ارشيف من :آراء وتحليلات

الدستور التونسي الجديد بين توافقات السياسيين ورفض الشارع

الدستور التونسي الجديد بين توافقات السياسيين ورفض الشارع

تمكن المجلس التأسيسي في تونس، بعد جلسات شاقة وساخنة، من مناقشة جميع فصول الدستور الجديد وتم التصويت عليها فصلا فصلا. ولم يبق سوى التصويت على كامل الدستور الذي يجب أن يحظى بموافقة ثلثي أعضاء المجلس على الأقل وإلا فإنه سيطرح على الاستفتاء الشعبي.

لكن يبدو أن التوافق حاصل بشأن مشروع الدستور وأن عملية التصويت ستكون شكلية باعتبار أنه تم تحديد أجل ختمه من قبل رئيس الحكومة المستقيلة علي العريض في حفل بهيج يرجح أن يكون بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي سيزور تونس للغرض. فالبلاد في نهاية هذه المرحلة الانتقالية الثانية تسير وفقا لخارطة طريق وضعتها المنظمات الوطنية الراعية للحوار يتقدمها الاتحاد العام التونسي للشغل، تم التوافق عليها من قبل أغلب القوى ذات الوزن الثقيل على الساحة السياسية.

الاعتداء على المقدسات

ورغم أن القوى السياسية متوافقة فإن الشارع التونسي لا يبدو كذلك. ذلك أن الكثيرين مستاؤون من عدم تجريم الاعتداء على المقدسات ويعتبرون ان حضور الحركة الإسلامية الحاكمة في صياغة مشروع الدستور كان صوريا. فقد تمكن "العلمانيون"، بحسب هؤلاء، من فرض حرية الضمير فيما عجز الإسلاميون عن تجريم الاعتداء على المقدسات، ويخشى هؤلاء من أن يُعتدى مستقبلا في تونس على رموز المسلمين بتعلة حرية الضمير كما يحصل في الغرب من إساءات متكررة للنبي محمد (ص).

فحرية الضمير، بحسب هؤلاء، يجب أن يتم تقييدها بتجريم الاعتداء على المقدسات ولا يجب تركها على إطلاقها. ويبدو أن هذه الأصوات التي ارتفعت مؤخرا سواء في الشارع أو في المنابر الإعلامية ذاهبة نحو التصعيد يساندها سياسيون وناشطون في المجتمع المدني ذوي توجهات إسلامية على غرار صاحب قناة المستقلة التي تبث من لندن الدكتور الهاشمي الحامدي الذي حصل حزبه (العريضة الشعبية) على ثاني أكبر عدد من الأصوات خلال انتخابات 23 أكتوبر 2011 بعد حركة النهضة.

الدستور التونسي الجديد بين توافقات السياسيين ورفض الشارع

جدل حول تجريم التكفير


وكنا أشرنا في تحليل سابق إلى أن الدستور التونسي الجديد تميز بفصل "فريد من نوعه" يتعلق بتجريم التكفير وهو ما يبدو أنه لم يرق لبعض التيارات وعلى رأسها السلفيون وبعض أتباع وقيادات حركة النهضة المقربون من التيار السلفي. ويهدد هؤلاء أيضا بالتصعيد إن لم يقع إلغاء هذا الفصل. ويعتبر هؤلاء أن التكفير جائز من قبل "علماء وقضاة الأمة" وبالتالي لا يجب منع ما هو مباح. لكن السؤال المطروح من هم علماء الأمة في هذا العصر الذي اختلط فيه الحابل بالنابل؟

في المقابل تهدد المعارضة - التي اكتوت بنار التكفير وخسرت قيادييْن هما شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي تم تكفيرهما في مرحلة أولى تمهيدا لاغتيالهما لاحقا – بالتصعيد أيضا إذا وقع المساس بهذا الفصل. وتبدو حازمة وصارمة في هذا المجال وعبرت عن ذلك في رحاب المجلس الوطني التأسيسي وفي كثير من المنابر وهي التي أجبرت بفعل ضغط شارعها حكومة العريض على الاستقالة وحركة النهضة على الجلوس على طاولة التفاوض.

القوميون أيضا..


كما أن التيار القومي ليس راضيا على الدستور الجديد ويلوح بدوره بالتصعيد بسبب حذف بند تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني من مشروع الدستور. ويرى عموم أبناء هذا التيار الذي انتمى إليه الشهيد الحاج محمد البراهمي أن دستور تونس الجديد قد تمت فيه ترضيات لجهات خارجية غربية على وجه التحديد وهو برأيهم لا يمثل التونسيين الراغبين في عمومهم في دسترة تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في مرحلة أولى ثم سن قانون صارم يُفصل الأفعال المجرمة التي تصنف في خانة التطبيع.

وذهب بعضهم إلى حد نعت السياسيين الذين قبلوا بعدم إدراج هذا البند بالخونة وعملاء السفارات الأجنبية. ولمح القيادي في الحزب الجمهوري عصام الشابي إلى أن ألمانيا تدخلت على الخط وضغطت على مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي لكي لا يتم تضمين تجريم التطبيع في الدستور. وقد رد رئيس المجلس ونفى أن يكون الأمر له علاقة بالضغوط الألمانية التي لم ينفها. حيث تحدث الناطق باسم بن جعفر موضحا أن الأخير بعث برسالة صارمة إلى نظيره رئيس البرلمان الألماني عبر له فيها عن رفضه لأي تدخل لألمانيا في مشروع الدستور وأن التونسيين أحرار إذا رغبوا في تجريم التطبيع. لكن التسريبات تتحدث أيضا عن علاقة لسفير الولايات المتحدة في تونس بالمسألة حيث تخشى واشنطن ومن ورائها "إسرائيل" أن تصبح السابقة التونسية في دسترة تجريم التطبيع قدوة لدول عربية وإسلامية أخرى للسير على منوالها.
2014-01-24