ارشيف من :آراء وتحليلات
لا تكفيريين في سوريا ولبنان
لا تريد جماعة تيار المستقبل الاعتراف بوجود فكر تكفيري إرهابي في المنطقة. الجماعة تدّعي العلمانية وتعدّد المشارب والعقائد الدينية بين جمهورها وترى أن التدين أمر شخصي وأن الواجبات الدينية سلوكيات خاصة بكل إنسان يمارسها بينه وبين ربه.
وتعتبر جماعة تيار المستقبل أن استعمال مصطلح "التكفيريين" هو استعمال إعلامي سياسي يلجأ إليه حزب الله وحلفاؤه لتبرير تدخل حزب الله في الشأن السوري، فقط. وهي ترى أن وصف حزب الله لبعض الجماعات بأنها تكفيرية سبّب هذا التشنج بين السنّة والشيعة في لبنان. طبعاً تتناسى هذه الجماعة أن بياناتها وإعلامها وتصريحات صقورها هي السبب الأساس في حصول هذا التشنج بين المسلمين من أبناء المذهبين، وأنهم يتعمدون إثارة هذا التشنج من أجل شد عصب شارعهم خلفهم، بعد أن بدأ عنقود جمهورهم الذي كان كبيراً في يوم مضى بالانفراط بعد الفشل المتكرر لمشروع هذا التيار. وتتناسى أيضاً أن من بين صقورها شخصيتين تكفيريتين من الطراز الأول هما محمد كبارة وخالد الضاهر، الذي أطلق على الإرهابي الانتحاري المسؤول عن التفجير الإرهابي الأخير في الضاحية لقب "الشهيد"، والمسؤول عن الشحن الطائفي اليومي ضد فئة كبيرة من اللبنانيين أيضاً.
لا تريد جماعة تيار المستقبل الاعتراف بوجود جماعات تكفيرية، لأنها لا تريد الاعتراف بخطر هذه الجماعات في سوريا أولاً وامتداداً إلى لبنان ثانياً، ولأنها لا تؤمن بالمقاومة في لبنان، في الأصل، فكيف إذا كانت هذه المقاومة قد قررت مواجهة هذه الجماعات التكفيرية عند الحدود السورية قبل امتداد سرطانها المهلك إلى لبنان؟ ولأنها لا تريد الإقرار بدعمها المباشر لهذه المجموعات الإرهابية التي يتولى النائب عن تيار المستقبل عقاب صقر تزويدها بالسلاح والعتاد في معركتها ضد الجيش السوري. ولأنها لا تريد أيضاً الإقرار بأنها تشغّل بعض هذه المجموعات على الأراضي اللبنانية وتستفيد من عناصرها عندما تقتضي الضرورات.
في نظر جماعة تيار المستقبل لا وجود للتكفير بين الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش النظامي في سوريا والتي تتقاتل فيما بينها. نظرية تيار المستقبل أن هذه الجماعات لديها أفكار دينية خاصة بها، وأن أفرادها يمارسون عباداتهم اليومية وفقاً لها، من دون تشدد فيما بينهم أو بينهم وبين الآخرين. أما الخلاف بين هذه الجماعات وبينها وبين النظام السوري فهو مجرد خلاف سياسي محض.
لا نقاش في أن بعض الذين يحاربون الجيش السوري ينتمون إلى جماعات مسلحة علمانية أو لا توجه دينياً لديها، ومن هذه الجماعات "الجيش السوري الحر". لكن البارز في مجريات الأحداث في سوريا وجود جماعات إسلامية إرهابية متطرفة، تكفّر كل جماعة جنود الجيش السوري وأفراد الجماعات المسلحة الأخرى، ليس تكفيراً سياسياً، كما هي وجهة نظر تيار المستقبل، إنما تكفرهم تكفيراً دينياً شرعياً، أمام الملأ وأمام كاميرات الإعلام العالمي، وتطلق هذه الجماعات آراءها التكفيرية في بث مباشر في بعض الأحيان. وهي، تأكيداً لتكفيرها الآخرين من جنود سوريين ومن جماعات تقاتلها على السلطة والنفوذ، تقوم بقطع رؤوس مَن تكفّرهم، وتغتصب نساءهم وتشرد أو تقتل أطفالهم.
ربما لو لم تكن المملكة السعودية هي التي تقف خلف هؤلاء التكفيريين من أجل إسقاط النظام السوري وتدمير سوريا لرضيت جماعة تيار المستقبل عن استعمال مصطلح "التكفيريين". ربما لو لم يقاتل حزب الله هؤلاء التكفيريين لمنع وصول إرهابهم إلى لبنان لرضيت جماعة تيار المستقبل عن استعمال مصطلح "التكفيريين"، أما وأن السيد الوهابي هو المشغّل لهؤلاء، وأما وأن حزب الله هو المقاتل لهؤلاء، فلا تكفيريين في سوريا ولا مَن يكفّرون.