ارشيف من :آراء وتحليلات
’المستقبل’ يتهرّب من الحقيقة
لا يتوانى تيّار المستقبل وحلفاؤه في "14 آذار" عن إبداء الرفض الشديد لكلّ أشكال التحقيقات والاعترافات الصريحة والواضحة التي تدين تورّط الجماعات التكفيرية في اغتيال شخصيات سياسية من وزراء ونوّاب ينتمون إليهم، ذلك أنّ العقل الجماعي لهؤلاء لا يقبل البتّة فكرة اتهام متطرّفين تموّلهم وتساندهم الجهات السياسية العربية نفسها التي تدعمهم أيضاً، وتحديداً المملكة العربية السعودية، وذلك على الرغم من تقديم كلّ الإثباتات التي تقطع الشكّ باليقين، وعلى الرغم من اطلاعهم عليها عن كثب وعن قرب، ومعرفتهم المسبقة بتفاصيلها المملّة، من خلال وجودهم في السلطة وعبر الأجهزة القضائية والأمنية، ولهم فيها حصّة كبيرة.
فلم تتقبّل قوى"14 آذار" بسياسييها وإعلامييها، توجيه أصابع الاتهام إلى تنظيم "فتح الإسلام" الإرهابي بعد اغتيال الوزير الأسبق محمّد شطح في 27 كانون الأوّل 2013، مع أنّ هناك معلومات بحوزة المعنيين عن الفاعلين، ولكنّها، كما في كلّ مرّة، لا تريد معرفة الحقيقة كاملة وبسرعة، بل تتجاهلها وتغضّ الطرف عنها، بهدف الاستفادة من وقع الجريمة واستثمارها سياسياً إلى أبعد مدى ممكن ولو على حساب صحّة الوطن وسلامة المواطن، وأقلّه من باب " الاتهام السياسي" الخاطئ الذي اعتادت على ممارسته، وقبل زيارة مسرح الجريمة، ولملمة الخيوط الأوّلية، وقبل دفن الضحيّة أو الضحايا.
هكذا فعلت هذه القوى عند اغتيال النائب وليد عيدو في 13 حزيران من العام 2007، ثمّ اتضح مع مرور الأيّام، أنّ الجناة ينتمون إلى تنظيم " فتح الإسلام"، وبدلاً من المغالاة في المطالبة بملاحقتهم ومقاضاتهم كما يقتضي الواجب والوفاء، ضعفت همّتها، وبُحّ صوتها، وانقطع حبل الكلام الطويل لديها، ولم تعد تأتي على ذكر جريمة اغتيال عيدو وكأنّه لم يكن في صفوفها أو واحداً من أعضائها، وذلك لاعتقادها أنّ النسيان كفيلٌ بالتغلغل إلى مسام الذاكرة، فيطفئ واقعة الاغتيال والمتهمين بها، وهم معروفون بالأسماء الصريحة والحقيقية وليس بالألقاب والكنى، ومعروفون بالوثائق والمستندات القضائية الرسمية التي لا يمكن تزويرها، وفي أكثر من قرار اتهامي، فضلاً عن أنّه لا يمكن التشكيك بنزاهة ومصداقية من تولّى التحقيق فيها من القضاة.
فقد ذكر القاضي نبيل صاري اعترافات متهمّين بتورّط أشخاص من "فتح الإسلام" في اغتيال عيدو في قراريه الاتهاميين الصادرين في العامين 2009، و2010، في جريمتي استهداف عسكريين من الجيش اللبناني في شارع المصارف ومحلّة البحصاص في طرابلس في العام 2008، واللتين اقترف الإرهابي اللبناني عبد الغني جوهر منفرداً إحداهما، والثانية بمعاونة الإرهابي السعودي عبيد مبارك عبد القفيل، قبل أن يعودا ويقتلا في سوريا، في فترتين زمنيتين مختلفتين، الثاني في عملية انتحارية نفّذها في مقهى في شارع القزاز في دمشق في 29 أيلول من العام 2008، قبل اندلاع الأحداث الأمنية في سوريا، والأوّل قتل خلال مشاركته في القتال في سوريا في 22 نيسان 2012.
