ارشيف من :آراء وتحليلات

حماوة المواقف من الاستحقاقين، الحكومي والرئاسي: الدوافع والخلفيات

حماوة المواقف من الاستحقاقين، الحكومي والرئاسي: الدوافع والخلفيات
مصطفى الحاج علي

ارتفعت مؤخراً وتيرة الكلام حول الاستحقاقين الدستوريين الأبرز في هذه المرحلة: الاستحقاق الرئاسي والاستحقاق الحكومي.
ثمة دوافع متنوعة تقف وراء هذا الارتفاع في وتيرة الكلام حول كل منهما.. يمكن إيجازها بالآتي:
أولاً: الخوف من الفراغ المطلق، أي أن يتم تجاوز المواقيت الدستورية من دون الوصول إلى توافق على تركيبة الحكومة وبيانها الوزاري في ظل تمسك كل طرف بالصيغة التي يراها مناسبة له سياسياً، ومن دون التوافق أيضاً على اسم رئيس الجمهورية، وذلك في الوقت الذي يصر فريق الرابع عشرة من آذار على تعطيل المؤسسة الدستورية الأم أي مجلس النواب.
والفراغ المطلق هو الاسم الحركي لوضع لبنان في وضعية الدولة المعلقة، ما يعني بدوره تشريع الأبواب أمام كل أشكال الفوضى.
ثانياً: إننا دخلنا بالفعل مرحلة اتخاذ القرارات الحاسمة استناداً إلى جملة معطيات أبرزها:
أ ـ انطلاق صفارة العد السياسي للاستحقاق الرئاسي، في حين موعد انطلاقها الدستوري هو الخامس والعشرون من شهر آذار لعام 2014، ما يعني الحاجة الماسة للتحرك على خط التحفيز للتوافق على اسم الرئيس المقبل، بالتزامن مع خط التحفيز على تشكيل حكومة جديدة كإجراء احتياطي من المتضررين من الحكومة الحالية لملء فراغ سدة الرئاسة الأولى في ما لو يتم التوصل إلى تفاهم ومن ثم انتخاب رئيس جديد ضمن المهل الدستورية المنصوص عليها.
ولا يخفى على لبيب أن جانباً من عودة العزف على حكومة أمر واقع أو "حيادية"، وضمن سقف زمني هو الخامس والعشرون من آذار المقبل، هو للضغط على الفريق الرافض هكذا حكومة لتليين شروطه في ما يخص الاستحقاق الرئاسي.
ب ـ وجود قرار دولي يتقاطع مع استعدادات إقليمية لإنجاز تسويات ولو بصيغ أولوية تشكل خطوة أولى في مسار استراتيجية أوسع تتحدد في نهاياته الهيكلية الجديدة للمنطقة: التسوية ـ الإطار للملف النووي الإيراني. التسوية ـ الإطار للقضية الفلسطينية ومعها قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأخيراً التسوية الخاصة بالأزمة السورية تحت عنوان جنيف ـ 2، والمتوقع أن تنطلق في أواخر كانون الثاني المقبل من العام الجديد.
لا يمكن فصل هذه المسارات عملياً، وإن كان لكل منها خصوصيته، فكل منها يتصل بالآخر بوشائج قوية صراعياً أو تفاوضياً.
وما يهمنا هنا على نحو رئيسي التطورات الخاصة بالأزمة السورية التي لبنان جزء رئيسي منها لأكثر من اعتبار معروف.
ومما بات معروفاً أن النظام السعودي وأدواته في لبنان سواء المتمثل منها بفريق الرابع عشر من آذار، أم المتمثل منها بالمجموعات التكفيرية، ينظران إلى لبنان من زوايا أساسية: زاوية التأثير على المعطيات الميدانية في سورية من خلال بذل كل ضغط ممكن سياسي واقتصادي وأمني على حزب الله، لدفعه للانسحاب من هذه المعادلة الميدانية. زاوية الإمساك بالقرار اللبناني عبر الإمساك تحديداً بالحكومة ومن ثم موقع الرئاسة بما يخدم الهدف الآنف، وبما يخدم تحويل لبنان إلى ورقة تعويض عن خسارة محتملة في سوريا. وأخيراً زاوية الخوف من أن تؤدي خسارته في سوريا إلى خسارة لبنان لمصلحة خصومه، جرّاء انعكاس توازنات القوة الجديدة على واقع التوازنات في لبنان، في الوقت الذي يعاني فريقها في لبنان من خيبة وتراجع كبير، الأمر الذي قد يفتح الباب واسعاً لإنتاج تسوية سياسية جديدة للبنان.
وهذا ما يفسر تدبيج فريق الرابع عشرة من آذار كل مواقفه السياسية التكفيرية بمطلب لازمة هو دعوة حزب الله للخروج من سورية، وذلك كشرط رئيسي لتسهيل مسألة مشاركته في أي حكومة جديدة. والأخطر هنا هو محاولة هذا الفريق ملاقاة ما يتوقعه من نتائج ميدانية في سورية، خصوصاً في منطقة القلمون، حيث تتحدث معطيات أمنية عن أن مخطط هؤلاء وأسيادهم البندريون هو تهيئة البيئة الملائمة لاحتضان آلاف المسلحين التكفيريين الذين يتوقع لهم الفرار من منطقة يبرود التي هي آخر مناطق القلمون باتجاه بلدة عرسال وعكار على أن يتم ربطها بطريق عسكري، مستندين في ذلك إلى بيئة حاضنة من النازحين السوريين وبيئة حاضنة مشحونة بكل أشكال التحريض المذهبي والتكفيري. وأما الخطوات المكملة لإنجاز هذا الهدف فتتمثل بـ:

