ارشيف من :آراء وتحليلات

تونس: ماذا بعد ثورة ’14 يناير’؟


تونس: ماذا بعد ثورة ’14 يناير’؟

يحيي التونسيون يوم "14 يناير" الذكرى الثالثة لنجاح "ثورتهم" في الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي. ففي مثل هذا اليوم من سنة 2011 أُجبر ساكن قرطاج على مغادرة البلاد باتجاه المملكة العربية السعودية بعد أن انقلب عليه الجميع بما في ذلك المؤسسة العسكرية التي لم تحل دونه والجموع الزاحفة يومها باتجاه القصر الرئاسي.


وعاشت البلاد أشهرا عصيبة وفوضى وانفلاتات أمنية تحت حكم محمد الغنوشي رئيس وزراء بن علي الذي تسلم السلطة بصورة مؤقتة ونقلها لاحقا إلى رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع. ولم تهدأ الأمور في الخضراء إلا بعد أن تسلم الباجي قائد السبسي رئاسة الوزراء حيث وضع خارطة طريق لنهاية المرحلة الانتقالية الأولى ونظم انتخابات حرة وشفافة انتهت بفوز حركة النهضة الإسلامية التي ألقيت على عاتقها مهمة إنجاح المرحلة الإنتقالية الثانية.

ثنائية حزبية

لقد خلق نجاح قائد السبسي في إدارة المرحلة الانتقالية الأولى وتأسيسه لاحقا لحركة نداء تونس، وفوز حركة النهضة بالأغلبية ثنائية حزبية وبات في الخضراء ما بعد بن علي قطبان سياسيان هما حركة النهضة ونداء تونس ويصنف كلاهما في خانة الأحزاب اليمينية الوسطية. ويتوقع جل الخبراء والمحللين أن يهيمن هذان الحزبان على الحياة السياسية خلال السنوات القادمة ويتداولان على السلطة، أما بقية الأحزاب فستتولى مهمة ترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك من خلال التحالفات الانتخابية التي ستنشأ بمناسبة المواعيد الانتخابية.

كما تسير تونس باتجاه إقرار دستور اتفق أغلب الخبراء والمختصين على صبغته التقدمية المكرسة لروح العصر والحريصة في الوقت نفسه على التمسك بالهوية العربية الإسلامية والموروث الحضاري للبلاد التونسية. فهو مزيج بين الأصالة في بلد عريق تمتد حضارته لآلاف السنين والحداثة التي تكرسها الجغرافيا والانتماء المتوسطي للقرطاجيين أصحاب الدستور الذي أعجب به أرسطو الإغريقي وفضله على كثير من دساتير عصره.

حكومة جديدة

كما يستقبل التونسيون ذكرى الثورة المتزامنة مع المولد النبوي الشريف هذه السنة، ورئيس وزرائهم المكلف المهدي جمعة بصدد وضع اللمسات الأخيرة لحكومته. وبحسب ما تم تداوله من تسريبات فإن الأسماء التي ستتولى الحقائب الوزارية هي "من الوزن الثقيل" من كفاءات البلاد وإطاراتها من الناجحين سواء داخل البلاد أو خارجها ومن بين هؤلاء أيضا من كانوا مرشحين لرئاسة الحكومة وتم تداول أسمائهم بقوة قبل التوافق على شخص السيد المهدي جمعة.


تونس: ماذا بعد ثورة ’14 يناير’؟
الثورة التونسية

ويأمل التونسيون في أن ينجح رئيس الحكومة الجديد وطاقمه في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تخرج بالبلاد من المرحلة المؤقتة الثانية، كما يتطلعون إلى استتباب الأمن مجددا بالقضاء على الجماعات الإرهابية التي تتخذ من شعاب الجبال بيوتا تتحصن بها. كما يأملون في أن تعيد هذه الحكومة ثقة المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية وأن تستعيد البلاد تصنيفها الائتماني القديم وتعود للدينار التونسي قيمته الحقيقية ويرتفع سعر صرفه كما كان بالمقارنة مع العملات الأجنبية.

لكن ما يخيف جل الخبراء والمحللين هو تلك القنابل الموقوتة المسماة الجهات الداخلية التي تفتقد إلى التنمية. فهذه المناطق التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية كانت باستمرار مصدر إزعاج لحكام تونس فهي التي انتفضت سنة 1861 على ملك تونس محمد الصادق باي فيما يعرف بـ"ثورة علي بن غذاهم" ثم أذاقت المستعمر الفرنسي الأمرين إلى أن أجبرته على مغادرة البلاد ثم قارعت بورقيبة وبن علي الذي أنهته منفيا في أرض الحجاز.

ولم تقدم حكومات ما بعد الثورة شيئا للجهات الداخلية فلا تنمية ولا تشغيل ولا إعمار ولا شيء، وهو ما يفسر هذا الاحتقان وهذه الاحتجاجات التي تشهدها تونس هذه الأيام. ويتذكر العالم تلك الصور التي ظهر فيها رئيس البلاد ورئيس مجلسها التأسيسي يقذفان بالحجارة السنة الماضية في سيدي بوزيد بمناسبة ذكرى الثورة فيما فضل رئيس الحكومة حمادي الجبالي يومها عدم زيارة المناطق الداخلية. ففي تونس تباين بين المناطق الساحلية "المحظوظة" التي تنعم اليوم بثمار الثورة على غرار حرية التعبير، وجهات منكوبة أشعلت الثورة وتناساها الجميع ويخشى أن تقلب الطاولة على الجميع بما في ذلك حكومة المهدي جمعة الجديدة.
2014-01-14