ارشيف من :آراء وتحليلات
الازمة الرأسمالية العالمية على مشرحة منتدى دافوس
ان الانهيار الاقتصادي الرأسمالي الاكبر بعد الحرب العالمية الثانية، المتمثل في الازمة العالمية التي انفجرت طلائعها في الولايات المتحدة الاميركية سنة 2008، قد أعقبه أضعف إنعاش ممكن. فالازمات السابقة كان يعقبها عادة الازهار، بعد خمس سنوات من الركود. اما الان فالوضع مختلف. ولهذا فإن من اهم المعضلات التي واجهها منتدى دافوس الذي انعقد في الفترة بين 22 ـ 25 كانون الثاني الجاري معضلة الانعاش الاقتصادي. ومصدر الازعاج طويل الامد بالنسبة للخبراء هو انه بسبب انكماش المداخيل فإن الناس هم مضطرون للاقتراض اكثر من السابق من اجل الاحتفاظ بمستوى استهلاكهم السابق. ولكن بالمقابل، فإن ضعف حوافز الاقتصاد يجعل القروض اكثر تكلفة.
ان اتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء يمثل الخطر الاساسي على العالم في السنوات القريبة القادمة. هذا ما اعترف به المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره السنوي عن المخاطر العالمية. وقد شارك في تحضير هذا التقرير، الذي مهد لانعقاد الكونفرانس العام لمنتدى دافوس، اكثر من 700 خبير عالمي. وأبرز التقرير انه بعد الخطر الاساسي المشار اليه آنفا، فإن الاحداث الطقسية العنيفة (كالاعاصير والفيضانات)، والبطالة، والتغيرات المناخية، والقرصنة الالكترونية تأتي في الترتيب التالي في المخاطر، التي تحتمل التسبب في خلق صدمة على النطاق العالمي.
واشار التقرير إلى ان الثقة بالحكومات في العالم قد انخفضت بحدة في السنة الماضية، كما انخفضت بشدة السمعة الدولية لواشنطن بسبب النزاع حول إقرار الميزانية، الذي تسبب في توقف الادارة الاميركية عن العمل لمدة ثلاثة اسابيع كاملة. كما اهتزت كثيرا الصورة العالمية للولايات المتحدة الاميركية بسبب فضيحة التنصت التي تسببت بها وكالة الامن القومي الاميركية وفشل انطلاق الضمان الصحي الذي اقترحه الرئيس الاميركي باراك اوباما. وهذا هو الاستنتاج الاساسي الذي توصل اليه التقرير الذي صدر تمهيدا لانعقاد الاجتماع العام للمنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس في سويسرا.
وجاء في استقصاء لمؤسسة الابحاث العالمية Edelman Trust Barometer انه بالكاد 37% من خريجي الجامعات اعلنوا انهم يثقون بالولايات المتحدة الاميركية، وهذا يمثل 16 نقطة اقل مما كان سنة 2012، و7 نقاط اقل من متوسط الثقة بالحكومات عالميا.
ومع ذلك فإن اميركا ليست الاولى في هذا المضمار، اذ تتقدم عليها حكومات فرنسا، اسبانيا وايطاليا. ولكن الملفت للنظر هو الانهيار السريع في مؤشر الثقة بالحكومة الاميركية. وهو يبدو اكثر دراماتيكية، بعد موجة الامل التي اوجدها تدخل الحكومة الاميركية في 2008 و 2009 لانقاذ الاقتصاد من الازمة الاقتصادية التي هي الاكبر منذ الحرب العالمية الثانية.
وبنتيجة التدني القياسي للمؤشر العالمي للثقة بالحكومات، برز التعارض بين هذا المؤشر ومؤشر الثقة بقطاع الاعمال، الذي تفوق على مؤشر الثقة بالحكومات 14 نقطة.
وبشكل عام فإن مؤشر الثقة بقطاع الاعمال مستقر على حوالى 58%. ولكن النسبة تختلف بين بعض الفروع وبعضها الآخر. ففي حين ان مؤشر الثقة هو ارفع بالنسبة لصناعة التكنولوجيات وصناعة السيارات، فهو ادنى فيما يتعلق بقطاع المالية، والطاقة وصناعة الاغذية. وبالاضافة الى هذه الفروقات، هناك ايضا ثقة بالشركات العائلية والصغيرة، اكبر من الثقة بقطاع الاعمال الكبيرة، وهذا التوجه موجود في كل انحاء العالم، مع بعض الفروقات.
وقد أنجز هذا الاستقصاء في الفترة بين 16 تشرين الاول و29 تشرين الثاني سنة 2013، وشمل 6000 شخص تتراوح اعمارهم بين 25 و64 سنة متخرجين على الاقل من كلية.
ويحذر المنتدى انه يوجد جيل ضائع من الشباب، الذين لا يمتلكون عملا ولا مؤهلات مهنية، ما يضاعف الشعور بالعجز، ويمكن ان يتحول بسهولة الى اضطرابات اجتماعية. والسبب في ذلك هو التأثير السيئ جدا للركود على الشبان، الذين هم اما عاطلون عن العمل، او يشتغلون اعمالا هي ادنى بكثير من كفاءاتهم.
