ارشيف من :آراء وتحليلات

تأليف الحكومة بتفاؤل وتشاؤم على سطح واحد والعبرة في الأيام القادمة

تأليف الحكومة بتفاؤل وتشاؤم على سطح واحد والعبرة في الأيام القادمة
ما زالت المساعي الخاصة بتشكيل حكومة جديدة تراوح بين حدي التفاؤل والتشاؤم، بالرغم من تسجيل خرقين: الأول، التوافق على صيغة الـ 8 ـ 8 ـ 8، والثاني، تمثل بالكلام عن إعطاء الرياض موافقتها على تشكيل حكومة سياسية جامعة لا تستثني أحداً، وإن كانت مشروطة بحسب بعض المعطيات بأن تبقى وزارة الداخلية من حصة تيار المستقبل، وبأن تؤول وزارة الخارجية إلى فريق الرابع عشر من آذار، يضاف إليها القبول العام بمبدأ المداورة بالحقائب من دون أن تتضح حدودها، وعلى أن يتم الفصل بين مختلف عناصر تشكيل الحكومة بحيث يجري التفاهم على البيان الوزاري بعد إتمام التفاهم على التشكيلة الحكومية. وهذا في الحد الأدنى هو محل توافق بين الرئيسين بري وسليمان.

وبالرغم مما تقدم، فإن نقاطاً مهمة ما زالت غامضة وتحتاج إلى بيان تفصيلي من قبيل: هل الحكومة السياسية ستكون من الحزبيين أم من غير الحزبيين؟ وما هي حدود المداورة في الحقائب؟ فهل ستشمل كل الحقائب، أم أن هناك حقائب ستستثنى من قبيل وزارة الداخلية والاتصالات وغيرها من الحقائب الرئيسية؟ وأخيراً وليس آخراً، كيف سيتم التغلب على السقوف العالية في مواقف الطرفين، سواء في التشكيلة الوزارية أم فيما يخص البيان الوزاري...الخ، لا سيما وأن التراجع عن بعضها ستكون له آثار معنوية وسياسية ليست بالقليلة؟

والأهم من كل ما تقدم، هل باتت الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة خارجياً وداخلياً، مقتنعة بأن ولادة حكومة توافقية ـ سياسية هو الخيار الأفضل، أم أن كل ما يجري لا يعدو كونه أكثر من مناورات في الوقت الضائع أو المستقطع؟

يمكن الجزم حتى الآن بالآتي: أولاً: إن عودة الحركة إلى المياه الجامدة في طاحونة تشكيل الحكومة تعود داخلياً إلى الضغط الذي مارسه رئيس الجمهورية من خلال التلويح بفرض حكومة أمر واقع، أو حكومة حيادية، وذلك بذرائع شتى، منها أنه يريد أن يحتاط لاحتمال الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، فلا يتركه للحكومة الحالية التي في نظره هي حكومة من لون واحد، وكأن الحكومة الحيادية ليست كذلك وأكثر. والنقطة المستغربة هنا هو الاستعجال الذي طرأ على طرح رئيس الجمهورية، فبعد أن كان يلوح بأنه سيعطي فرصة أخيرة تبدأ بـ 25 كانون الثاني وتنتهي في 25 شباط قبل أن يلجأ إلى خياره هذا، فإذ به يبدأ قبل هذا الموعد.

ثانياً: إن هناك خرقاً جزئياً قد تحقق، إلا أنه لم يتسع إلى الحدود التي يمكن القول معها إن الحكومة الجديدة على الأبواب.

ثالثاً: إذا صحت المعلومات التي تتحدث عن ضوء أخضر سعودي لحكومة سياسية جامعة لا تستثني أحداً، فنحن أمام خرقٍ إقليمي، لا يمكن تفسيره إلا بأن الرياض استجابت أخيراً للمطلب الأميركي، وأنها قامت بعملية مراجعة لحساباتها اللبنانية فوجدت أنه من الأفضل لها ركوب هذا الخيار، بدلاً من الإمعان في التعطيل، وذلك انسجاماً مع مجموعة مفصلية من المتغيرات تشهدها المنطقة. ولا يمكن هنا الفصل أيضاً بين مراجعة الرياض لحساباتها الإقليمية ومن ضمنها موقع لبنان فيها، وحسابات أدواتها في لبنان، وما آلت إليه أمورهم.

