لطالما اعتبرت الاعلامية بولا يعقوبيان انها تستحق اكثر مما نالته مهنيا . وللامانة فهي محقة . حق يستند الى تجربة طويلة وخبرة مهنية مرموقة مدعمة بتدريب حصلت عليه يعقوبيان من اهم مراكز التدريب الاعلامي في الولايات المتحدة الاميركية . وللامانة ايضا ان اقتصار البرامج السياسية عبر الشاشة الزرقاء  على برنامج انترفيوز هو نوع من التقدير الذي حصلت عليه يعقوبيان بعد التعديلات التي حصلت في تلفزيون المستقبل والغاء برامج سياسية اخرى( برنامج علي حمادة وسحر الخطيب)  .اصبح برنامج يعقوبيان واحد من برامج التوك شو السياسية الرئيسية في لبنان  .  شكل البرنامج الى حد ما  مساحة مختلفة على الشاشة الزرقاء . صحيح ان الواقعية تقتضي التسليم بان العمل الاعلامي  وخاصة في لبنان محكوم الى درجة كبيرة بسياسة وميول واحيانا مزاج مالكي المحطات ومموليها  وصحيح ايضا ان الاعلامي لا يمكنه التغريد بعيدا عن  اصحاب المحطات . ولكن يسجل ليعقوبيان محاولاتها عدم الذهاب بعيدا في هذا الاتجاه . في بعض الحلقات تحافظ يعقوبيان  على اسلوب مهني متوازن ولو نسبيا .لا تتردد بطرح الاسئلة التي تطرأ على بال المشاهد حتى ولو كان مشاهدا من غير جمهور تيار المستقبل و14 اذار . الا ان المقابلة الاخيرة ليعقوبيان مع سعد الحريري اوقفت هذا المسار  وانهته .


في الحلقة بدت يعقوبيان وكأنها تعلن قطعا مع مسيرتها السابقة . تخلت عن الدور الاساسي للمحاور وهو قيادة الحوار .تولى  سعد الحريري  دفة القيادة   . يسير بالحوار كيفما يريد بتلسيم لا يشبه البتة اداء يعقوبيان السابق .يدور الحريري حول نفس الافكار . لا  تتكلف يعقوبيان عناء ازعاج خاطر ه بسؤال اعتراضي او معلومة موثقة تسبب احراجا له  .بدت يعقوبيان دون ذاكرة او دون ارشيف . كلام الحريري عن ان قبوله للحكومة انتصار لطرح "التلات تمانات "لم تعقب عليه الاعلامية  بالمستوى المطلوب .وكأن تيار المستقبل لم يرفع شعار المقاومة المدنية ضد حزب الله ولم يرفع شعار تحرير لبنان من "الاحتلال الايراني " وقبول الحريري بالحكومة ليس تراجعا عن مشروع مفصلي وتاريخي عبر عنه الرئيس السنيورة عندما تحدث عن "ما بعد اغتيال شطح ليس كما قبله " .

المقاربة الاقليمية لسعد الحريري لم تكن امتن من حيث العرض , ولكن مرة جديدة تتغافل يعقوبيان عن طرح الاسئلة  التي يتطلبها  الحد الادنى من المهنية . يكرر الحريري معزوفة انكار وجود التكفيريين والارهابيين فلا تتدخل يعقوبيان للاستيضاح . في ارشيف الاعلامية الزرقاء لا وجود لمقالات وتقارير يضج بها الاعلام العالمي ولا تصريحات لمسؤولين اميركيين يؤكدون وجود الظاهرة وخطورتها .يتحدث الحريري عن رواية ان ما نشهده من قطع رؤؤس وشق صدور هو من صنيعة النظام السوري فلا تسأل الاعلامية عن البعد السعودي الواضح . ما سر ان الاساسيين في هذه المجموعات يحملون الجنسية السعودية ؟ لا كلام عن ماجد الماجد مثلا . يتحدث الحريري عن ان بشار الاسد اعطى اوامر اغتيال والده رفيق الحريري . تتدخل يعقوبيان وبصوت منخفض  للاستفسار عن "المعلومة التي لم نسمع بها في كلام المدعي العام في المحكمة " . يكمل الحريري كلامه دون اعطاء الملاحظة اي اعتبار وكأن يعقوبيان غير موجودة .يصر على ان المحكمة ستوقف الاغتيالات .

 يتحدث الحريري بيقين كبير عن هذه القناعة . لا تعلق الاعلامية بان الشعار رفع من اللحظة الاولى لاغتيال الحريري وبعده حصلت عمليات اغتيال عديدة . وفي ختام الحلقة يطلق الحريري "نظريته الاستراتيجية الخاصة بسوريا ". برأيه المجتمع الدولي سيتخلص من بشار الاسد بعد الانتهاء من ملف الكيميائي ويقول له "انقلع" . يتحدث الحريري بخفة سياسية لا تحتمل وحقد شخصي دون اي مواربة .يبدو ان مدربي الحريري على الظهور الاعلامي لم ينصحوه  بانه هو "كرجل دولة "و"كابن رفيق الحريري" لا يليق به ان يتلفظ بمثل هذه المواقف التي تشبه "لغة الشارع " ويبدو ان مستشاري الحريري السياسيين لم يلفتوا انتباهه الى التطورات الاقليمية والدولية والى لعبة الامم التي قد تضع الحريري الراغب بالعودة الى رئاسة الحكومة امام الرئيس السوري بشار الاسد مجددا .مواقف الحريري هذه ايضا  دون اي تعليق  او استفسار او طلب توضيح من قبل يعقوبيان .

يبدو ان المال السعودي الذي يؤمن رواتب الموظفين في الوسائل الاعلامية الزرقاء لا يمول الارهاب والقتل فقط .المال السعودي يفسد الثقافة والاعلام واي امكانية لتجربة اعلامية مميزة ومهنية ولو بالحدود الدنيا .