ارشيف من :آراء وتحليلات
الحرب الأهلية في إفريقيا الوسطى والتورط الفرنسي الجديد
من السهل للقوى الدولية صاحبة القرار في رسم خرائط بلدان العالم المغلوب على أمرها أن تطلق على هذا البلد أو ذاك اسم "الجمهورية"، وأن تحرص على أن يجري فيه تداول للسلطة من خلال الانتخابات الـ "ديموقراطية". لكن المشكلة التي تبرز دائماً في الكثير من بلدان العالم الثالث التي رسمت خرائطها من قبل الدوائر الاستعمارية، هي أن هذه البلدان سرعان ما تتحول، بعد أن تنال استقلالها، إلى دول فاشلة بحكم الفساد وسوء الإدارة ونظريات المؤامرة التي يبرع في تطبيقها المستعمر السابق.
من هنا، قد ينبغي تسليط الضوء على مصطلحات "الجمهورية" و"التداول" و"الديموقراطية" بما هي مصطلحات زائفة، أكثر بكثير من التركيز على مفهوم الدولة الفاشلة.
قوات فرنسية في بانغي
هذه الملاحظات تفرض نفسها بحدة عند النظر في المأساة التي تعيشها حالياً جمهورية إفريقيا الوسطى بوصفها نموذجاً لعشرات البلدان الأخرى التي تكتوي بنار شهية المستعمر السابق للعودة إلى استعمارها مجدداً. جمهورية إفريقيا الوسطى نالت استقلالها عن فرنسا عام 1960. منذ ذلك الحين شهدت سبعة انقلابات عسكرية وثلاث حروب أهلية.
آخرها انقلاب عسكري فتح البلاد على الحرب الأهلية الحالية في شهر آذار / مارس الماضي عندما انتفض تحالف السيليكا على الرئيس فرانسوا بوزيزي. بوزيزي سبق له أن وصل إلى الحكم من خلال انقلاب عسكري، بتدبير ودعم فرنسيين، عام 2003 واحتفظ به حتى العام 2013 بعد عمليتين انتخابيتين مزورتين في العام 2005 و2010. وبعد هرب بوزيزي إلى خارج البلاد، قام تحالف السيليكا بتسليم الحكم إلى ميشيل دجوتوديا (اسمه الأصلي "محمد ضحية") الذي أعلن نفسه رئيساً.
الحرب الأهلية الثالثة يروج لها على نطاق واسع على أنها حرب طائفية،من غير أدلة تبدو منطقية للوهلة الأولى. دجوتوديا هو من مسلمي إفريقيا الوسطى الذين يشكلون ما بين 10 و15 بالمئة من السكان مقابل المسيحيين الذين يزيد تعدادهم عن 60 بالمئة.
بالطبع لا يخلو الأمر من مفارقة واضحة : أول رئيس من الأقلية الإسلامية يحكم بلداً غالبية سكانه مسيحيون!. لكن المفارقة الأكبر هي أن تحالف السيليكا الذي يعلن انتماءه للإسلام لا يعرف من هذا الدين غير بعض الشكليات البسيطة: تحريم لحم الخنزير، و... يتغاضى عن محرمات أخرى حيث تتواتر الأخبار عن عدم تحرج أفراده عن تناول المشروبات الكحولية! ناهيكم عن الفظائع التي ارتكبها منذ بداية الفترة الانتقالية بحق المسيحيين والإحيائيين. كما تتواتر الأخبار عن أن صفوفهم تضم كثيراً من الأشخاص الذين لا يهتمون بغير السلب والنهب والاغتصاب!.
أعداد كبيرة من مقاتلي السيليكا قدموا من السودان وتشاد ومالي ونيجيريا. ولا ينقصهم السلاح المهرب من ليبيا ولا التمويل الذي لم تبدأ أصابع الاتهام بعد بالإشارة إلى مصادره. وعلى ما ارتكبوه من فظائع، ترد جماعات "المناهضين للسواطير" (آنتي ـ بالاكا)، وهي ميليشيا مكونة من مسيحيين تشكلت بعد استيلاء السيليكا على الحكم، ترد بارتكاب الفظائع بحق المدنيين المسلمين العاجزين عن فهم ما يجري حولهم والمعتادين تاريخياً على التعايش الودي مع المسيحيين.
هولاند... امام مواجهة خارجية جديدة
وبالطبع، يستخدم الستار الطائفي للتغطية على المشكلة الحقيقية. إفريقيا الوسطى بلد غني بالماس واليورانيوم بشكل رئيسي. وقد سجل الاستثمار الفرنسي فيها انحساراً واضحاً خلال الأعوام الماضية تحت ضغط الشركات الصينية والجنوب إفريقية. لذا، تعمل فرنسا بكل السبل من أجل استعادة نفوذها في هذا البلد. وبحكم كونها المستعمر السابق، حصلت على تفويض بالتدخل العسكري لدعم القوات الإفريقية الموجودة في البلاد منذ العام 2008 بهدف إعادة الأمن والاستقرار وتهيئة الأجواء للعودة إلى الحياة الدستورية، وذلك بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن بتاريخ 25 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي.
