ارشيف من :آراء وتحليلات

هل تكفي العمليات العسكرية للقضاء على ’داعش’ ورفاقها في العراق؟

هل تكفي العمليات العسكرية للقضاء على ’داعش’ ورفاقها في العراق؟

قد لا يختلف اثنان على ان تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" بات يمثل العنوان الابرز في خارطة الارهاب في المشهد العراقي، وصعود نجمه يعني تعرض كيان الدولة العراقية بمختلف مؤسساتها ومفاصلها، ومعها المجتمع العراقي لخطر التفكك والانهيار، وتراجعه وانحساره يعني العكس تماما.

هذا التصور صحيح في جانب كبير منه، الا انه لا يمثل ولا يعكس الصورة الكلية الاجمالية للواقع، لاسباب واعتبارات عديدة، لا بد ان نتوقف عندها قليلا، حينما نريد ان نرسم مسارات لما يمكن ان تؤول اليه المواجهة الحالية بين الجيش العراقي وابناء العشائر من جهة، والجماعات الارهابية المسلحة "داعش" من جهة اخرى، ومن هذه الاسباب والاعتبارات:

-ان تنظيم داعش، هو في الواقع احد اجنحة تنظيم القاعدة الارهابي، الذي يتسم بصفة العالمية، ولا يعد وليدا جديدا او طارئا على مسرح الاحداث، ولا نخطئ اذا قلنا ان داعش تمثل امتدادا لدولة العراق الاسلامية، وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وعناوين اخرى عديدة ظهرت بعد عام 2003، ان لم تكن من فروع "القاعدة" فإنها كانت تدور في فلكها وتتحرك في فضائها.

- وبما ان "داعش" هي نتاج اندماج فرعي لتنظيم القاعدة في كل من سوريا والعراق، فهذا يعني ان ذلك التنظيم غير محدد ولا منحصر مكانيا في جغرافية العراق، بل انه يمتد الى سوريا، وبالتالي الى لبنان ومواقع اخرى في الخارطة الاقليمية التي باتت ملفاتها وقضاياها وازماتها متداخلة ومتشابكة، وما يجري في سوريا منذ ما يقارب ثلاثة اعوام، وما يجري في لبنان من عمليات ارهابية، وكذلك ما يجري في العراق، لا يختلف في الكثير من سياقاته وآلياته وادواته ووسائله واهدافه، علما ان "داعش" لا يتردد ولا يتحرج من الاعلان عن مسؤوليته بإزهاق الارواح وسفك الدماء انطلاقا من حسابات واهداف ودوافع طائفية مذهبية.
- وبما ان هذا التنظيم لم يظهر مؤخرا، وانما هو واقع قائم منذ عدة اعوام، ولكن بمسميات وعناوين اخرى، وبما انه يمتلك القدرة على التحرك في مساحات واسعة، والوصول الى مفاصل حساسة ومهمة، فهذا يؤشر بوضوح الى ان هناك من يسهل له النفاذ إلى بعض هذه المفاصل بعدما تمكن من التغلغل في بيئة سياسية واجتماعية وحتى إعلامية.

هل تكفي العمليات العسكرية للقضاء على ’داعش’ ورفاقها في العراق؟

ولعل واحدا من ابرز المؤشرات والدلائل على اختراق "داعش"، وعموم التنظيمات الارهابية الاخرى، هو العمليات الارهابية التي تضرب باستمرار في عمق الدولة، لتستهدف الوزارات ومقرات الجيش والشرطة، والسجون والمعتقلات، وغيرها.
- وارتباطا بالجانب الفكري-العقائدي، وارتباطا بالجانب الجغرافي، فإن الارهاب القائم في محافظة الانبار، لا يمثل حالة منعزلة عن المحيط الاقليمي، وتحديدا ثلاث دول هي السعودية والاردن وسوريا، بل من غير الممكن القول ان الجماعات الارهابية المسلحة التي نشطت الى حد كبير في صحراء الانبار ومحيطها، لم تكن تتلقى شتى انواع الدعم والاسناد المالي والعسكري والاستخباراتي والاعلامي والسياسي من دول المحيط الاقليمي، وبدرجات ونسب متفاوتة، وما زال جزء غير قليل من ذلك الدعم والاسناد متواصلا، رغم تبدل العناوين والظروف، والا هل من المعقول ان تبقى الجماعات الارهابية تصول وتجول في الكثير من مدن ومناطق العراق دون ان يكون لها اسناد ودعم من الخارج، مثلما تكون لها حواضن في الداخل؟.. واذا كانت الاوضاع قد تبدلت في سوريا، واذا كانت الاردن تحاول ان تضع مصالحها الاقتصادية والامنية الخاصة في مقدمة الاولويات، فإن السعودية ما زالت تمثل الداعم والممول الرئيسي للارهاب في العراق ودول اخرى مثل سوريا ولبنان واليمن، حتى وان بدت متقاطعة مع "داعش"، وهي – اي السعودية - لم تغير اجنداتها قيد انملة.

