ارشيف من :آراء وتحليلات
الجزائر وتحديات الديمقراطية بالتزامن مع تحولات المنطقة
اعتبر المحلل السياسي الجزائري محمد بغداد أن تعزيز الديمقراطية في الجزائر ليس مرتبطا بترشح أو عدم ترشح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وإنما مرهون بقدرة النخب الجزائرية، بمختلف مجالاتها وانتماءاتها، في مساعدة المجتمع على الانخراط في الممارسة الديمقراطية الحقيقية، من خلال القيام بمراجعة تاريخية وعميقة لثقافتها، وانجاز الخيارات الكبرى، لمستقبل هذا المجتمع.
واضاف الصحفي في جريدة "الخبر" الجزائرية أن هناك فرقا شاسعا، بين قرار ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لمدة رئاسية جديدة، وبين المسار الديمقراطي في الجزائر، كون هذا المسار قد انطلق قبل مجيء بوتفليقة إلى الرئاسة سنة 1999، فهو نتيجة نضالات كثيرة ومؤلمة، للعديد من التيارات السياسية والثقافية التي دفعت ثمنا باهظا، لغياب الديمقراطية في البلاد في وقت سابق، وسواء ترشح الرئيس إلى ولاية جديدة (وله الحق في ذلك)، أو لم يترشح فالجزائر ستشهد انتخابات حرة وشفافة.
كما رأى المفكر الجزائري في حديثه لموقع " العهد الإخباري" أن الانتخابات الرئاسية القادمة، التي ستجرى في منتصف شهر أبريل/ نيسان، ليست سوى محطة من محطات، مرت على الجزائر منذ تدشين عهد الممارسة التعددية الحزبية سنة 1988، وقد كسبت الجزائر خلال السنوات الماضية الكثير من التراكمات والتجارب السياسية، ما يجعل مثل هذه المناسبات مجرد حدث سياسي عادي وليس محطة مفصلية في تاريخ الجزائر مثلما يتصور البعض.
الممارسة الديمقراطية
أما فيما يخص تعزيز الممارسة الديمقراطية، فقد اعتبر بغداد أن "الجزائر بلد عربي وافريقي، وينتمي إلى العالم المتخلف، الذي يسعى تدريجيا إلى اكتساب التقاليد والثقافة الديمقراطية، وذلك من خلال الإرادة العامة للمجتمع، سائرة في هذا الطريق الطويل. فالديمقراطية، ليست قرارات تتخذ، وليست انتخابات تنظم، وليست تصريحات تطلق، وإنما هي تراكمات لممارسات تاريخية، تقوم النخب بتحديد اطارها، وتمارسها الشعوب بقناعة ومراجعات عميقة لثقافتها.
فهي (أي الديمقراطية) حرية يجب أن تمارس، وحقوق يفترض أن تصان، وإرادة يجب أن تتحرر، واقتصاد ناجح، ومجتمع منظم، وثقافة فاعلة، وإعلام نوعي، وكرامة محفوظة، ومعيشة سليمة، وآمال قائمة".
القانون الجديد للإعلام المرئي والمسموع
اما بخصوص القانون الجديد للإعلام المرئي والمسموع، الذي اثار جدلا لدى اوساط المعارضة فقد قال "إن الجزائر عاشت قرابة نصف قرن، في ثقافة الأحادية الإعلامية، وهي الفترة، التي انتجت الكثير من الذهنيات الاحادية، والثقافات الاحادية الاقصائية، المتخوفة من مفهوم الإعلام في حد ذاته، فما بالك بالتعددية الإعلامية؟ ومن هنا فإن قانون الإعلام الجديد، الذي تقدمت به الحكومة، جاء في ظل ظروف عاصفة، نتيجة ما سمي بـ"الربيع العربي"، وما أفرزه من متغيرات في المشهد السياسي، حيث ظهرت مؤسسات إعلامية، وقنوات فضائية مملوكة للقطاع الخاص، ولكنها قنوات تبث من خارج البلاد، وهي القنوات التي وجدت أرضية مناسبة ومعقولة في الشارع الجزائري، ما دفع بالحكومة إلى تدارك الوضع والمسارعة الى معالجته، وتقنين الواقع القائم، قبل أن يخرج عن نطاق التحكم.