وبالفعل، وصل حوالي 1500 جندي فرنسي إلى إفريقيا الوسطى. لكن شيئاً لا ينبئ بأنهم سينجحون في مهمتهم، حيث تفيد التقارير بأنهم غالباً ما يتجنبون التصدي لتنفيذها، خصوصاً بعد أن سقط منهم عدد من القتلى.
وفي الوقت الذي يرفع فرنسوا هولند أصوات الاستغاثة طالباً مساعدة الاتحاد الأوروبي الذي لا يبدو متحمساً لتقديم أكثر من مساعدة شكلية، يكون الرئيس الفرنسي قد زج نفسه في مغامرة إفريقية جديدة بعد المغامرة التي أصبح فشلها في مالي بحكم المؤكد.
وبهذا، يكون فرنسوا هولند الموصوف بأنه أكثر رؤساء الجمهورية الخامسة فشلاً قد حاول الهرب من مشكلات فرنسا الداخلية الخانقة ليجد نفسه في مواجهة مع مشكلات خارجية من الأكيد أنها ستسهم في إلحاقه بساركوزي أو حتى ببوزيزي.
من هنا، قد ينبغي تسليط الضوء على مصطلحات "الجمهورية" و"التداول" و"الديموقراطية" بما هي مصطلحات زائفة، أكثر بكثير من التركيز على مفهوم الدولة الفاشلة.
قوات فرنسية في بانغي
آخرها انقلاب عسكري فتح البلاد على الحرب الأهلية الحالية في شهر آذار / مارس الماضي عندما انتفض تحالف السيليكا على الرئيس فرانسوا بوزيزي. بوزيزي سبق له أن وصل إلى الحكم من خلال انقلاب عسكري، بتدبير ودعم فرنسيين، عام 2003 واحتفظ به حتى العام 2013 بعد عمليتين انتخابيتين مزورتين في العام 2005 و2010. وبعد هرب بوزيزي إلى خارج البلاد، قام تحالف السيليكا بتسليم الحكم إلى ميشيل دجوتوديا (اسمه الأصلي "محمد ضحية") الذي أعلن نفسه رئيساً.
الحرب الأهلية الثالثة يروج لها على نطاق واسع على أنها حرب طائفية،من غير أدلة تبدو منطقية للوهلة الأولى. دجوتوديا هو من مسلمي إفريقيا الوسطى الذين يشكلون ما بين 10 و15 بالمئة من السكان مقابل المسيحيين الذين يزيد تعدادهم عن 60 بالمئة.
أعداد كبيرة من مقاتلي السيليكا قدموا من السودان وتشاد ومالي ونيجيريا. ولا ينقصهم السلاح المهرب من ليبيا ولا التمويل الذي لم تبدأ أصابع الاتهام بعد بالإشارة إلى مصادره. وعلى ما ارتكبوه من فظائع، ترد جماعات "المناهضين للسواطير" (آنتي ـ بالاكا)، وهي ميليشيا مكونة من مسيحيين تشكلت بعد استيلاء السيليكا على الحكم، ترد بارتكاب الفظائع بحق المدنيين المسلمين العاجزين عن فهم ما يجري حولهم والمعتادين تاريخياً على التعايش الودي مع المسيحيين.
هولاند... امام مواجهة خارجية جديدة
وبالفعل، وصل حوالي 1500 جندي فرنسي إلى إفريقيا الوسطى. لكن شيئاً لا ينبئ بأنهم سينجحون في مهمتهم، حيث تفيد التقارير بأنهم غالباً ما يتجنبون التصدي لتنفيذها، خصوصاً بعد أن سقط منهم عدد من القتلى.
وفي الوقت الذي يرفع فرنسوا هولند أصوات الاستغاثة طالباً مساعدة الاتحاد الأوروبي الذي لا يبدو متحمساً لتقديم أكثر من مساعدة شكلية، يكون الرئيس الفرنسي قد زج نفسه في مغامرة إفريقية جديدة بعد المغامرة التي أصبح فشلها في مالي بحكم المؤكد.
وبهذا، يكون فرنسوا هولند الموصوف بأنه أكثر رؤساء الجمهورية الخامسة فشلاً قد حاول الهرب من مشكلات فرنسا الداخلية الخانقة ليجد نفسه في مواجهة مع مشكلات خارجية من الأكيد أنها ستسهم في إلحاقه بساركوزي أو حتى ببوزيزي.