ارشيف من :آراء وتحليلات

صربيا تخطو نحو التوحيد الدبلوماسي لبلدان الاتحاد اليوغوسلافي السابق


صربيا تخطو نحو التوحيد الدبلوماسي لبلدان الاتحاد اليوغوسلافي السابق

في العقد الاخير من القرن الماضي، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكيكه، توجهت المؤامرة الامبريالية الغربية نحو تفكيك وتدمير جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية السابقة، التي كانت تعتبر نموذجا لوحدة الشعوب من مختلف الاديان والاتنيات والقوميات واللغات الوطنية، كما كانت بلدا حياديا مستقلا عن التكتلات العسكرية، ومن مؤسسي كتلة دول عدم الانحياز، الذي نشأ في مؤتمر باندونغ الشهير عام 1956.


وفي الوقت ذاته كانت يوغوسلافيا اكثر بلدان البلقان تطورا اقتصاديا مع وجود مستوى معيشة مرتفع ونظام ضمان اجتماعي متقدم على غالبية الدول الاوروبية "الشرقية" و"الغربية". وهو ما كان يغيظ تماما اميركا وحلف الناتو والاتحاد الاوروبي الموالي لاميركا. ولم تشفع ليوغوسلافيا حياديتها الدولية. وقد تعاونت اجهزة المخابرات الاميركية والاسرائيلية والناتوية والتركية والسعودية لتحريك النزاعات الدينية والاتنية والقومية في يوغوسلافيا الموحدة، مستخدمة العصابات التكفيرية الارهابية مدعية الاسلام الى جانب المافيا الالبانية، ما ادى الى اشعال الحروب الدينية والقومية وتفكيك الاتحاد اليوغوسلافي. فانفصلت سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا واخيرا الجبل الاسود (مونتي نيغرو).

ولكن صربيا، النواة الاساسية ليوغوسلافيا السابقة، ظلت تحتفظ باستقلاليتها وقوتها وتطورها النسبي. فتم تحريض الالبان في اقليم كوسوفو الصربي على الانفصال. ولهذه الغاية شن حلف "الناتو" هجوما جويا عاتيا على جمهورية صربيا في 1999، وتم قصف الجسور والطرقات السريعة والمطارات والمرافئ ومحطات القطارات والمدارس والمستشفيات والمصانع والمعامل، لفصل صربيا عن العالم وتدمير اقتصادها الوطني واجبارها على الرضوخ لفصل كوسوفا بالقوة بالرغم من قرارات مجلس الامن الدولي.


صربيا تخطو نحو التوحيد الدبلوماسي لبلدان الاتحاد اليوغوسلافي السابق
صربيا

وبالنسبة لمقدونيا فهي لم تستطع حتى الان الدخول في الاتحاد الاوروبي للحصول على بعض المكاسب التجارية وتسهيلات السفر الخ..، بسبب اعتراض اليونان على اسمها المطابق لاسم مقاطعة مقدونيا اليونانية، حيث ان اليونان تعتبر ان مقدونيا كلها هي يونانية.

كما ان مقدونيا مهددة بالتقسيم ايضا، حيث ان نسبة كبيرة من سكانها الحاليين هم من الالبان (تقول بعض الاحصاءات ان نسبة الالبان في مقدونيا تبلغ 40%)، ويجري تحريضهم على الانفصال على طريقة كوسوفو، او شن حرب اهلية جديدة بدعم من الناتو وتركيا و"اسرائيل" والسعودية، لسحق المقدونيين السلافيين المسيحيين وتشريدهم وطردهم الى بلغاريا وصربيا واليونان. ومن ثم ضم "ألبنة" مقدونيا وضمها مع كوسوفو والبانيا الحالية في مشروع "البانيا الكبرى" الاميركي.

ومن اجل محاولة الخروج من عزلتها النسبية، كما من اجل مساعدة المقدونيين السلافيين على تدعيم موقفهم الوطني، فإن وزير الخارجية الصربي اعترف مؤخرا ان بلاده اقترحت على مقدونيا توحيد سفارات البلدين في الخارج، بحيث تصبح كل سفارة سفارة صربية ـ مقدونية مشتركة، بكل ما يستتبع ذلك من مساعي توحيد السياسة الخارجية للبلدين. وكتبت جريدة "نوفوستي" الصربية ان وزارة الخارجية الصربية سوف تقترح في اقرب وقت على دول المنطقة "ان تفتح في الخارج سفارات مشتركة بهدف تخفيض النفقات".


