ارشيف من :آراء وتحليلات

لكل جنيفه : من ادانة النظام السوري الى التحالف معه

لكل جنيفه : من ادانة النظام السوري الى التحالف معه

التصريحات والمواقف حول "جنيف 2" غير واضحة بل تحمل الكثير من الالتباس والتناقض، لان الاھتمام والتركيز ينصب على "الأرض والميدان" .


معظم الاطراف انخرطت في المؤتمر الدولي للحل السياسي للأزمة السورية ولكن لكل منها شروط وقواعد لعبة ويضع استراتيجيته الخاصة للتعامل :

1-إحراز تقدم عسكري واضح على الأرض قبل انعقاد "جنيف 2" يجعل النظام في موقع تفاوضي أقوى. العامل الأساسي في تبدل ميزان القوى على الأرض لمصلحة النظام يتمثل في الانقسامات الحاصلة داخل المعارضة المسلحة والتشتت في صفوفھا وصولا الى التنافس والتفاعل بين فصائلھا المتعددة الولاءات والأجندات... وھذا عامل رئيسي يقف وراء خسارة المعارضة ويؤثر سلبا على حاضنتھا الشعبية في الداخل وعلى صورتھا وصدقيتھا في الخارج.

2-وضع كرة انعقاد وانطلاق "جنيف 2" في ملعب المعارضة السورية بتصوير الوضع التالي: الائتلاف السوري الذي يراد له أن يقود وفد المعارضة الى المفاوضات لم يعد يتمتع بقوة وحيثية تمثيلية مع فقدان الجيش الحر سيطرته بشكل كبير على الأرض، وھو الذي يعد ذراعا عسكرية للائتلاف... وأما القوة المسيطرة وھي التنظيمات الإسلامية المتطرفة مثل داعش والنصرة فإنھا ترفض الحوار مع النظام ومبدأ المشاركة في "جنيف 2". وأما الجھد الدولي الجاري لاستلحاق الوضع وإعادة بناء "جسم معارض مفاوض" عبر تحالف ووفد مشترك بين قوى الائتلاف والجيش الحر والقوى الإسلامية المعتدلة (المنخرطة في إطار الجبھة الإسلامية) فإنه لا يعكس الواقع : الوضع الميداني على الأرض في مكان والوضع التفاوضي على طاولة جنيف في مكان آخر.

والخلاصة ھي أن المعارضة ھي التي تتحمل مسؤولية فشل أو تفشيل "جنيف 2" لأنھا ضعيفة ومنقسمة على ذاتھا وليست قادرة على تشكيل وفد يمثلھا وغير قادرة على التفاوض في غياب تفويض كامل وغير قادرة على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه... وبالتالي فإن النظام لا يجد أمامه طرفا مؤھلا لإبرام اتفاقات...

3-أخذ مؤتمر "جنيف 2" في اتجاه وعنوان وھدف آخر مغاير لعنوانه وھدفه الأساسي وھو الحل السياسي والحوار بين النظام والمعارضة. أما العنوان الآخر فھو: محاربة الإرھاب والتطرف وقيام تحالف دولي مع النظام لھذا الھدف مع إمكانية انضمام ومشاركة المعارضة السورية المعتدلة التي تحارب تنظيمات القاعدة.

النظام السوري يعتمد ويراھن على تبدل النظرة الدولية الى الوضع وطبيعة الصراع والأزمة في سوريا بحيث لم تعد بين نظام ديكتاتوري وثورة شعبية وإنما بين اعتدال وتطرف، وبين جيش متماسك ومعارضة فوضوية... المزاج الدولي العام بدأ بإرسال إشارات الاستعداد للتعاون مع الأجھزة السورية وإحياء القنوات الأمنية والتحدث عن "حلف غربي سوري" ضد الإرھاب .

نجحت الحكومة السورية بتحويل جنيف 2 من اطار لادانة النظام الى محطة لتسويق وجهة نظرها بينما فرنسا المتحمسة لمعاقبة النظام تغرق في التردد والاحباط . وها هو وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يعبرعن تشاؤمه بشأن الوضع في سوريا. كما اعترف لأول مرة بأن المعارضة السورية المعتدلة تواجه صعوبات كبيرة .

