ارشيف من :آراء وتحليلات
موسكو تعيد رسم اطارها الجيوسياسي
حينما هددت روسيا أوكرانيا بما قد يترتب من عواقب على الصادرات الأوكرانية الى روسيا، فيما إذا وقعت الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي، لم يكن الأمر يتعلق فقط بحرب تجارية. فهي قد قامت بهذه الخطوة في إطار الطموح لاستعادة نفوذها في المدار الحيوي ما بعد السوفياتي. وقد اجمعت غالبية المراقبين الغربيين على ان الضغط الروسي آتى نتائجه. وأن "القيصر" بوتين يستعيد النفوذ "السوفياتي" من اوكرانيا الى قرغيزيا.
ويلاحظ المراقبون المحايدون أنه على أرض الواقع لا يوجد أي حرب اقتصادية بين الاتحاد الأوروبي (وبالتالي كل واحدة من دوله على حدة) وبين روسيا. إن روسيا تبيع، بشكل رئيسي، منتجات الطاقة والخامات الى الاتحاد الاوروبي، فيما الأخير يصدر اليها المنتجات الصناعية. وليس هناك اي "حرب تجارية" على هذا الصعيد. واذا كانت روسيا قد هولت بشكل ضمني بحرب تجارية، فذلك بهدف ضيّق محدد، هو دفع أوكرانيا لتغيير وجهتها. وقد نجحت في ذلك.
وقد شعر القطاع الصناعي في شرقي أوكرانيا بـ"عواقب" هذا التهويل منذ شهر آب/اغسطس الفائت.
الصراع بين موسكو وبروكسل هو على المستوى الجيوسياسي
وتجدر الاشارة الى ان اوكرانيا تشغل مكانا مركزيا كما في الذاكرة التاريخية، كذلك في التصورات والمخططات الجيوبوليتيكية لروسيا. وفلاديمير بوتين يسعى لان يحول روسيا الى قوة معارضة، أو الى قوة ثالثة على المسرح الدولي، الى جانب اميركا والاتحاد الاوروبي. واوكرانيا، من حيث المدلول والحجم، تشغل مكانا بارزا في هذا المسعى. ونشير هنا بشكل خاص الى ما يلي: ان اوكرانيا، بعد روسيا، تقع تحت ضغط الذاكرة التاريخية حول روسيا كييف، التي هي تاريخيا أول دولة روسية، والقالب الام الذي نشأت عنه الدولة الروسية المعاصرة. ولهذا من الضروري أن تصبح أوكرانيا جزءا من الاتحاد الجمركي الذي يجمع روسيا، بيلوروسيا وكازاخستان. وهذه المجموعة عليها بدورها ان تخدم بوصفها الاساس لتشكيل الاتحاد الاوروآسيوي او الاوراسي، الذي عليه ان يتحول الى منظومة جبارة، تعوض عن انهيار الاتحاد السوفياتي. وهكذا فإن الاتحاد الاوراسي العتيد لن يكون مجرد سوق مشتركة، كما كانت عليه السوق الاوروبية المشتركة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ان الاتحاد الاوراسي هو بالتأكيد مشروع استراتيجي وجيوبوليتيكي (جيوسياسي).
وبالمقابل فإن حكومات الاتحاد الأوروبي تطمح الى عقد اتفاقات مشاركة مع جيرانها الأقرب: اوكرانيا، بيلوروسيا، مولدافيا ودول جنوبي القوقاز (جورجيا، ارمينيا واذربيجان)، من أجل خلق "طوق شرقي"، حول روسيا، مرتبط بأوروبا الغربية. ومن هنا تبرز أهمية اوكرانيا بالنسبة لبروكسل. وبروكسل لا تهدد اوكرانيا، ولكنها تشعر بخيبة امل لرفضها توقيع اتفاق المشاركة. اما روسيا فتعمل لاستبدال التوجه الاوروبي بمخطط الاتحاد السلافي ـ المسيحي الشرقي ـ الاسيوي. ولهذه الغاية تسعى روسيا لتصحيح الاحداث التي جرت في 1991 والتي ادت الى انهيار الاتحاد السوفياتي. وهذا بالضبط ما يخيف الجماعات والتيارات الموالية للغرب في دول اوروبا الوسطى والشرقية، التي توجد صلات مكثفة بينها وبين روسيا.