صربيا تخطو نحو التوحيد الدبلوماسي لبلدان الاتحاد اليوغوسلافي السابق
رئيس الوزراء المقدوني نيكولا غروييفسكي

وتقول المصادر الصحفية انه لهذه الغاية تجري الان محادثات مع سلطات مقدونيا، الجبل الاسود، البوسنة والهرسك، وسلوفينيا، لتوحيد بعثاتها الدبلوماسية في بلدان اسيا، اميركا اللاتينية وافريقيا. وتوقع وزير الخارجية الصربي ايفان ميركيتش "ان يتم في غضون هذه السنة التوصل الى تفاهم حول هذه المسألة". واضاف "اننا اقرب الى التفاهم مع مقدونيا والجبل الاسود. وسنتابع برنامجنا لتوسيع شبكة تمثيلنا الدبلوماسي، ولكننا سنقترح على الاخرين الانضمام الينا. وهذا سيؤدي من جهة الى تخفيض النفقات، ومن جهة ثانية الى زيادة حضور دول المنطقة في الكثير من اجزاء العالم. وهذا سيسهل لنا جميعا الدخول الى اسواق ثالثة".

وفي برنامج صربيا لهذه السنة أن يتم افتتاح سفارات لها في السعودية وقطر وغانا، وافتتاح بعثات دبلوماسية في تشيلي، فنزويلا، بيرو، فيتنام وكمبوديا.

وقالت القناة التلفزيونية "ألسات ـ M" التي تبث باللغة الالبانية في سكوبيه (عاصمة مقدونيا) ان مقدونيا وصربيا هما على وشك توقيع اتفاق لاستخدام بعثات دبلوماسية مشتركة في الخارج. واستندت القناة في ذلك الى تصريح لرئيس الوزراء المقدوني نيكولا غروييفسكي الذي قال ان "هذه المبادرة ليست من الجانب الصربي، بل هي نتيجة لتفكير مشترك".

وأكد رئيس الوزراء المقدوني ان فكرة انشاء بعثات دبلوماسية مشتركة تبحث منذ وقت طويل، وشاركت في المحادثات كرواتيا، الجبل الاسود وسلوفينيا.

وصرح الناطق باسم الحزب القومي المقدوني ان المحادثات بين صربيا ومقدونيا يمكن ان تقود نحو تشكيل وزارة خارجية موحدة وليس فقط سفارات موحدة. مما هو امر منطقي بعد ان قام البلدان باجراء احتفالات مشتركة في مناسبات وطنية عديدة. وحتى الان جرى استبعاد كوسوفو عن المشاركة في هذه المحادثات.

وعلق على ذلك البروفسور في التاريخ، مدير المتحف الوطني التاريخي البلغاري، بوجيدار ديميتروف، بالقول ان توحيد سفارات هذه البلدان هو خطوة جدية نحو انشاء دولة موحدة. وخصوصا فيما يتعلق بمقدونيا. لان الدول الاخرى: سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، وكوسوفا "استقلت" عن صربيا بواسطة القتال. اما مقدونيا فقد "استقلت" بواسطة "استفتاء" مصطنع. واضاف ان التوجه نحو توحيد هذه الدول هو دستوري تماما.

وفي بريشتينا صرح وزير خارجية كوسوفو انور خوجاي ان كوسوفو تعارض بشدة اقتراح بلغراد لتوحيد سفارات بلدان المنطقة، وقال "لست افهم كيف ستقوم بلدان المنطقة بتوحيد سياستها الخارجية في الخارج، في حين ان السياسة الخارجية هي جزء من سيادة كل دولة".

واعتبر بعض المراقبين ان الموقف السلبي لكوسوفو من هذه المساعي هو مؤشر على استياء واشنطن وبروكسل وانقرة و"تل أبيب" من التوجه التوحيدي لصربيا.


كاتب لبناني مستقل
2014-01-14