ـ استهداف حزب الله وبيئته الحاضنة.

ـ رفع نسبة الحماوة في مواجهة الجيش، عبر فتح أكثر من جبهة معه، لتقييده وتحييده من خلال تصويره بأنه جيش يعمل لمصلحة طائفة بعينها.

ـ السعي لإقحام الفلسطينيين في الصراع الداخلي، من خلال ما يحصل في مخيم عين الحلوة الذي يشهد تعاظم حضور القوى التكفيرية، إضافة إلى رصد اتصالات وثيقة مع جهة سياسية معروفة في صيدا تعمل على دعم وتشجيع وتحريض هؤلاء على لعب هكذا دور.

باختصار، إن فريق الرابع عشر من آذار بخطابه التكفيري إنما يعمل على توفير المناخ السياسي الملائم، مع الدفع نحو الفراغ في حال تعذر خطف الحكومة والرئاسة، لإيجاد الأرضية الصلبة لتفجيرات واسعة.

ثالثاً: ما تقدم يوضح خطورة الاستحقاق الحكومي في هذه المرحلة، فمن يدفع باتجاه حكومة أمر واقع أو "حيادية"، وبمعزل عن الصيغ التسويقية المطروحة، لا يمكن اعتبارها إلا مواقفاً غير حيادية وغير جامعة، لأنها تستهدف تسليف فريق الرابع عشر من آذار ومن وراءه النظام السعودي الحكم في لبنان، وبالتالي نقل لبنان إلى موقع الصدام مع خيار الفريق الآخر، وبالتالي يصح نعت هكذا توجه بالفتنة، وذلك في مقابل إصرار هذا الفريق على حكومة تسوية وتوازن تستطيع لوحدها أن تحول دون بلوغ الأمور داخلياً لحظة الصدام المطلق. وما سيفاقم من هذا الوضع هو احتمال تعذر التفاهم على اسم الرئيس المقبل، ما سيعني عملياً نقل صلاحايته إلى حكومة من هذا النوع، وبالتالي تمديد الصراع إلى أمدٍ غير معروف.

رابعاً: من حق المسيحيين أن يبلغ القلق لديهم مداه في حال تعذر التفاهم على اسم رئيس جديد، باعتبار هذا الموقع هو الموقع المسيحي الماروني الأول، والضمانة الرئيسية لاستمرار موقعهم ودورهم في لبنان. إلا أن التفاهم على اسم الرئيس هو مسؤولية مسيحية بالدرجة الأولى. كما أن القلق الذي لديهم لا يمكن معالجته بمجرد رفض الفراغ، وبذريعة الخوف من الوصول إليه القبول بتشكيل حكومة فتنة، وإنما بأخذ المبادرة للضغط وللدفع باتجاه تشكيل حكومة جامعة سياسية متوازنة، وليتحمل حينئذٍ كل فريق مسؤوليته، وليظهر من هو مع الفراغ فعلياً، ومن هو ضده، خصوصاً ما توجيه دعوة الزامية لفتح المجلس ومنح الثقة لهكذا حكومة.

لا شك، أن العام المقبل ليس فقط حسم الخيارات وإنما عام المسؤوليات الوطنية الكبيرة، والاستحقاقات ليست إلا محطة لتظهير من هو الذي يعمل وطنياً. وقد نكون أمام فرصة تاريخية لتسوية شاملة لكل من الاستحقاقين من ضمن سلة واحدة.
2013-12-28