ارشيف من :آراء وتحليلات

طرابلس تحولت إلى بازار سياسي بين أبناء الفريق الواحد

طرابلس تحولت إلى بازار سياسي بين أبناء الفريق الواحد
هل الاحتضان المفاجئ لتجمع الرابع عشر من آذار لمدينة طرابلس هو بمثابة يقظة ضمير متأخرة إزاء هذه المدينة المنكوبة، أم مجرد محاولة ولو يائسة لتدارك الورطة التي وضعت المدينة ووضعت نفسها معها فيها منذ قرارها الاستراتيجي بتحويلها إلى أرض نصرة وإسناد للمجموعات المسلحة التكفيرية التي يؤتى بها من كل حدب وصوب للقتال في سوريا خدمة لأجندة سعودية ـ أميركية بامتياز؟

يصعب تصور أن تكون خطوة هذا التجمع يقظة لضمير تفتقده، بل كل شيء يؤشر على أن المسألة وما فيها هي محاولة لتدارك ما يمكن تداركه من تداعيات انقلاب السحر على الساحر.

وللتدليل على هذه النتيجة يمكن إيراد العديد من الوقائع والمعطيات، أبرزها:

أولاً: لقد تعامل هذا الفريق وعلى رأسه تيار "المستقبل" منذ بداية الأحداث في سوريا مع منطقة الشمال عموماً وطرابلس تحديداً بوصفها منطقة إسناد وممراً للسلاح والمسلحين باتجاه سوريا، وبوصفها ملاذاً آمناً لهؤلاء، ما اقتضى توفير كل الشروط اللازمة لذلك في طليعتها تعطيل عمل المؤسسة لذلك وفي طليعتها تعطيل عمل المؤسسة العسكرية، وتقييد حركتها إلى الحد الأقصى، والشواهد هنا أكثر من أن تعد.

إلا أن النجاحات التي حققها الجيش السوري منذ إنجاز القصير، وفي محافظة حمص تماماً، عطل إلى حدٍّ كبير هذه الوظيفة الأمنية والعسكرية وتالياً السياسية.

ثانياً: لقد دأب هذا الفريق وعلى رأسه تيار "المستقبل" على ممارسة خطاب تحريض مذهبي عالي النبرة في سياق شد العصب وإيجاد البيئة الحاضنة الملائمة الداعمة للمجموعات المسلحة في سوريا، واضعاً لهذا الخطاب عدواً وهمياً موجهاً إليه هو النظام السوري وحزب الله ليعود مؤخراً وبأوامر سعودية ليلحق به إيران.

طرابلس تحولت إلى بازار سياسي بين أبناء الفريق الواحد
طرابلس تحولت إلى بازار سياسي بين أبناء الفريق الواحد 

لقد كان المطلوب إلحاق لبنان في دوامة الصراع المذهبي في المنطقة انطلاقاً من طرابلس. إلا أن هذه السياسة ارتدت عليه سلباً لأكثر من اعتبار، أهمها الآتي:

أ ـ أظهرت هذا الفريق بصورة المنافق السياسي الذي يقول شيئاً ويفعل أشياء نقيضة تماماً، إذ طالما أتحفنا هذا الفريق بحرصه على مؤسسات الدولة، وعلى الدولة، فإذ به يطعن أبرز أركانها في الصميم وهو مؤسسة الجيش. وهذا الطعن لم يقف عند حدود الشمال بل امتد ليشمل منطقة عرسال، ومنطقة صيدا مع ظاهرة الأسير الفار من العدالة. وطالما اتحفنا هذا الفريق أيضاً بشعار الوسطية والاعتدال، فإذ به يقف على يسار حتى الجماعات التكفيرية، ولم نعد نجد على لسان الناطقين باسمه سوى دعوات من أمثال الدفاع عن أهل السنة والجماعة.

وأكثر من ذلك، لقد مارس هؤلاء حرباً مذهبية واضحة عندما ألّبوا الطرابلسيين على جبل محسن العلوي.  وهم في هذا كله بدوا أنهم يسيئون إلى صورة السنة إجمالاً، الصورة المشهود لهم بها تاريخياً.

