ارشيف من :آراء وتحليلات

هكذا قتل محور الشر محمد شطح وإخوانه (2)

هكذا قتل محور الشر محمد شطح وإخوانه (2)

بعد اغتيال الحريري استقالت حكومة الرئيس عمر كرامي تحت ضغط المعارضة، وتم تشكيل حكومة اخرى بمشاركة قوى الرابع عشر من اذار محققةً حلم بعضهم بالسلطة وحصولهم على حقائب وزارية اساسية كالداخلية والعدل، كما انسحب الجيش السوري من لبنان، وعيّنت الأمم المتحدة فريقاً دولياً لتقصي الحقائق في جريمة الاغتيال. في الثالث من حزيران عام 2005، اغتيل الصحافي في جريدة النهار سمير قصير، المعارضة رغم إمساكها بالحكومة وبالأمن لا سيما أمن أعضائها اتهمت سوريا، وطالبت برحيل رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وهو أمرٌ كانت تسعى إليه منذ سنوات. وبعد اغتيال قصير مباشرةً أُجريت الانتخابات النيابية بفوز أكثري لقوى الرابع عشر من آذار. في تموز، نجا وزير الدفاع الأسبق إلياس المر من محاولة اغتيال ليصار بعدها الى اصدار عفو خاص عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالإضافة الى موقوفي الضنية ومجدل عنجر.

الاتهام نفسه كان جاهزاً عند اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي المناضل ضد العدو الإسرائيلي. عائلته رفضت اتهام سوريا لاحقاً وصوّبت البوصلة نحو الكيان الصهيوني. أيامٌ وشكّل فؤاد السنيورة حكومة من 24 وزيراً بأغلبية فريقه السياسي شارك فيها حزب الله لأول مرة. توالت سلسلة الاغتيالات لتطال النائب جبران تويني في 12 كانون الأول 2005 عشية مناقشة مجلس الأمن الدولي لموضوع المحكمة ذات الطابع الدولي. تم توجيه الاتهام الى سوريا، والبعض الآخر اتهم رئيس حزب القوات سمير جعجع. بعدها، رئيس الحكومة يطرح توسيع عمل المحكمة الدولية خارج جدول الأعمال، فينسحب وزراء حركة أمل وحزب الله ويعلّقون اعمالهم معتبرين ان المحكمة تريد الوصاية على البلد.

في 21 تشرين الثاني من العام 2006، تم اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل. الاتهام آنذاك وُجِّه الى سوريا وفتح الإسلام والبعض الآخر اتهم رئيس حزب القوات سمير جعجع. اغتيال الجميّل جاء في اليوم الذي كان من المفترض فيه دراسة مشروع المحكمة الدولية كما ورد من مجلس الأمن في مجلس النواب من اجل ابداء الملاحظات عليه. ولكن بعد الاغتيال ضغطت قوى الرابع عشر من اذار باتجاه الموافقة عليه فوراً دون درسه مخالفةً الإجراءات التي يقتضيها الدستور من حيث موافقة رئيسي الجمهورية ومجلس النواب. ولعل الفقرة الخاصة في قرار مجلس الأمن التي تشير إلى موافقة الأغلبية البرلمانية في لبنان على نظام المحكمة، تنطوي على أكبر عملية تزوير في تاريخ الأمم المتحدة. ذلك أن الإشارة إلى هذه الأغلبية تستند إلى كتاب رئيس الوزراء اللبناني إلى مجلس الأمن بتاريخ 14/5/2007 الذي ذكر فيه موافقة أغلبية برلمانية، في حين أن مجلس النواب اللبناني لم يجتمع حتى تصدر عنه موافقة بالأغلبية، وأن كل ما حدث هو توقيع (70) نائبا لبنانيا خارج مجلس النواب على عريضة بهذا الصدد، علماً أن الحكومة اللبنانية وكل عضو في مجلس الأمن يعلم بأن الأمر لا يعدو أن يكون عريضة موقعة خارج مجلس النواب، وليس لها أية قيمة قانونية أو دستورية وفقاً للدستور والنظام القانوني اللبناني.