فقد أقرّ الموقوف فادي غسّان إبراهيم المعروف بـ" السيكمو" وكان شاهداً ملكاً في قضيّة الاعتداء على الجيش اللبناني في محلّة البحصاص،أنّ عبد الرحمن عوض قد قال أمامه إنّ جماعته "قامت باغتيال النائب وليد عيدو، وتفجير سنتر تجاري في الأشرفية، وإنّ عملية اللواء فرانسوا الحاج قد تورّط بها نعيم عبّاس الذي ينتمي إلى مجموعة توفيق طه الذي يعتبر من أتباع "القاعدة"".
كما أنّ القاضي غسّان عويدات سرد في قراره الاتهامي في قضيّة أحداث "نهر البارد" الصادر في العام 2012، اعترافات متهمين شهدا، أو سمعا، أو عرفا، بقيام "إخوانهما" في "فتح الإسلام" بقتل عيدو واللواء فرنسوا الحاج.
فالمتهم خالد جمال الدين قمبز والملقّب بـ" أبي الوليد"، والذي انتقل في العام 2006 إلى الأنبار في العراق للالتحاق بتنظيم " القاعدة" حيث طُلِبَ منه أن يكون "استشهادياً وليس مقاتلاً"، فرفض وعاد إلى مخيّم عين الحلوة وانضمّ إلى أمير "فتح الإسلام" عبد الرحمن محمّد عوض الملقّب بأبو محمّد شحرور، يقول بالحرف الواحد في محضر التحقيق معه إنّه "علم بواسطة وسائل الإعلام، عن مقتل النائب المرحوم وليد عيدو، فاتصل بأبو محمّد شحرور ليخبره، فوجده نائماً، وبعد يوم، أو يومين، زار شحرور في منزله، فأسرّ له هذا الأخير، أنّ شبابه في بيروت، أتمّوا عملية اغتيال النائب عيدو، باعتبار أنّ تيّار المستقبل هو وراء المعارك في البارد".
كما أنّ المتهم الآخر حمزة أمين قاسم المعروف بالشيخ حمزة والذي تولّى هندسة عملية فرار أمير "فتح الإسلام" من مخيّم نهر البارد شاكر العبسي، سمع تلقّي الأخير اتصالاً من أبو محمّد شحرور خلال وجوده في مجلسه في كانون الأوّل من العام 2007، وأخبره "بأنّ العملية التي دبّرها لقتل العميد فرنسوا الحاج نجحت، فسجد سجدة تكبير وشكر لله".
وهذه الرواية نفسها سبق للقاضي صاري أن دوّنها أيضاً في قراره الاتهامي في قضيّة الاعتداء على الجيش اللبناني في شارع المصارف في طرابلس، وعلى لسان المتهم نفسه.
وبعد هذا كلّه، تصرّ "قوى 14 آذار" على عدم سماع الحقيقة، وعلى رفض اتهام" فتح الإسلام" باغتيال عيدو وشطح، فهل لأنّ مسار التحقيقات أظهر بشكل لا لبس فيه، أنّ تنظيم" فتح الإسلام" هو سعودي، وليس سورياً، بخلاف ما كانت تروّج له "قوى 14 آذار"، باعتبار أنّ معظم مسؤولي الصفّ الأوّل فيه هم سعوديون، وأنّ مموّليه الرئيسيين هم سعوديون، وفي مقدّمتهم الإرهابي المعروف ماجد محمّد عبد الله الماجد الذي مات في المستشفى العسكري في بيروت في 4 كانون الثاني 2014، وبالتالي فإنّ رفضها منطلق من خشية انزعاج السعودية وافتضاح أمر وقوفها وراء تنظيم متشدّد كان يسعى إلى توثيق صلاته وعلاقاته بتنظيم " القاعدة"؟