهور التكليف الشرعي لديه القدرة على النقد، ولن يرميها "زي ما هيي".
2013-12-09