هكذا قتل محور الشر محمد شطح وإخوانه (2)


عقب تصريح الرئيس الفرنسي في ذلك الحين نيكولا ساركوزي الذي دعا فيه الى الحوار مع سوريا، طال مسلسل الاغتيال النائب وليد عيدو، وطبعاً المتهم سوريا رغم التحقيقات التي اجراها قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات والتي كشفت تورط فتح الإسلام واعترافهم بقتل عيدو واللواء فرنسوا الحج وتفجيرات اخرى طالت اليونيفل والجيش اللبناني. المحكمة الدولية أُقرّت تحت الفصل السابع، وطالب المنسق العام لقوى الرابع عشر من اذار فارس سعيد من باريس فرض الحماية الدولية على لبنان.

في ايلول 2007 تم اغتيال النائب انطوان غانم بعد يومين على عودته من الخارج وقبل ايام على بدء الانتخابات الرئاسية في لبنان، واراد الرابع عشر من اذار ان يكون الرئيس من فريقهم السياسي.

توقفت الاغتيالات خمس سنوات لتعاود وتيرتها عام 2012 وتطال هذه المرة اللواء وسام الحسن، الرجل الذي قيل إنه مشتبه به في اغتيال الحريري. اغتيال الحسن أتى في اسوأ لحظات قوى الرابع عشر من اذار، سياسياً من دون انجازات وشعبياً في أدنى مستوياتها منذ 2005، اغتيالٌ أمِل هذا الفريق ان يشكل رافعة شعبية مفقودة له في وقتٍ أثبتت الثامن من اذار تفوقها الشعبي في الشارع وتقدّم محورها في المنطقة الممتد من روسيا الى ايران الى سوريا التي تتعرض الى حرب كونية جعلت من قوى الرابع عشر من اذار مهللةً وداعمة بالسلاح والمقاتلين لجماعات متطرفة تنتمي الى تنظيم القاعدة والممولة من ربيبتها السعودية. الرابع عشر من اذار اتهمت حزب الله وسوريا بقتل الحسن، سوريا المشغولة بحربها العالمية ماذا يقدم او يؤخر لها الحسن؟ هي تحارب الأصيل على أرضها لتقطع رأس الأفعى، وحزب الله ماذا يفعل بالحسن وماذا يستفيد؟ المقاومة لديها جبهتان تحمي بهما الوطن وأهله موالاة ومعارضة بدمائها: الأولى ضد اسرائيل، والثانية ضد الجماعات الإرهابية في سوريا، ما تريد بالحسن؟ اشعال لبنان؟ هل تستطيع فتح جبهة ثالثة؟ ولماذا؟

من يراقب عمليات الاغتيال التي طالت الرابع عشر من اذار يدرك انها المستفيدة الوحيدة منها، كل اغتيال شكّل رافعة لإنجاز سياسي ما والحصول على منصب ما، وكل اغتيال ضيّق الخناق على سوريا كلما ارادت فتح هوة في جدار القطيعة الدولية، وكل اغتيال عزز التقارب السعودي الأميركي للسيطرة على لبنان وشيطنة حزب الله بوسائل لم يستطع هؤلاء انتزاعها في حرب تموز 2006 خدمةً لإسرائيل، وإذا لاحظنا مجرى سير المحكمة الدولية خلصنا الى توجيه الاتهام بدايةً الى سوريا، ثم توجيه الاتهام الى الضباط الأربعة وسجنهم زوراً لسنوات كي يُصار الى اخلاء سبيلهم لاحقاً، لتتحوّل التهمة اخيراً الى حزب الله وهو المقصود.

استمرت الأحداث الأمنية الإرهابية متنقلة في لبنان، طالت المدنيين الأبرياء في الضاحية والشمال موقعة خسائر كبيرة في الأرواح. جماعاتٌ ممولة سعودياً تنتمي الى القاعدة تبنّت. وكلما ضاق الخناق على التكفيريين في سوريا، ارتفعت وتيرة التفجيرات والسيارات المفخخة في لبنان والآتية من الحدود السورية عبر عرسال. السعودية لم تعد تحتمل خسارتها. الأسد يسيطر في الميدان وأصبح قاب قوسين من اعلان الانتصار، خاب أمل السعودية بالولايات المتحدة مرتين: عندما تراجعت عن الضربة لسوريا، وعندما رضخت لإيران، عندها أقسم بندر بن سلطان على قلع أعين البنتاغون.

