ارشيف من :آراء وتحليلات

من شب على ’حالات حتماً’ شاب عليها

من شب على ’حالات حتماً’ شاب عليها
جاد عيسى
 
لم تكن "حالات حتما" شعارا أو محطة سياسية عابرة في تاريخ القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، بل هي قاعدة ثابتة ومنهجية تفكير تفسر السلوكيات السياسية المتطرفة لرئيس القوات، التي تَحَمل تَبِعاتها المجتمع المسيحي برمته. لطالما جَرَّت خيارات سمير جعجع الويلات على المسيحيين في لبنان، فـ "جعجع وشقّ الصف المسيحي" لازمتان لا تفترقان منذ مجزرة اهدن إلى الصفرا إلى استهداف الجيش اللبناني مع ما يمثله بالنسبة إلى للمسيحيين، إلى غيرها من الارتكابات والخيارات السياسية التي مازالت تحفر عميقاً في الوجدان المسيحي، وما زال المسيحيون يدفعون ثمنها حتى اليوم.


"هل الوضع والصراع في لبنان هو بين القوات اللبنانية وحزب الله؟ الصراع أكبر من هذا بكثير، والصراع موجود في مكان آخر... لماذا تريد القوات اللبنانية أن تكون في فوهة المدفع في هذا الصراع؟"، هذا الكلام للنائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم في مقابلته مع قناة المنار قبل اسبوع، المطران مظلوم اكد أيضاَ على ضرورة اعتماد "الحوار والإلفة بين اللبنانيين"، داعياً إلى "تشكيل حكومة ميثاقية جامعة لا تستثني أحد". إذا ما أضفنا إلى كل هذا موقف كل من الجنرال عون ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل، بالإضافة إلى موقف بكركي الذي دعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تساهم وتساعد على إمرار الاستحقاق الرئاسي ، نجد أن سمير جعجع يغرد خارج سرب التوافق المسيحي. هذا التطرف القواتي إن دل على شيء إنما يدل على أن رئيس القوات لم يجرى تقييماً للحقبة السابقة، فمرحلة ما بعد الخروج من السجن لم تختلف عما قبل الدخول إليه. فمنهجيته في التعامل مع الأزمات التي تعصف بلبنان والمنطقة لم تتغير، وإلا كيف يمكن تفسير تحالف القوات مع التيارات التكفيرية التي تعيث فساداً وتكفيراً في كل العالم لا سيما في سوريا ولبنان، ألم يخرج في يومٍ من الأيام أحد الإعلاميين المقربين من جعجع ليقول إذا كانت داعش ضد الرئيس بشار الأسد وإيران وحزب الله فأنا مع داعش!!

ذهب سمير جعجع بعيداً في شروطه للقبول بتشكيل حكومة مشاركة سياسية تجمع الأفرقاء السياسيين اللبنانيين على طاولة واحدة. موقف جعجع واضح وحاسم لا للجلوس مع حزب الله على طاولة واحدة قبل خروج حزب الله من سوريا، وإيجاد حلّ لمشكلة السلاح، وتسليم المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن مهلاً!! وكما يقول جعجع نفسه "بالله عليكم" أيعقل أن رئيس القوات لم يسمع سعد الحريري يدعو لتشكيل حكومة جامعة لا تستثني أحداً؟ ألا ينظر جعجع من حوله ليرى التحولات الدولية والإقليمية التي لطالما راهن وفريقه السياسي عليها تسير بما لا تشتهي سفن رعاة جعجع الإقليميين؟ ألم يخبر أحد جعجع عن حقيقة ما يجري في الميدان السوري من تقدم للجيش العربي السوري، بينما حلفاءه التكفيريين يقاتلون بعضهم بعضاً!!

من الواضح أن ما لم يدركه جعجع، يعرفه تماماً حليفه سعد الحريري ومن خلفه المملكة العربية السعودية، فالسير بحكومة جامعة ولو بغصة وحرقة هو بكل تأكيد ومن دون أدنى شك يأتي بقبول سعودي  وتشجيع غربي وأمريكي للحفاظ على نوعٍ من الاستقرار في لبنان. لكن هناك احد ما في هذه المنطقة لا يهمه استقرار لبنان، لا بل عمل ويعمل ليل نهار لنشر الفوضى في لبنان، وتغذية الشرخ بين اللبنانيين، وزيادة الضغط الداخلي على عدوه الأساسي ألا وهو "حزب الله"، ويبدو واضحاً التماهي القواتي الدائم مع استراتيجيات هذه الدولة، منذ نشأة القوات كميليشيا عسكرية .

قطع جعجع بالأمس الطريق على مشاركته في الحكومة ولو شارك فيها الجميع، معتبراً أن تيار المستقبل يخطئ في تقدير الموقف، وفي ردٍ واضح على الحريري، اعتبر جعجع أنه "ليس بالحكومة يربط النزاع مع حزب الله". هنا تظهر خيارات جعجع الواضحة والصريحة، فمن قال أن جعجع يريد أن يَربُط النزاع مع حزب الله؟ بماذا يتكلم وعمن سيتكلم جعجع إذا رُبِط النزاع مع حزب الله.  ما جاء في حديث جعجع بالأمس يؤكد أنه ماضٍ بخياراته المتطرفة تعبيراً منه عن ولاءه للمشروع الفتنوي الذي يستهدف لبنان إخلاصاً منه للمعشوقة الأولى الذي نشأ وترعرع مشروعه السياسي والعسكري على حبها وخدمتها.
2014-01-23