ومن اجل التوصل الى هدفها الرئيسي تسعى دول الاتحاد الأوروبي لصب الزيت على النار في كل الخلافات الإقليمية في دول اوروبا الوسطى والشرقية (كقضية ابخازيا واوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وقضية ناغورني كاراباخ بين ارمينيا واذربيجان، وقضية بريدنيستروفيه في مولدافيا) لتأجيج العداء ضد روسيا، ووضع العراقيل امام مساعيها لاعادة توحيد هذه البلدان مع بعضها البعض ومع روسيا. وفي هذا السياق تشكك الدول الغربية بنهج الرئيس بوتين بأنه يضع علامة الشك بصحة الحدود الاوكرانية، فيما خص الاراضي التي تقطنها أغلبية أو مجموعة كبيرة من المواطنين ذوي الاصول الروسية، كأوكرانيا الشرقية وشبه جزيرة القرم.
وتتهم الدول الغربية روسيا بأنها تحاول ان تنشئ تكتلا دوليا لزعامتها، بديلا عن الاتحاد السوفياتي السابق. وانها تفعل ذلك عن طريق التوسع السلمي. وان عملية تحديث الدولة الروسية إنما تصب في هذا الاتجاه، من اجل تحويل روسيا الى مركز جذب جديد لدول الاتحاد السوفياتي السابق. ولكن تحقيق هذا الطموح يحتاج الى عشرات السنين، ولهذا فهو لا يعدو كونه اضغاث احلام، كما يزعم "الاستراتيجيون" الغربيون.
ولكن بالرغم من خيبة املها، فلا تزال بروكسل تحاول جذب اوكرانيا لتوقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي، الا انها اخذت تعاملها بوصفها دولة عاجزة وفاقدة السيادة. علما ان مشروع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي كان يلزم اوكرانيا باجراء تغييرات دستورية وقانونية، في حين أن إمكانية انضمام اوكرانيا الى الاتحاد الجمركي بزعامة روسيا لا يلزم أوكرانيا بأي شيء من هذا القبيل، وهذا يكشف تماما المعايير المزدوجة التي يعتمدها الغرب في التعامل مع الدول "الخارجية".
وقد ظهرت على الموقع الرسمي للادارة الأميركية عريضة تدعو الى فرض العقوبات على الرئيس ومجلس الوزراء الاوكرانيين، اذا لم توقع اوكرانيا على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي.
بوتين .. طموحات لزعامة اروارسيا جديدة
وتقترح العريضة منعهم من دخول اراضي الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي، وتجميد حساباتهم البنكية وحسابات الشركات المرتبطة بهم. وستنظر حكومة اوباما رسميا في العريضة فيما اذا جمعت في غضون 30 يوما 100 الف توقيع.
ورداً على اتهام روسيا بأنها تريد بعث الاتحاد السوفياتي، يقول بعض المراقبين الحياديين إنه إذا كان الاتحاد الأوراسي بزعامة روسيا هو نسخة ثانية عن الاتحاد السوفياتي، فإن الاتحاد الأوروبي هو نسخة ثانية عن الرايخ الثالث (الهتلري).
ويقول هؤلاء المراقبون إن أوكرانيا وبيلوروسيا هما في الأساس جزءان منفصلان عن الأراضي الروسية، وإنه عاجلا أم آجلا فإن هذين الجزءين سيعودان للانضمام الى روسيا الكبرى، رضيت بذلك اوروبا ام لم ترضَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
ويلاحظ المراقبون المحايدون أنه على أرض الواقع لا يوجد أي حرب اقتصادية بين الاتحاد الأوروبي (وبالتالي كل واحدة من دوله على حدة) وبين روسيا. إن روسيا تبيع، بشكل رئيسي، منتجات الطاقة والخامات الى الاتحاد الاوروبي، فيما الأخير يصدر اليها المنتجات الصناعية. وليس هناك اي "حرب تجارية" على هذا الصعيد. واذا كانت روسيا قد هولت بشكل ضمني بحرب تجارية، فذلك بهدف ضيّق محدد، هو دفع أوكرانيا لتغيير وجهتها. وقد نجحت في ذلك.
وقد شعر القطاع الصناعي في شرقي أوكرانيا بـ"عواقب" هذا التهويل منذ شهر آب/اغسطس الفائت.
ان النزاع البعيد عن الأنظار بين . فروسيا تطمح كي تعطي شكلا واضحا لما تسميه "الخارج المجاور". والهدف النهائي لهذه الاستراتيجية هو تأمين منطقة نفوذ تقودها موسكو.