إغتيال شطح والديباجة نفسها


غباءٌ استخباراتي حاد رافق عملية اغتيال وزير المالية الأسبق محمد شطح. وطبعاً بعدها بدقائق وجهت الرابع عشر من اذار اصابع الاتهام الى سوريا وحزب الله، هذا الحزب الذي أقرّت أجهزة استخبارات الكون انه من اهم الأجهزة الأمنية في العالم، فهل يُعقل لحزب هزم اقوى جيش في الشرق الأوسط وغيّر معادلة الصراع في سوريا، وأتمّ اكثر صفقات تبادل الأسرى تعقيداً ان يرتكب هكذا هفوة لا تشبهه ولا تشبه اخلاقه وعقيدته واهدافه؟ هذه إهانة لذكاء حزب الله وإبداعاته وقدراته، لا يصدّقها العدو قبل الصديق.

وفي حال سلّمنا جدلاً ان الحزب يريد في الخيال ان يغتال احد قيادات الرابع عشر من اذار، ألا يختار شخصية اكثر تأثيراً من شطح؟ شخصية اكثر عداء للحزب وتحاربه اعلامياً وعسكرياً؟ طيب، في حال اراد الحزب اغتيال شطح، هل يغتاله في منطقة تقع ضمن حماية الأمن الخاص بالرابع عشر من اذار والمزدحمة بكاميرات المراقبة؟ ما الهدف من اغتيال شطح؟ السلطة؟ حزب الله لديه السلطة والشعبية ومحوره هو المنتصر في المنطقة يعني هو في احسن احواله إقليمياً. من اغتال شطح اراد اشغال حزب الله عن معركته الحقيقية في محاولةٍ لإشعال الفتنة داخلياً من اجل انهاك قوى المقاومة سياسياً وشعبياً إن لم نقل عسكرياً في حال سنّت الجماعات التكفيرية المتفشية في البلد سواطيرها. التحقيقات الأولية في الاغتيال تشير الى تورط فتح الإسلام، لكن فريق السنيورة سارع كالعادة الى المتاجرة بالدم والرقص على اشلاء صديقهم. طلعوا على اللبنانيين على الشاشات بحفلات جنون اختصارها: نريد السلطة، نريد حكومة أمر واقع بل حكومة 14 اذار لا يشارك فيها حزب الله... دون ان ننسى طبعاً ان انتخابات الرئاسة على الأبواب.

الولايات المتحدة فهمت الرسالة، سارعت الى نعي رجلها المعتدل في لبنان. والجدير بالذكر ان شطح كان من رافضي دعم الجماعات المتطرفة في سوريا في وقتٍ جنح زملاؤه الى مدّها بما يلزم. من قتل شطح اراد قتل الاعتدال المتمثل في هذا الفريق الداعي الى الحوار او بالأحرى اراد قتل الهوى الأميركي المتمثل في هذا الفريق والإبقاء على الهوى السعودي. بندر ارادها معركة لتصفية الحسابات إقليمياً ودولياً، والإبقاء على جناحه المتطرف لبنانياً، فالجريمة لا تعدو مجرد "قرصة أذن" للولايات المتحدة أن توقفّي عن التودد لإيران وإلا عمليات الاغتيالات والتفجيرات التي تطال رجالك المحليين ستستمر، وستكر سبحة الرابع عشر من اذار اكثر فأكثر كلما اشتد الخلاف بين الرياض وواشنطن، ليس فقط في لبنان. فيا هذا الفريق الذي تحول الى كبش فداء اتعظوا، أما علّمكم التكرار؟ لا نطلب منكم اسقاط فرضية السوري وغيره، وسّعوا دائرة شكوككم رغم دلائل تورط العدو او الحليف ولو افتراضياً، لستم سوى ادوات يتم التخلص منها وقت الحاجة، ربيبتكم كالأرملة السوداء تأكل زوجها وأولادها، كيف لا وهي التي تقتل اخوتها في العائلة المالكة من اجل العرش؟ فهل بربكم ستكترث بدمائكم الغريبة؟ ولكم في التاريخ عبرة يا أولي الألباب.

للإطلاع على الجزء الأول:
2014-01-01