وتعليقا على تشاؤم فابيوس كتبت "الأندبندنت " : ظھر الإفلاس الكبير للسياستين الأميركية والبريطانية حيال سوريا في أبرز صوره عقب سيطرة الجبھة الإسلامية على مكاتب قيادة الجيش الحر في باب الھوى. ما حدث أفقد الجيش الحر ومجلس التحالف السوري الوطني المدعومين من الغرب صدقيتھما... إن الرابح الأكبر من التطورات الأخيرة ھو الأسد، لأن المعارضة التي بدأت شعبية ضد النظام الفاسد والديكتاتوري باتت اليوم مشرذمة تسيطر عليھا القاعدة عبر تنظيمات مثل "داعش" وجبھة النصرة والجبھة الإسلامية التي تضم نحو سبعة تنظيمات مسلحة ويبلغ عدد مقاتليھا 50ألف مقاتل".

من جهة اخرى طرأ تعديل في نظرة واشنطن الى الوضع في سوريا في موازاة البحث الجاري مع موسكو عن "جنيف 2". ھذا ما يمكن استخلاصه من مؤشرات أميركية تتكاثر في الفترة الأخيرة كان أوضحھا، ولكن ليس أھمھا، وقف المساعدات غير القاتلة للجيش الحر بعد وقوعھا في يد تنظيمات إسلامية وخروج الوضع الميداني عن سيطرته...

لكل جنيفه : من ادانة النظام السوري الى التحالف معه

قبل أيام صدر تقييم لافت للمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايكل ھايدن خلص فيه الى أن انتصار الرئيس السوري بشار الأسد قد يكون "أفضل الأسوأ" والأفضل بين ثلاثة سيناريوھات مرعبة جدا لا يتضمن أي منھا انتصار المعارضة المسلحة وهي :
- سيطرة المتطرفين السنّة على قسم كبير من جغرافيا الشرق الاوسط ... "ھذا يعني انفجار الدولة السورية والشرق كما نحن نعرفه".
- استمرار المعارك الى ما لا نھاية بين متطرفين .
- نھاية "سايكس- بيكو"، و تفتت دول وجدت في شكل اصطناعي بعد الحرب العالمية الأولى. ھذا الأمر سيؤدي الى ولادة منطقة جديدة من دون حوكمة على تقاطع الحضارات"، مشيرا الى أن كل دول المنطقة، وخصوصاً لبنان والأردن والعراق ستتأثر بھذا الوضع.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري يصوّب في الاتجاه ذاته ولكن بلھجة دبلوماسية، ويقول إن خطر تنظيم القاعدة يتزايد في سوريا وتتحتم مواجھته، وإن مناطق سورية باتت تقع بشكل كامل تحت سيطرته، وإن المعارك بين أطراف
المعارضة السورية أتاحت تنامي دور المجموعة المتطرفة... ويشدد كيري على أن غالبية الرأي العام الأميركي تعارض تورطا أميركيا إضافيا في النزاع السوري.

ومع استبعاد خيار التدخل الخارجي، وعدم نضوج فكرة التحالف بين النظام والمعارضة، وسقوط الرھان على الجيش الحر، وعدم وجود أدنى اعتراف واستعداد للاعتراف بالمعارضة ذات الصلة بتنظيم القاعدة (داعش والنصرة) تعمل واشنطن حاليا على خيار ثالث ھو: الجبھة الإسلامية على ان يلتقي قادة الجبھة الإسلامية مع مسؤولين أميركيين في اسطنبول لتحديد قواعد العلاقة بين إدارة أوباما والقوة الإسلامية المعتدلة وتحديد دورھا وموقعھا في "جنيف 2 ".

تطرح موسكو استنادا الى ما قاله وزير خارجيتھا لافروف فكرة التحالف بين "النظام والمعارضة" لمحاربة المتطرفين. ولكن واشنطن لم تصل بعد الى حد تبني ھذه النظرية التي تعني تكريس نظام الأسد والاعتراف بدوره في المرحلة الانتقالية المقبلة...
ويبقى مصير جنيف2 ووجهته رهن المعارك على الارض ونتائج الميدان .
2013-12-23