ب ـ لم تقف أضرار هذه السياسة على تيار "المستقبل" بوصفه تياراً سنياً أساسياً، وإنما امتدت لتشمل مسيحيي فريق الرابع عشر من آذار، الذين بدأوا يشعرون بحرج شديد في الدفاع عن موقعهم السياسي إلى جانب تيار يحتضن ويدافع ويمارس خطاب تحريضي مذهبي تكفيري بالمعنى السياسي على الأقل، في الوقت الذي تجتاح الرأي العام المسيحي حالة قلق عام من هذا الاتجاه الذي يكاد يفرغ العالم العربي منهم، وبات يشكل تهديد مصيري ووجودي لهم.

ج ـ لقد أدت هذه السياسة مع الوقت إلى ارتفاع صوت المجموعات السلفية والمسلحة فوق تيار "المستقبل" ولدرجة بدا أن الشارع الطرابلسي أخذ يفلت من هؤلاء. وفي جانب آخر، تحولت المجموعات المسلحة المدارة من قبل هؤلاء والأجهزة الأمنية الرسمية التابعة لهم إلى حالة يصعب ترويضها، وباتت ممارستها ميليشيوية إلى أقصى الحدود، فتارة تفرض الخوات، ومرت تجبي الأموال بالقوة، وطوراً تقطع الطرقات وتعمد إلى التصعيد كلما أرادت الاعتراض على أمرٍ لا يعجبها.

د ـ تحولت طرابلس تحديداً إلى بازار سياسي بين أبناء الفريق الواحد يتنافس كل منهم على موقعه ومستقبله السياسي من خلال لعبة مزايدات لا تنتهي، ويكفي النظر هنا إلى الخلافات والصراع الدائر بين أشرف ريفي ومحمد كبارة وسواهم.

ثالثاً: لا يمكن عزل هذه الخطوة عن هذا الفريق عن معطيين أحدهما أمني، والثاني سياسي، أما الأمني فيتمثل بما أخذ يتداول من مسعى سعودي لنقل التوتير الأمني إلى مناطق بيروت، والخط الساحلي وصيدا، باعتبارها أكثر إيلاماً لحزب الله والمقاومة في لبنان.

وأما الثاني، فيتمثل بالاندفاعة المريبة لهذا الفريق لملاقاة مواقف الرئيس سليمان السياسية الحادة من حزب الله والتي أخذت تتماهى مع طروحات هذا الفريق، ولتشجيعه على الانصياع للمطلب السعودي بفرض حكومة أمر واقع تحول لبنان ورقة أساسية في يد الرياض ويد هذا الفريق في حربهما الضروس ضد محور المقاومة في المنطقة عموماً، وفي لبنان تحديداً.

فهذا الفريق يفضل أن تأتي هذه الخطوة في ظل وضع أمني مريح له، حتى لا تتحول إلى برميل بارود كبير.

رابعاً: لا شك، أن للسنيورة مصلحة خاصة لتثبيت نفسه بصورة الزعيم السني وفي مقابل زعامة الحريري التي ما فتئت تضمر مع الوقت.

خامساً: لقد أدرك هذا الفريق أيضاً ان بقاء الأمور على ما هي عليه في طرابلس لن يؤدي فقط إلى المزيد من التآكل في رصيده السياسي والشعبي، وإنما إلى انفكاك الناس من حوله لمصلحة خصومه، لا سيما بعد بروز حالة تململ شعبي كبير من كل ما يجري.

سادساً: لقد وجد هذا الفريق في مدينة طرابلس فرصة له لتعويم نفسه من حالة الخسارة والترهل والتراجع التي يعاني منها.

خلاصة القول، لقد تحول الشمال عموماً وطرابلس تحديداً إلى فضيحة مطلقة، وعار كبير لحق بهذا الفريق، وما خطوته الإعلامية إلا محاولة إعلانية لتبرئة نفسه، تبرئة لم يجد من طريق لإثباتها سوى بالتنكر من مسؤوليته ورميها مجدداً في ملعب الآخرين من خصومه.


2013-12-23