وفي الكثير من بلدان الاقتصادات النامية يوجد قسم كبير من السكان تحت سن الـ25، وهذه الفئة بالذات هي الاكثر ميلا نحو الهجرة والانخراط في الاضطرابات الاجتماعية.
ويشير التقرير ايضا الى ازمات الميزانيات واحتمالات الازمة المائية بوصفها من المخاطر الاكثر اثارة للقلق في ايامنا الراهنة، كما يشير الى تنامي خطر "الزلزال الكومبيوتري" (الانهيار الواسع للانظمة الكومبيوترية، الذي تنتج عنه نتائج كارثية على الاقتصاد العالمي). فالاعتماد المتزايد على الانترنت والنمو المتزايد للتجهيزات المرتبطة به تزيد من خطورة الانهيار الكومبيوتري اكثر من اي وقت مضى.
ويقول دايفيد كوول، مدير قسم المخاطر في شركة اعادة التأمينات Swiss Re ان اوروبا هي الان خارج الخطر المالي المباشر، ولكن تبرز تماما مسألة التفاوت في المداخيل. وهو يؤكد انه مؤيد للرأسمالية، ولكن في لحظات معينة فإن الامور تخرج عن السكة، ما يقتضي اتخاذ اجراءات ضبطية، حكومية او ضرائبية، تحد من الفروقات الحادة في المداخيل والثروة. وحسب تعبيره فإن الحوافز المالية والنقدية الواسعة، التي اسهمت في اعادة الاستقرار والانعاش الى الاقتصاد في العديد من البلدان، كان لها انعكاس ضئيل جدا على الفقراء، والعاطلين عن العمل وجيل الشبان الاصغر سنا.
وبحث منتدى دافوس مسألة اخرى وهي هل ان النمط الحالي للتنمية ينسجم مع التغيرات المناخية؟ فبسبب الركود، تراجع الاهتمام بالاحتباس الحراري الى الخلف، وفي الركود الحالي لم يعد يعر اي اهتمام لهذه المشكلة منذ وقت طويل. وتعلق جريدة "الغارديان" على ذلك بالقول ان فقدان التنسيق العالمي، والفكرة بأن "التكسير" (اشارة الى استخراج "الغاز الصخري") يمثل مستقبل قطاع الطاقة العالمية، لا يساعدان في هذا الاتجاه. وقد حصلت فكرة عدم المساواة بين البلدان على تأييد كبير.
ولقد بلغ عدم المساواة على النطاق العالمي الى حد ان الثروة البالغة 1 تريليون جنيه استرليني، والعائدة الى اغنى 85 شخصا في العالم تعادل مجموع الثروات التي يملكها 3.5 مليارات ونصف مليار فقير في العالم. وهذا هو ملخص التقرير الذي اعدته منظمة التنمية Oxfam. ويؤكد هذا التقرير، المعنون "العمل لاجل الاقلية"، ان تنامي اللامساواة انما تحفزه القبضة الشديدة للنخب على السلطة. فهذه النخب تمارس تأثيرها على العملية السياسية، من اجل توجيه النظام الاقتصادي لخدمة مصالحها الضيقة.
ودعت Oxfam المشاركين في منتدى دافوس الى التعامل مع هذه المشكلة، عن طريق ايقاف التهرب من دفع الضرائب، واستخدام الثروة لاجل الفوائد السياسية.
ويقول تقرير Oxfam "انه لمن المؤثر ان نصف سكان العالم ـ 3.5 مليارات ونصف المليار نسمة ـ يملكون من الثروة العالمية بمقدار ما يملك عدد قليل من رجال النخبة، الذين يمكن جمعهم في اوتوبيس واحد"، حسب تعبير المديرة التنفيذية لـ Oxfam ويني بيانيما. وهي تضيف "لا يمكننا التغلب على الفقر، بدون التغلب على اللامساواة. ان تفاقم اللامساواة يخلق حلقة مفرغة، حيث تتركز الثروة والسلطة اكثر فأكثر في ايدي الاقلية، اما الاخرون فعليهم ان يصارعوا لاجل الحصول على فتات المائدة". و"اننا نرى كيف ان الضرائب المنخفضة، واجود الضمانات الصحية والتعليم وامكانيات استخدام النفوذ تعطى ليس فقط للاغنياء، بل ولابنائهم ايضا. وبدون القيام بجهود ملموسة للتغلب على اللامساواة فإن دائرة الامتيازات والوضع اللامتساوي سوف تستمر لاجيال واجيال".
وحسب تقرير Oxfam ففي بضعة العقود الماضية استطاع الاغنياء ان يؤثروا على السياسة لمصلحتهم في العديد من القضايا، كالتنظيمات المالية، الملاذات الضرائبية، تخفيض الضرائب على المداخيل وتخفيض الخدمات الاجتماعية للاكثرية. ومنذ سبعينات القرن الماضي جرى تخفيض الضرائب على الاكثر غنى في 30 دولة امكن الحصل على المعلومات فيها.
وهذا "الالتقاط للفرص" من قبل الاغنياء على حساب الفقراء والطبقة المتوسطة ادى الى وضع اصبح فيه 1% من العائلات يمتلكون 46% من الثروة العالمية، ما يقدر بحوالى 70 تريليون جنيه استرليني.