- منذ عشرة اعوام، وحتى الان، بقيت بعض القوى والتيارات والشخصيات السياسية، توفر منابر سياسية واعلامية للجماعات الارهابية، بأشكال وصور ووسائل متعددة، وقد يكون ما شهدناه من خطابات تحريضية في ساحات الاعتصام طيلة العام الماضي، من قبل رجال دين وشيوخ عشائر، وسياسيين، بعضهم يشغلون مواقع متقدمة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، يعد نماذج وعينات لما يمكن ان نطلق عليه "التخادم" بين تلك القوى والتيارات والشخصيات من جهة، والجماعات الارهابية من جهة اخرى، ذلك التخادم الموجه في جانب كبير منه بواسطة اطراف خارجية.

وعلى ضوء النقاط المشار اليها اعلاه، فإن السؤال المحوري والمهم، الذي لا بد من الاجابة عنه هو: هل ان العمليات العسكرية الجارية الان في صحراء الانبار ومناطق متعددة من محافظة الانبار، وربما تمتد الى مدن اخرى مستقبلا، هل تكفي لدحر الجماعات الارهابية المسلحة واستئصالها من الجذور؟.
لا شك ان العمليات العسكرية ضد الجماعات الارهابية المسلحة تنطوي على اهمية كبيرة في اضعاف الاخيرة وتفكيكها، وافراغها من عناصر القوة المهمة في حوزتها، لا سيما اذا كانت تلك العمليات، مستندة الى رؤية استراتيجية سليمة، وخاضعة لحسابات دقيقة.
بيد ان ما ينبغي التأكيد عليه - وهذا ما يقول به الكثير من المتخصصين بالشؤون الامنية والعسكرية، والخبراء في مجال الارهاب- هو ان القوة العسكرية لا يمكن ان تكون العامل الحاسم في المعركة ضد الارهاب، سواء كان ذلك في العراق، او في اي بلد اخر، وربما كان الامر في العراق اكثر تعقيدا وصعوبة ارتباطا بعوامل وظروف خارجية وداخلية كثيرة.

ومن الواضح ان العمليات العسكرية الاخيرة في الانبار افرزت وستفرز نتائج ايجابية على الارض، ولكن من يضمن ان لا تتبدد تلك النتائج الايجابية بعد فترة من الزمن، اي بعد عودة القطعات العسكرية القادمة من خارج الانبار الى مواقعها السابقة، وبعد ان تلتقط الجماعات الارهابية التي تم ضربها واضعافها وتفكيكها انفاسها، وتستعيد زمام المبادرة، ان لم يكن في صحراء الانبار وبعض مدنها وقراها، ففي مدن ومناطق اخرى، مستفيدة من حواضنها، والدعم والاسناد القادم لها من وراء الحدود، والغطاء السياسي الذي توفره لها قوى وتيارات وشخصيات سياسية ودينية وعشارية، مثلما اشرنا الى ذلك انفا، ومن عناصرها المرتبطين بها - ترغيبا او ترهيبا - في مؤسسات الدولة المختلفة، لا سيما الامنية منها؟.

لكي تكتمل صورة المنجز العسكري- الامني ضد "داعش" والجماعات الارهابية الاخرى، ينبغي ان يترافق العمل العسكري الواسع والمنظم، مع جهد استخباراتي واسع ومنظم هو الاخر، يفضي الى وضع اليد على حواضن الارهاب، وقطع شرايين تمويله في الداخل، يكمله جهد مخابراتي على صعيد الخارج لكشف كل ما يتعلق بدعم ومساندة الارهاب في العراق، وفضح الاطراف التي تقف وراء ذلك الدعم والاسناد بالارقام والحقائق الدامغة، والى جانب ذلك الجهد الاستخباراتي- المخابراتي، لا بد من رفع مستوى التنسيق والتعاون مع اطراف المحيط الاقليمي، التي لديها استعداد لذلك، ويكون احد اهم مفردات التنسيق والتعاون هو تأمين الحدود المشتركة لمنع تسلل الجماعات الارهابية عبرها. وهنا فإن اشراك ابناء العشائر في مواجهة الارهاب، خصوصا وان العشائر لها ثقل اجتماعي كبير وقدرة على التحرك في مواضع ومواقع يصعب على اجهزة الدولة الحكومية التحرك فيها، يعد امرا مهما للغاية لتعزيز فرص الانتصار في المعركة ضد الارهاب، بشرط ان يكون ذلك الاشراك في الاطار الاستراتيجي، وليس تكتيكا مرحليا عابرا.

اضف الى ذلك فإن معالجة نقاط الضعف والخلل في العملية السياسية، واعادة النظر في بعض السياقات القائمة، وتخفيف حدة الاحتقانات بين الفرقاء من شأنه ان يساهم في تعزيز فرص تطويق الارهاب وتحجيمه، ان لم يكن القضاء عليه نهائيا.
2014-01-08