لبنان نظاماً سياسياً إشكال قديم، كحالة مركبة طائفياً وجغرافياً ساهمت العوامل التاريخية في لحمتها دون أن تستكمل فعل الصهر والسبك، وهو لا يزال قضية سجالية وتنازعية بين اللبنانيين، أي نظام نريد؟ واليوم وسط موجات الخراب والإضطراب التي تضرب المنطقة، تسبح سفينة لبنان الوطن في حقل من الإشكاليات التاريخية والبنيوية، فإلى أين يمكن أن تصل بها العاصفة؟ وهل ثمة جبل ترسو عليه بعد الطوفان؟

حسناً فعل وسام سعادة في طرح قضية المشروع البديل عن النظام السياسي القائم حالياً في لبنان. النظام الذي عاثت فيه الحريرية السياسية والإقتصادية فساداً حتى النخاع، مغرقةً البلاد في كم هائل من الديون، وبانية مجد طبقة استغلالية على عظام الفقراء من كل الطوائف.

بنظر وسام الذي يعكس وجهة نظر الحريرية السياسية معطوفة على التطرف التكفيري الذي ترعاه أمنياً ومالياً ولوجستياً، حزب الله هو مشروع تغلبي فئوي يعمل على تعطيل المؤسسات الدستورية وتفريغها من معانيها، وهل بقي إلا الفتات الذي خلفته آلة الإستحواذ الحريرية ؟! ولكن بنظر الكاتب، الحريري التفكير، ليس هناك بديل يطرحه حزب الله وهنا تكمن المشكلة، فهو يعمل لإحلال هيمنة فئوية شمولية دون أن يكون عنده هدف واضح في المسألة اللبنانية، كذلك الهدف الذي ينشده التيار الأزرق من خلال تغذية آلة الفتك والتخريب الذاتي المتمثلة بالتيارات التكفيرية، فالحزب بنظره لا يريد إلا التحكم بالعباد من موقع الإستفادة الطفيلية، فهو حزب تقويض لا تأسيس، بالمقارنة مع كتائب عبد الله عزام.
 

الحزب الذي لم يشارك في عملية نهب الدولة في التسعينات، منصرفاً إلى تقديم الشهداء، وسكت على مجزرة 13 أيلول 1993 التي استشهد فيها مناصروه رجالاً ونساءً لأنهم رفضوا الإنبطاح أمام اسرائيل، والذي لم يستغل الإنتصار المدوي عام 2000 والذي يقر الحريريون وأمثالهم بأنه أعطى الحزب مدىً حيوياً هائلاً في العالمين العربي والإسلامي، والذي لا يزال ساكتاً على الإتهام الظالم باغتيال رفيق الحريري والذي تسبب بإشعال حقد غذته الوهابية في العالم العربي ضد المقاومة ما جعلها هدفاً مبطناً للثورة السورية الإرهابية منذ بداية انطلاقها، والحزب الذي يعرف الجميع قدرته على القيام بانقلاب والسيطرة على الدولة دون أن يفعل.. هذا الحزب بنظر الكاتب المستقبلي يحمل مشروعاً تغلبياً ظلامياً عنفياً فتنوياً، رؤية تعيدنا إلى الأسلوب الوهابي في إطلاق الأحكام التكفيرية على خلفية المصلحة السياسية.

المشكلة التي يطرحها وسام هي أن الحزب لا يحمل رؤية بديلة للنظام القائم، وهو للحقيقة لم يطرحها بعد، لكن الأكيد أن البديل الذي يمكن أن يتمخض عن تجربة الحزب سواءً من ناحية الإنجاز في التحرير والدفاع في مواجهة الصهينة والتكفير كوجهين لمشروع واحد، أو لناحية النزاهة والمصداقية، هو بديل أفضل بألف مرة من التكفيرية الهمجية آكلة الأكباد بشقيها الوهابي والليبرالي.