ارشيف من :نقاط على الحروف

القوات اللبنانية والدونكيشوتية المفرطة

القوات اللبنانية والدونكيشوتية المفرطة
جاد عيسى

في ظل الفوضى العارمة التي تجتاح المنطقة، وفي لحظة سياسية تاريخية شديدة الحراجة، تكثر فيها التحديات ويصعب خلالها اتخاذ القرارات السياسية الحكيمة، حيث الاصطفاف الاقليمي والدولي يتجه ليتبلور في صراعٍ مقبل بين محور تتجه خياراته إلى الانتصار في سوريا، يتمثل في إيران النووية التي يسعى الغرب لاسترضائها، وسوريا التي تتصدى في الحرب الكونية التي شُنت عليها والعراق الصامد في وجه الإرهاب وحزب الله القوة الإقليمية البارزة، وبين محور يتألف من المملكة الغاضبة التي ترعى الإرهاب الذي يتمثل اليوم بالقاعدة وأخواتها ودولة الإرهاب الأزلي الصهيوني المتضرر من مسار التحولات السورية، وحده حزب القوات اللبنانية الذي يعتبر أحد الأحزاب المسيحية الأربعة الكبرى في لبنان يقف ثابتاً، حاسماً لخيارته في مواجهة عدوه الأوحد "حزب الله." للوهلة الأولى قد تبدو فكرة أن حزب الله هو العدو المركزي للقوات اللبنانية فكرةً دونكيشوتية من ابداعات ميغيل دي سرفانتس سابيدرا، لكن جولةً صغيرةً على الموقع الالكتروني الرسمي للقوات اللبنانية كانت كفيلة بالخروج بخلاصة مفادها أن رواية دي سرفانتس لا تُدَرّس فقط في صف الثاني ثانوي بحسب المناهج التعليمية اللبنانية، إنما هي أسلوب عيشٍ وطريقة حياة عند القواتيين، فهؤلاء يعادون من طرف واحد عدواً يتوهمون أنهم محور حركته واستراتيجيته.

بالإضافة إلى عشرات التصريحات والمقالات والتحليلات من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية التي تأتي في سياق الحملة الإعلامية التي تهدف إلى شيطنة حزب الله، وإسقاط نموذجه كحركة إسلامية وطنية تحررية، يقدم موقع القوات أبرز تجليات الفكر القواتي بأقلام كتابٍ ومسؤولين قواتيين ينهلون من فكر "حالات حتماً" فيقدمون روايات وتحليلات تندرج في إطار الكذب والتضليل والتضخيم.

القوات اللبنانية والدونكيشوتية المفرطة
القوات اللبنانية والدونكيشوتية المفرطة

في مقال تحت عنوان “حزب الله” – :CIA ليست المرّة الأولى! بتاريخ 14 كانون الأول 2013، ينطلق كاتب المقال المجهول الهوية من خبرٍ يتيمٍ نُشِر في صحيفة الجمهورية نقلاً عن مصادر أميركية يفيد "بأن ممثّلين من وزارة الدفاع الأميركية والـ سي أي ايه في اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع كل من حزب الله وحركة حماس"، ورغم أن هذا الخبر قد تم نفيه من قبل السفارة الأميركية نفسها كما جاء في المقال، إلا أنه أصر أن يعود بالماضي ليحاول أن يجد لقاء ما يتناسب مع عنوان مقالته فلم يجد إلا لقاءات قام بها وزير العمل الدكتور طراد حمادة الذي لا ينتمي تنظيمياً إلى حزب الله مع مسؤولين أميركيين في حزيران 2005، خلال زيارته للولايات المتحدة الأميركية مع وفد حكومي برئاسة رئيس الحكومة آنذاك نجيب ميقاتي بأنها تشكل دليلاً على علاقة حزب الله بالـ CIA. لكن ذكاء الكاتب لم يتوقف عند هذا الحد بل أدرج مجموعة من اللقاءات بين مسؤولين ومؤسسات تابعة لحزب الله مع شخصيات أوروبية لكي يؤكد على استنتاجه العجائبي السابق باعتبار أن الاتحاد الأوروبي "خاضع للولايات المتحدة واسرائيل"، كما جاء في حرفية المقال!!!

