ارشيف من :آراء وتحليلات

الاندحار الغربي أمام أسوار كييف

الاندحار الغربي أمام أسوار كييف
كان من الممكن لأوكرانيا "الثورة البرتقالية" أن تتجنب عشرين عاماً من الفوضى لو أنها عرفت كيف تحافظ على موقعها الذي كانت تحتله بوصفها قوة ديموغرافية وصناعية وزراعية كبرى تحتل الموقع الثاني بعد روسيا يوم كانتا بلدين سوفياتيين.

وبعدما تبين أن الثورات الملونة هي أقصر طريق نحو الخراب الذاتي، إن بالسقوط في الفوضى البناءة وإن بالتحول إلى جمهورية موز مستقرة في حديقة الغرب الخلفية، كان يمكنها أن تحذو حذو روسيا بوتين، وأن تخرج من ربيعها البرتقالي وأن تسعى إلى بناء نفسها من جديد، شأن جارتها وشريكتها السابقة التي خرجت محتفظة بأنفاسها الأخيرة من الحقبة اليلتسينية.

لكن انتهازية البعض وانسحار البعض الآخر بأسطورة الديموقراطية والإزدهار على الطريقة الغربية قادتا الدولة الأوكرانية في النهاية إلى حافة الهاوية لتجد نفسها مهددة بالإنهيار الاقتصادي الكامل فيما لو واصلت سعيها الجامح إلى الإلتحاق بأوروبا والغرب.

ومن جهتهم، كان من الممكن لقادة الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا مؤخراً في فيلنيوس لتوقيع اتفاقية الشراكة مع عدد من بلدان أوروبا الشرقية، ومنها أوكرانيا، أن يأخذوا بعين الاعتبار ليونة الرئيس الأوكراني الذي ما يزال متمسكاً حتى الآن بموقفه غير الرافض للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عندما تنضج الظروف لذلك، وأن يمنحوا أوكرانيا مساعدة تعينها على إدارة أزمتها الاقتصادية الخانقة وتلبي حاجتها الماسة إلى حوالي 20 مليار يورو ضرورية من أجل تجنب الإفلاس الكامل.
الاندحار الغربي أمام أسوار كييف
الاتفاقات الروسية الاوكرانية منعت افلاس اوكرانيا
لكن، يبدو أن القادة الأوروبيين كانوا على ثقة من أن يانوكوفيتش سيسلم لهم مفاتيح كييف وأن الشركات الأوروبية باتت على وشك أن تضع قبضتها على المؤسسات الأوكرانية بلا أية تكلفة. ولهذا تركوا فرنسوا هولاند، الرئيس الفرنسي الفاشل على جميع المستويات، يتكلم باسمهم ويؤكد بصريح العبارة أن الاتحاد الأوروبي لن يدفع أية أموال لأوكرانيا!.

كما يبدو من إصرارهم على هذا الموقف أنهم كانوا، في حال عدم تمكنهم من لي ذراع يانوكوفيتش في فيلينيوس، على ثقة بأن تظاهرات المعارضة واعتصامات "ميدان" ستجبره سريعاً على الرحيل من تلقاء ذاته، هذا إذا لم تخصه بمصير مشابه لمصير شاوشيسكو.

والأكيد أنهم كانوا يراهنون على الاحتمال الثاني لأنه "أشفى لصدر الحقود"، على حد تعبير المتنبي. بدليل الظهور البارز في تظاهرات المعارضة الأوكرانية للكثير من العناصر المعروفة بتاريخها أو بتوجهاتها النازية الجديدة، وبدليل أعمال العنف والتخريب التي رافقت تلك التظاهرات والتي تشي بحضور واسع وأكيد لعملاء وكالات الاستخبارات الغربية على الساحة الأوكرانية. حضور أكده قيام السلطات الأوكرانية بطرد مئات الناشطين السياسيين الغربيين خلال الأيام القليلة الماضية.

لكن جميع رهاناتهم باءت بالفشل. فالتظاهرات التي بدأت بمئات الألوف قبل أربعة أسابيع، أخذت بالضمور لتقف عند حد عشرات الألوف، لأسباب منها رهانهم على قدرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ممارسة الضغوطات الكفيلة بتحقيق مطالبهم.

لكن الدعم الأميركي لم يتجاوز حدود التهديد بفرض عقوبات على الحكومة الأوكرانية، أو الكلام الفارغ، رغم وصفه بالوازن، من قبل عضوي مجلس الشيوخ الأميركي، جون ماكين وكريستوفر مورفي، اللذين خاطبا متظاهري المعارضة ليبشروهم بأن أميركا معهم وأن مكانهم يجب أن يكون في الاتحاد الأوروبي.
الاندحار الغربي أمام أسوار كييف
الدعم الاوروبي لاوكرانيا بقي عند حدود الكلام
أما الدعم الأوروبي فوقف سقفه عند وعد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل بتنظيم حملة إعلامية لمصلحة المعارض الأوكراني فياتالي كليتشكو، أو عند تهويلات هيرمان فان رومبيو، رئيس مجلس أوروبا، ومانويل باروزو، رئيس الاتحاد الأوروبي، بسيف الحرب الباردة على بوتين عبر مقارنته بليونيد بريجنيف، في إشارة إلى غزو تشيكوسلوفاكيا من قبل حلف وارصو. أو عند إصدار الاتحاد الأوروبي لقراره المثير للسخرية بتعليق المفاوضات مع أوكرانيا بخصوص الشراكة والمنطقة الحرة، بعد أن كانت أوكرانيا هي من علق هذه المفاوضات قبل القرار الأوروبي بثلاثة أسابيع. لكن تخلي الغرب عن مناصريه الأوكرانيين الذين لا ينظر إليهم إلا كأدوات يستعملها في خدمة مشاريعه ثم يرميها بعد الاستعمال، قابله التزام روسي حاسم بالوقوف إلى جانب الدولة الأوكرانية. وقد ترجم هذا الالتزام بموافقة روسيا على تخفيض أسعار الغاز المسلم إلى أوكرانيا من 400 دولار للمتر المكعب إلى 268 دولار. كما التزمت بشراء سندات خزينة أوكرانية بقيمة 15 مليار دولار، ما يعني أن روسيا قد جنبت أوكرانيا الإفلاس الذي كان يتهددها في غضون أسبوع أو أسبوعين.  ما يعني أيضاً أن انضمام أوكرانيا الذي بات وشيكة إلى الاتحاد الجمركي الروسي ستكون له تداعيات في غاية الأهمية على مستوى موازين القوى الإقليمية والدولية.    
2013-12-23