ارشيف من :آراء وتحليلات

القبيلة الزرقاء وثقافة الـ ’زَيّ ما هيِّ’

القبيلة الزرقاء وثقافة الـ ’زَيّ ما هيِّ’
جاد عيسى

لا يخفى على أحد ممن تابع مسار الأمور داخل عائلة الحريري بعد رحيل الرئيس الشهيد، أن الراعي الخارجي لهذه العائلة أي المملكة العربية السعودية لم تجد صعوبة كبيرة في اختيار الابن الذي سيرث تركة والده السياسية، ليس لأن الأبناء يتمتعون بالكفاءة الإدارية والخبرة السياسية اللازمة لوراثة شخص بوزن الرئيس الحريري، بل لأن هذه المنظومة لا تحتاج إلى قائدٍ وطنيٍ فذّ، أو إلى مديرٍ مبدعٍ وخلاق ليتسلم دفة القيادة فيها، بل يستطيع أي شخص أن يصبح زعيماً ملهماً لحزب القبيلة الزرقاء بمجرد أخذ البيعة الممهورة بختم الديوان الملكي، أما باقي مستلزمات الزعامة فيترك للمنظومة الإعلامية والسياسية التي تسبح بحمد "طويل العمر، أعز الله مقامه". فهذه المنظومة هي التي تصنع هذا الزعيم وتحوله بين ليلة وضحاها من دليل سياحي للأمراء السعوديين إلى زعيم إفتراضي لأكبر طائفة في لبنان، حيث تتولى هذه المنظومة تهيئة القاعدة الجماهرية الزرقاء، وتلقينها فنون الطاعة والتكيف مع أهواء ونزوات الشيخ سعد ليتم تقبلها "زَيّ ما هيِّ".

في عرف القبيلة الزرقاء يحق للشيخ أن ينقلب على كل ماضي أبيه وعلاقاته وصفقاته مع النظام السوري، فتتحول القبيلة من شريك أساسي في النظام السابق إلى مناضلة في وجه الوصاية السورية. في أعرافهم يحق للشيخ أن ينزع الشرعية عن سلاح المقاومة، لأن هذا السلاح لم يعد لديه وظيفة بعد تحرير الجنوب وأصبح عبئاً على الحياة السياسية، ووسيلة ضغط في وجه خصوم الحزب الذي يحمل السلاح، ومن ثم يتحالف مع هذا السلاح في الانتخابات النيابية بهدف الحصول على الأكثرية النيابية، ليعود من بعدها وينقلب على هذا السلاح. يحق لشيخ القبيلة أن يتهم سوريا باغتيال والده، فيحرض ويعبئ ويتهم أشخاص ومسؤولين لبنانيين، ويرسم سيناريوهات عملية الاغتيال بتفاصيلها الدقيقة، ليعود بعدها وبإيعاز سعودي في لحظة تقارب السين- سين ويعترف بأن هذا الإتهام كان سياسياً، وأن النظام السوري بريء من دم أبيه براءة الذئب من دم يوسف، وما النوم في أحد أسِّرة قصر المهاجرين إلا إعتراف بالخطأ ولو بعد حين. يحق له أن يعتدي على سلاح المقاومة في 5 أيار، وأن يتباكى على أبناء قبيلته ومظلوميتهم في 7 أيار، ومن ثم يتحالف في حكومة واحدة مع ذلك القاتل المفترض، لا بل إعطاء الشرعية والغطاء لذلك السلاح في بيان حكومته الوزاري. غياب الحسيب والرقيب في أعراف القبيلة جعل من شيخها لا يخشى على موقع ولا على شعبية فيتهم حزب الله بدم أبيه ومن ثم يفاوض نفس الحزب على نفس الدم لكي يعود إلى السلطة، يتحالف مع ما يسمى الاعتدال العربي ورمزه الكبير حسني مبارك ومن ثم ينكر علاقاته الحميمة معه بعد أن خلعه شعبه، ليصبح هو وقبيلته وثورة الأرز مصدر إلهام الثوار في الميادين العربية المنتفضة. ما كان ليستطيع الشيخ أن يقوم بكل ما قام وما زال يقوم به، لولا مجموعة من الموظفين والكتبة المدفوعي الأجر مسبقاً، فهؤلاء هم من يخدر القاعدة الزرقاء وهم من يحرض ويعبء ويحرف ويكذب للتستر على الارتكابات الشائنة التي يرتكبها الشيخ بحقوق وعقول أبناء القبيلة "المضطهدة".

القبيلة الزرقاء وثقافة الـ ’زَيّ ما هيِّ’

تدير المنظومة الإعلامية والسياسية الزرقاء على مدار الساعة حملة ممنهجة لشيطنة حزب الله وتشويه صورته بناء لتوصية أميركية اعترف بها جيفري فيلتمان أمام الكونغرس في يوم من الأيام. لم يوفر الزرق أي تشبيه وتوصيف سيئ إلا ووصموا به حزب الله، لكن الرياح لطالما جرت بما لا تشتهي السفن الزرقاء، فكل الأوصاف التي أطلقتها القبيلة الزرقاء على حزب الله يتبين لنا يوماً بعد يوم أنها ليست سوى انعكاس للحالة السياسية التي تعيشها القبيلة، فهي لا تستطيع إلا أن ترى الأخرين على صورتها ومثالها. فما جرى قبل عدة أيام في موضوع اعتذار المجموعة اللبنانية للإعلام من دولة البحرين، جاء ليؤكد زيف الاتهامات التي كانت تنسب لحزب الله بأنه حزبٌ شموليّ يفرض على جمهوره ما يراه هو مناسباً بالترهيب تارة وبالترغيب طوراً وبالتكليف الشرعي أحياناً أخرى، لكن الذي جرى وردة الفعل التي عبر عنها جمهور المقاومة جاء ليؤكد الانسجام التام بين قيادة الحزب وقاعدته العريضة، فما هذا السخط الذي عبرت عنه هذه القاعدة إلا رسالة إلى كل من يعنيه الأمر بأننا قومٌ ملتزمون بقناعاتنا الراسخة في دعم كل القضايا المحقة والعادلة ونصرة الشعوب المستضعفة، وأن حزب الله اليوم هو من يعبر عن تطلعاتنا هذه.

ما حصل يوم الأحد الماضي يؤكد ما قاله سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وما كان يؤكد عليه دوماً "من أن هذه المقاومة ليست سلاحاً ومالاً وعديدا، بل إنها نهجٌ وأسلوب حياة تخطى حزب الله، ليصبح ثقافة وحالة شعبية جاهزة لتحاسبني أنا في حال قررت أن أتخلى عن هذه المقاومة وسلاحها في أي يومٍ من الأيام". فهل سنجد في الجمهور الآخر من يحاسب أو لديه الاستعداد للمحاسبة ولو بتغريدة زرقاء على "تويتر" أم أن ثقافة الـ "زَيّ ما هيِّ" متجذرة في الوعي الأزرق كمحدد رئيسي للسلوك.
2013-12-12