وتابع قائلا :" لقد وجد هذا القانون جدلا واسعا وردود أفعال متباينة، إلا أن هذا النقاش بقي في الاطار الشكلي، ولم يصل إلى المستوى المتصور في النقاش، حول القضايا الإعلامية الراهنة، كون الأمر كما قلت، ما زال محصورا في عدم القدرة على التخلص من الثقافة الاحادية الممارسة في الماضي، فالسلطة ما تزال متخوفة من الإعلام كونها ترى فيه نوعا من التمرد والخروج عن السيطرة وكشف المستور، فهو يخيفها كثيرا ويجعلها لا تثق في الفضاءات المفتوحة، التي دشنتها تكنولوجيات الاتصال الحديثة. ومن جهتها، فإن النخب الإعلامية في الجزائر، ما تزال تدور في فلك التدريب الإعلامي، وهي لا تملك الخصوصية المهنية، والثقافة الذاتية، والرؤية الواضحة، للمفهوم الحديث للإعلام، ما جعل نقاشها بعيدا عن النسق العام، الذي يأخذه الجدل العالمي حول أبعاد ومفاهيم الإعلام في الزمن الجديد".
ولكن الأمر المشترك بين الرافضين لقانون الإعلام والمدافعين عنه، هو أنهم متفقون على أنه خطوة جديدة، في مسار التجربة الإعلامية الجزائرية، وأن وقت تطبيقه في الواقع كفيل بإعادة النظر فيه، وأن الجميع متفق على أن القانون هو قانون انتقالي يمكن كل الأطراف من المرور به إلى الفترات القادمة من تاريخ الجزائر.
ابرز التحديات
الجزائر هي أكبر دولة في افريفيا من حيث الجغرافيا، وهي من أغنى الدول، لذلك فهي تواجه تحديات افرزتها التحولات الكبرى في العالم العربي، في مقدمتها كيفية تحديث بنيتها الاقتصادية، وتخليصها من الذهنية القديمة، والانتقال إلى الاقتصاد الحديث، الذي يستثمر المعرفة وطاقة الإنسان، ويكون قابلا للحياة، وقادرا على التكيف مع التحولات الاقتصادية الدولية العميقة، خاصة وأن السنوات الأخيرة أظهرت موجة كبيرة من الفساد والبيروقراطية الجامدة، ما عرقل كثيرا تطور هذا الاقتصاد، وحمله تكاليف باهظة.
وبحسب بغداد فان التحدي المعرفي والثقافي، ياتي في صدارة التحديات الكبرى، كون الجزائر بلد أكثر من ثلثي افراده من الشباب، أقل من خمسة وعشرين سنة، وهو ما يتطلب بذل الجهود الجبارة لتلبية الحاجات الثقافية والمعرفية لهذا الشباب، الذي ترتفع يوميا تطلعاته ومطالبه، وللأسف فهذا الشباب لا يملك الكثير من القدرة على الصبر والانتظار، وقد أظهرت الكثير من المؤشرات، أن الجزائر بحاجة ماسة وسريعة، إلى مراجعة عميقة للمنظومة المعرفية والثقافية، وإن كان ذلك مؤلما في بعض الاحيان.
ويأتي التحدي الاجتماعي ضمن الاولويات الحالية، لأن الجزائر عاشت لأكثر من عشرين سنة، حربا ضروسا مع الارهاب، وهو ما كلفها مئات المليارات من الدولارات، وأكثر من مائتي الف ضحية، وأصاب التركيبة الاجتماعية بهزات عنيفة في الصميم، فتغيرت كثيرا من المسلمات الاجتماعية التقليدية، وظهرت اتجاهات وممارسات وسلوكات وذهنيات اجتماعية جديدة، ودخل المجتمع معها في الكثير من التناقض، وفقد الكثير من التوازن، ما تطلب رؤية جديدة، وسياسات ذكية لمواكبة المتغيرات الجديدة.