ارشيف من :آراء وتحليلات
ليبيا.. وعودة كتائب القذافي إلى الواجهة
يؤكد جل الخبراء والمحللين أن ما تعيشه ليبيا هذه الأيام من عودة ميدانية للعناصر الموالية للقذافي واستيلائها على مناطق في عمق التراب الليبي، كان أمرا متوقع الحدوث ولا يشكل مفاجأة للمتابعين والمهتمين بشؤون بلد عمر المختار. ويرجع هؤلاء عودة "كتائب القذافي" إلى الواجهة بقيادة نجل الأخير، الساعدي، إلى سببين رئيسيين.
أولهما عجز الحكام الجدد عن إدارة شؤون البلاد وتحقيق الرفاه للمواطن الليبي وخصوصا أمنه - الذي "ضُرب في مقتل" - والتأسيس لديمقراطية حقيقية تصان فيها كرامته وتضمن له تداولا سلميا على السلطة. وثاني هذه الأسباب هو قانون الإقصاء الذي تم إقراره منذ سنة خلت والذي أبعد الكثير من طاقات ليبيا وكفاءاتها في شتى الميادين بتعلة العمل مع النظام السابق.
غياب عدالة انتقالية
لقد كان من المفروض بحسب العديد من الخبراء في مجال الإنتقال الديمقراطي أن تتم في ليبيا عدالة انتقالية تضمن محاسبة المذنبين فقط في النظام السابق دون سواهم ومن قبل قضاء مستقل يضمن لهم محاكمات عادلة، وأن يعتذر هؤلاء لضحاياهم الذين يجب أن يتم تعويضهم عما طالهم من ظلم خلال الحقبة السابقة حتى تضمد الجراح. ثم تتم لاحقا مصالحة ويواصل غير المذنبين ممن عملوا مع النظام السابق عملهم في دواليب الدولة باعتبار وأنهم عملوا وامتهنوا السياسة خدمة لوطنهم وليس من أجل النظام.
لكن ذلك لم يحصل وتم إقصاء حتى أولئك الذين عملوا لفترة قصيرة مع القذافي ثم انقلبوا عليه وتحولوا إلى معارضين شرسين لحكمه، وأفرغت البلاد من كفاءاتها وعجزت النخبة السياسية الجديدة التي تفتقد إلى الخبرة على إدارة شؤون البلاد وإعادة الإستقرار. كما تم تهميش مدن ومناطق بعينها بتعلة ولائها في السابق للقذافي وطبيعي أن يتحول هؤلاء إلى معارضين للحكم الجديد وأن يسعوا للإطاحة به ويتحينون الفرصة لذلك. كما أن بعض هؤلاء تحولوا إلى مخربين للعملية السياسية وهو ما يعني أن الحرب الأهلية هي السيناريو المرجح مادام هناك مقصيون عن المشاركة في بناء بلدهم وتقاسم الثروة البترولية الهائلة التي يرقد عليها الليبيون.
توقعات
ويتوقع الخبراء أن تستمر الحرب الأهلية في ليبيا سنوات أخرى يدرك بعدها الليبيون أنهم بصدد تدمير وطنهم وأن لا أحد منهم بإمكانه أن يلغي الآخر تماما ويحل مكانه. حينها فقط سيجلسون إلى طاولة الحوار ويبحثون عن الحلول التي تجعل الجميع يشاركون في صنع القرار. ولعل ما يدعم هذا الرأي هو حالة التخبط التي يعيشها النظام الحالي بجناحيه، أي المؤتمر الوطني والحكومة. فالمجلس المنتخب عجز عن إتمام دستوره وانتهت فترته الزمنية والجميع بصدد بحث إمكانية التمديد له من عدمها، والحكومة عجزت تماما وشُلت حركتها فلم تنزع سلاح الميليشيات، كما ضُربت هيبتها بعد خطف رئيسها الذي تسعى أغلب القوى إلى إجباره على الإستقالة ولا أحد يرغب في الإعتراف بحقيقة مفادها أنهم يحكمون شعبا يضم فئة مقصية لا تشارك في صنع القرار.
كما أن العامل الخارجي مهم بحسب البعض لفهم ما يحصل في ليبيا. فالبلد غني وهو مثار لأطماع الغربيين الذين ليس لهم من هم إلا لهف ثرواته من قبل شركاتهم. والجيران الأفارقة سواء النيجر أو "تشاد إدريس ديبي" على علاقات متينة بالقذافي وأبنائه، وتؤكد بعض الأطراف أن من بقي من أبناء القذافي لا يبخل عليهم بالمال الذي تم تهريب الكثير منه أثناء أشهر القتال مباشرة بعد الإطاحة بنظام بن علي في تونس. وهو ما يفسر لدى البعض انطلاق عمليات التمرد على طرابلس الغرب من قبل الساعدي القذافي انطلاقا من النيجر، فالولد يبدو أنه جد سخي مع الأفارقة أسوة بوالده. كما أن البعض يرجح أن تكون لأحد جيران ليبيا العرب يد فيما يحصل باعتبار أن هذا "الشقيق" كان رافضا منذ البداية لهذه التحولات التي شهدتها المنطقة وأنه أيضا على علاقة متينة بالبلدان الإفريقية المجاورة لليبيا وهو قادر على فرض كلمته، وإن في صمت، في هذا الملف الشائك.