ثمة عامل رئيسي بات يحكم الصراع الدائر من العراق إلى سوريا ولبنان، هذا العامل يتمثل ـ كما يبدو ـ بوجود قرار دولي كبير باحتواء خطر تنظيم القاعدة، وتوجيه ضربة رئيسية إليه، والمتمثل على نحوٍ رئيسي بتنظيم دولة الإسلام في العراق وبلاد الشام. تحدث هذه العملية في سياق إعادة صياغة الواقع الميداني والسياسي لمصلحة أدوات هي تحت السيطرة المباشرة سعودياً على الأقل في سوريا ولبنان، في سوريا حيث تمّ توليد الجبهة الإسلامية ودفعها لفرض نفسها على الواقع الميداني حيث تسيطر المجموعات المسلحة التكفيرية، كما نجحت الرياض في وضع يدها على الائتلاف المعارض، وإن بثمن سياسي تمثل بخروج كل المحسوبين على قطر منه.

تحاول الرياض في سوريا فرض نفسها كشريك من خلال كسر احتكار النظام السوري لمقولة إنه هو فقط من يتصدى للمجموعات الإرهابية التكفيرية، ولحجز موقعٍ لها على طاولة التفاوض في جنيف ـ 2.

في لبنان، تدرك الرياض أن ترك الأمور على ما هي عليه سيؤدي إلى المزيد من التآكل في رصيد أدواتها في الرابع عشر من آذار عموماً وتيار المستقبل تحديداً. هذا ما أكدته التجربة الطرابلسية التي أظهرت بوضوح مدى التراجع في قوة هذا التيار لمصلحة الاتجاهات التكفيرية ـ السلفية، وأكثر من ذلك دخول تيار المستقبل نفسه في صراعات وانقسامات بينية على المواقع والأدوار السياسية. ثمة حاجة ماسة لدى هذا التيار لإعادة الاعتبار إلى صورته التي سقطت في طرابلس، حيث بات من الصعب التمييز بينه وبين باقي التيارات والمجموعات السلفية المتشددة والتكفيرية، وما زاد من حراجة هذا التيار هو دخول المجموعات التكفيرية على خط التفجيرات الأمنية والاغتيالات التي لم توفر أحداً. كما أن تنشيط دورها له ممر الزامي أساسي هو العودة بقوة إلى السلطة.

أضف إلى ما تقدم، أنه لا يمكن عزل لبنان عن المعركة الواسعة التي تخاض في العراق وسوريا ضد تنظيم "داعش"، وإلا تحول إلى عمق احتياطي يتراجع إليه، أو يعتمد عليه، لاستئناف نشاطه مجدداً.

يتطلب إنجاز الأهداف إعادة ترتيب الأولويات لمصلحة الحفاظ على الاستقرار، ولمصلحة التصدي للمجموعات الإرهابية التفكيرية من داعش وأخواتها، والعودة إلى السلطة في مرحلة انتقالية بالغة الدقة محلياً وإقليمياً ودولياً.

في المقابل، من مصلحة فريق الثامن من آذار قطع الطريق على الفراغ باعتباره الوصفة المثالية للفوضى، التي بدورها الوصفة المثالية لتكاثر المنظمات التكفيرية، ولإعلاء منطق التطرف. كما من مصلحتها سحب الصواعق من الشوارع لوضعها على طاولة الحوار والمعالجات السياسية الهادئة، وبما يغلِّب لغة العقل والمنطق ويهدئ ويلطف من لغة العصبيات والشحن المذهبي. كما ان الحسابات السياسية الكبيرة لهذا الفريق تتطلب تأمين الهدوء في ساحاتها الخلفية، يضاف إليها تجنب خيارات الضرورة ومحاولات البعض حشرها فيها، أو فرضها عليها.

باختصار، إن الحسابات العقلانية والموضوعية تشي بإجمال ترجيح تشكيل حكومة سياسية جامعة، إلا أن السقوف العالية التي حشر فيها تحديداً فريق الرابع عشر من آذار، تجعلها محكومةً بخيارات ضيقة تصعب من إمكانيات التفاهم، الأمر الذي يبقي التفاؤل النسبي المتحقق حتى الآن محاطاً بالحذر الشديد. وما يزيد من هذا الحذر، هو أن يكون وراء الأكمة ما وراءها، أي أن يكون كل ما يجري مجرد مناورات لتقطيع الوقت، ولتحميل مسؤولية التعطيل للفريق الآخر، تمهيداً للعودة إلى وصفه حكومة الأمر الواقع، بما هي الوصفة السحرية للإمعان بضرب الاستقرار في لبنان.
2014-01-10