لم يتوقف فريق عمل موقع القوات اللبنانية عن الاستخفاف بعقول القراء عند هذا الحدّ، ففي مقال تحت عنوان "نصر الله يرد على من يروجون أنه مؤمن بنهائية الكيان اللبناني (بالأقوال والتواريخ)"، قام فريق عمل الموقع مجتمعاً بتجميع مقاطع من كلمات قديمة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليس لها علاقة بموضوع الوطن النهائي، وتتطرق إلى بعض العناوين الثقافية والعقائدية والسياسية، مثل ولاية الفقيه والصراع مع الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين وأمور عقائدية أخرى تتعلق بالإمام المهدي، وتقديمها على أنها تخالف ما قاله السيد حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة على تلفزيون الـ OTV حول أن لبنان وطن نهائي بالنسبة لحزب الله، مع العلم أن حزب الله أوضح ذلك في الوثيقة السياسية التي أعلنها الأمين العام لحزب الله في 29 تشرين الثاني 2009. ولكن إذا سرنا بمبدأ "لحاق الكذاب على باب داره"، يمكننا القول إن القوات اللبنانية التي تتشدق اليوم بنهائية ووحدة الكيان اللبناني، إنما تمارس نفاقاً سياسياً للتعمية على مشروعها الأساسي الذي يتمثل بإقامة الكنتون المسيحي والذي عبرت عنه خطابات رئيس القوات سمير جعجع في أواخر الثمانينات، وما زلنا حتى اليوم لم نسمع بأن القوات اللبنانية قد قامت بمراجعة للحقبة الماضية، ولم نرى أي وثيقة أو مشروع سياسي للقوات اللبنانية يؤكد لنا تخليها عن حلم الكنتون!!    

مقتضى الموضوعية منا يحتم علينا بالإضاءة على الحقائق والتحليلات الواقعية في هذا الموقع –إن وجدت- فبعد جهدٍ كبير، تبين لنا أن القوات اللبنانية تمارس الشفافية مع الرأي العام، ففي مقال نشر في خانة "أقلامنا" تحت عنوان: "إن تجرّأ…نحن حيث لا يجرؤ الآخرون" – بتاريخ 18-12-2013، للكاتب القواتي "ميشال ي. الشّمّاعي" الذي أخذته الحماسة ليؤكد من خلال عنوان مقالته أن القوات اللبنانية لم تخرج من تاريخ ميليشيا الصدم التي تدربت وتسلحت في الكيان الصهيوني وقامت بالعديد من المجازر والمذابح بحق اللبنانيين، كما واكد الكاتب أن ما يقوله خصوم القوات اللبنانية عن "داعشية القوات"، وتبعيتها لنظام آل سعود الذي يجري اتصالات مباشرة مع الكيان الصهيوني عبر الأمير تركي الفيصل، فقد اعترف الكاتب وأقرّ بتحالفه مع القوى التكفيرية محذراً حزب الله أنه في حال توجه سلاحه للداخل اللبناني مجدداً فإن "هذه المرّة لن يواجه الحزب بسنابل القمح وأغصان الزّيتون وسعف النّخيل وأكاليل الغار. هذه المرّة سيكال له بما يكيل لغيره. وليس من الضّرورة أن يكون فصيلا واحدا في مواجهته لأنّ هذه المرّة ستكون مواجهته شاملة وقد ابتدأت بشائرها من حادثة اللبوة وغيرها من الحوادث التي تقاطعت"، إن ما ورد في هذا المقطع إن عبر عن شيء إنما يعبر عن التحالف العلني بين القوات اللبنانية وبين الجماعات التكفيرية التي تذبح المسيحيين في سوريا، وتهدم مقدساتهم الدينية وتخطف المطرانين والراهبات، والتي تبنت تفجير اللبوة، والتفجيرات التي سبقتها، من "كتائب أبناء جيش التوحيد" و"كتائب عبد الله عزام" وغيرها من الجماعات والقوى كتلك التي قامت بما يعرف "بغزوة الأشرفية"، حين خرج رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع على اللبنانية بالصوت قائلاً: "لا تخافوا هؤلاء حلفاؤنا"، وقتها كان الإعلان الأول والأوضح من رأس الهرم القواتي حول المستقبل الآتي للقوات اللبنانية في عملية التطور السياسي والفكري عبر الانتقال من مبايعة شارون إلى مبايعة أبو محمد الجولاني.
2013-12-19