الصراع بين موسكو وبروكسل هو على المستوى الجيوسياسي
وبالمقابل فإن حكومات الاتحاد الأوروبي تطمح الى عقد اتفاقات مشاركة مع جيرانها الأقرب: اوكرانيا، بيلوروسيا، مولدافيا ودول جنوبي القوقاز (جورجيا، ارمينيا واذربيجان)، من أجل خلق "طوق شرقي"، حول روسيا، مرتبط بأوروبا الغربية. ومن هنا تبرز أهمية اوكرانيا بالنسبة لبروكسل. وبروكسل لا تهدد اوكرانيا، ولكنها تشعر بخيبة امل لرفضها توقيع اتفاق المشاركة. اما روسيا فتعمل لاستبدال التوجه الاوروبي بمخطط الاتحاد السلافي ـ المسيحي الشرقي ـ الاسيوي. ولهذه الغاية تسعى روسيا لتصحيح الاحداث التي جرت في 1991 والتي ادت الى انهيار الاتحاد السوفياتي. وهذا بالضبط ما يخيف الجماعات والتيارات الموالية للغرب في دول اوروبا الوسطى والشرقية، التي توجد صلات مكثفة بينها وبين روسيا.
ومن اجل التوصل الى هدفها الرئيسي تسعى دول الاتحاد الأوروبي لصب الزيت على النار في كل الخلافات الإقليمية في دول اوروبا الوسطى والشرقية (كقضية ابخازيا واوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وقضية ناغورني كاراباخ بين ارمينيا واذربيجان، وقضية بريدنيستروفيه في مولدافيا) لتأجيج العداء ضد روسيا، ووضع العراقيل امام مساعيها لاعادة توحيد هذه البلدان مع بعضها البعض ومع روسيا. وفي هذا السياق تشكك الدول الغربية بنهج الرئيس بوتين بأنه يضع علامة الشك بصحة الحدود الاوكرانية، فيما خص الاراضي التي تقطنها أغلبية أو مجموعة كبيرة من المواطنين ذوي الاصول الروسية، كأوكرانيا الشرقية وشبه جزيرة القرم.
وتتهم الدول الغربية روسيا بأنها تحاول ان تنشئ تكتلا دوليا لزعامتها، بديلا عن الاتحاد السوفياتي السابق. وانها تفعل ذلك عن طريق التوسع السلمي. وان عملية تحديث الدولة الروسية إنما تصب في هذا الاتجاه، من اجل تحويل روسيا الى مركز جذب جديد لدول الاتحاد السوفياتي السابق. ولكن تحقيق هذا الطموح يحتاج الى عشرات السنين، ولهذا فهو لا يعدو كونه اضغاث احلام، كما يزعم "الاستراتيجيون" الغربيون.
ولكن بالرغم من خيبة املها، فلا تزال بروكسل تحاول جذب اوكرانيا لتوقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي، الا انها اخذت تعاملها بوصفها دولة عاجزة وفاقدة السيادة. علما ان مشروع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي كان يلزم اوكرانيا باجراء تغييرات دستورية وقانونية، في حين أن إمكانية انضمام اوكرانيا الى الاتحاد الجمركي بزعامة روسيا لا يلزم أوكرانيا بأي شيء من هذا القبيل، وهذا يكشف تماما المعايير المزدوجة التي يعتمدها الغرب في التعامل مع الدول "الخارجية".
وقد ظهرت على الموقع الرسمي للادارة الأميركية عريضة تدعو الى فرض العقوبات على الرئيس ومجلس الوزراء الاوكرانيين، اذا لم توقع اوكرانيا على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي.
بوتين .. طموحات لزعامة اروارسيا جديدة
ورداً على اتهام روسيا بأنها تريد بعث الاتحاد السوفياتي، يقول بعض المراقبين الحياديين إنه إذا كان الاتحاد الأوراسي بزعامة روسيا هو نسخة ثانية عن الاتحاد السوفياتي، فإن الاتحاد الأوروبي هو نسخة ثانية عن الرايخ الثالث (الهتلري).
ويقول هؤلاء المراقبون إن أوكرانيا وبيلوروسيا هما في الأساس جزءان منفصلان عن الأراضي الروسية، وإنه عاجلا أم آجلا فإن هذين الجزءين سيعودان للانضمام الى روسيا الكبرى، رضيت بذلك اوروبا ام لم ترضَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل