ارشيف من :آراء وتحليلات

لا يُصلح مؤتمر طرابلس ما أفسده تيّار المستقبل

لا يُصلح مؤتمر طرابلس ما أفسده تيّار المستقبل
انشغلت قيادات في 14 آذار وتيّار المستقبل على مدى أكثر من شهرين بالتحضير لمؤتمر "العيش المشترك" في طرابلس. في الدعاية السياسية للمؤتمر، روّج المنظمون لمؤتمر مصالحة وعيش مشترك في المدينة التي مزّقتها الفتنة. في 16 كانون الأول تمخّض المؤتمر الوطني فولد حفلة شتائم وسباب وجّهتها شخصيات من 14 آذار الى الشريك الآخر في الوطن.

بعد مرور أكثر من أسبوع على "إعلان طرابلس"، لا شيء تغيّر في واقع المدنية، لكن المؤتمر أحدث عاصفة من الانتقادات داخل المعسكر الآذاري نفسه. على الأثر، تحرّكت الحساسيات بين مكوّنات الفريق، وحضرت الحسابات الانتخابية لجماعاته وأفراده على حد سواء.

السنيورة: أهداف شخصية

خطف رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب فؤاد السنيورة أضواء مؤتمر طرابلس. كلمته خلال المهرجان كانت أقرب الى خطاب التتويج. غياب رئيس تيارالمستقبل سعد الحريري عن لبنان، أفاد السنيورة كثيراً ومكّنه من توسيع شعاع تأثيره وسيطرته على القرار داخل التيّار الأزرق. تخطى تأثير السنيورة أسوار تيّار المستقبل، وامتد على طول مساحة القرار الخاص بتكتّل 14 آذار.

استغل السنيورة إطلالته الطرابلسية لفائدته الشخصية. بدا كمن يقدّم نفسه وريثاً شرعياً لزعامة سعد الحريري الموروثة أصلاً، لكن السنيورة فرضها بحكم الأمر الواقع الذي عكسته هجرة الحريري الابن الطويلة وغير معروفة النهايات. وعبر استراتيجية القضم، يسعى السنيورة لتقديم نفسه كزعيم على الساحة السُنية، لا مجرّد نائب أو رئيس حكومة سابق.

14 آذار بحاجة لمؤتمر جامع

فيما يتعلّق بفريق 14 آذار بشكل عام، فقد أُريد لمؤتمر طرابلس الذي عُقد أخيراً أن يكون نقطة تحوّل في مسار الفريق. بعد التآكل الذي أصاب مفاصيل المعسكر الآذاري كان لا بد من حدث يجمع الأفرقاء لتشكيل انطلاقة جديدة. كانت الأحداث الأمنية في طرابلس تتفاعل، حتى فقد المحرّكون الأساسيون من خلف كواليس طرابلس، السيطرة على المجموعات المسلّحة فيها.

لم تحقق جولات العنف المتنقلة في طرابلس الأهداف المرجوة منها، وأبرزها جعل المدينة بؤرة مؤثرة في الأحداث السورية، خصوصاً مع التقدّم الميداني الذي يحققه الجيش السوري في المناطق الحدودية المتاخمة للشمال اللبناني. بل على العكس، باتت المجموعات المسلّحة في طرابلس تؤذي تيّار المستقبل سياسياً وشعبياً، كما أنها باتت بتصرّفاتها تثير ريبة الرأي العام المسيحي، ما ينعكس حرجاً على القوات والكتائب الحليفين الأساسيين للمستقبل ومسلّحيه في الشمال.

فقد نمت التيّارات السلفية المسلّحة على جنبات مناطق نفوذ تيّار المستقبل، حتى باتت تسيطر على نسبة كبيرة من تلك المناطق، واضطر التيّار الذي يصنّف نسفه وسطياً الى اللحاق بها لاستدراك شارعه.

المستقبل: وجه لبنان العنيف!

ضربت أحداث طرابلس المتسلسلة الصورة التي حرص تيّار المستقبل على رسمها لنفسه. تيّار القلم والكتاب بات يُنظر إليه على أنه تيّار السلاح المنفلت، ومموّل للجماعات المسلّحة المختلفة الولاءات. لم يعد يمكن لتيّار المستقبل ادّعاء الوسطية، وتخيير اللبنانيين بينه وبين المتطرّفين الإسلاميين الذين آواهم في غير بقعة من بقاع لبنان.

لم يقتصر الضرر على صورة تيّار المستقبل نفسه، بل تعداّها ليطال عموم البيئة التي كان تيّار آل الحريري ممثّلها الأكبر وشبه الوحيد. انعكس الانفلات العام الذي يعانيه تيّار المستقبل على بيئته الحاضنة التي بات يُنظر إليها على أنها بيئة حاضنة للجماعات المسلّحة الخارجة على الدولة والقانون ومعادية للجيش اللبناني ومؤسسات الدول الأمنية والقانونية.

انفلت العقال من يد المخطّطين في التيّار الذي يتزعّمه الحريري الابن ويديره عبر مستشاريه من باريس والرياض. طرابلس مثال حيّ. تحوّل التوظيف السياسي للأحداث الأمنية المتنقلة فيها عن هدفه الأساسي، وباتت طرابلس ساحة صراع متقدّمة لوجوه وشخصيات أنشأها المستقبل أو تبنّاها. أصبحت كل شخصية لديها مجموعة مسلّحة تأتمر بها، وتدير أذنها الطرشاء للمستقبل وقيادييه.

إنطلاقاً من هذه الصورة القاتمة، شعر المستقبل بحاجة ماسّة لتحسين صورة حاضنته الشعبية لدى اللبنانيين بشكل عام، وأمام حلفائه من مسيحيي 14 آذار بشكل خاص. اتخذ المستقبل وفريقه الآذاري من طرابلس وأحداثها منطلقاً لإعادة تعويم الفريق المترهّل، ومناسبة للتنصّل من كل ما ارتكب في المدينة من موبقات أمنية وسياسية وحتى اجتماعية، ورميها في وجه الخصوم إيران وسوريا وحزب الله.

إذاً، عقد تيّار المستقبل بوصفه الرافعة الأساسية لفريق 14 آذار، مؤتمراً في طرابلس لدعم مصالحة وطنية، من المفترض أن تتم مع فريق آخر من أهل المدينة نفسها. "عَزَمَ" المستقبليون حلفاءهم في 14 آذار لحضور المؤتمر. لم يستبعدوا نصف المدينة الآخر فحسب، بل شنّوا عليه هجوماً إقصائياً وإلغائياً وتخوينياً، ثم دعوا الى محاكمته وزجّ رموزه في السجون.. وإتمام المصالحة الوطنية. سجّلوا نقاطاً في مرمى بعضهم بعضا. أوصلوا رسائل انتخابية. لكن الإنجاز الأبرز الذي خرجوا به من المؤتمر كان تشكيل لجنة لمتابعة مقررات "إعلان طرابلس ".
2013-12-25