ارشيف من :آراء وتحليلات
حكومة جمعة: أسماء مجهولة للتونسيين فرضتها ’الحلول الوسطى’
وأخيرا وبعد مخاض عسير بات لتونس دستور، وحكومة ستتولى قيادة ما تبقى من مرحلة انتقالية. وهذه الحكومة مطالبة بتنظيم انتخابات حرة وشفافة ونزيهة تقطع مع المرحلة الإنتقالية التي عاشتها البلاد إثر الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي منذ ثلاث سنوات.
كما أن أعضاء هذه الحكومة جميعهم من المستقلين غير المنتمين لأي حزب سياسي، وهو أحد الشروط التي تم الإتفاق عليها خلال الحوار الوطني. وهم أيضا ملتزمون للرباعي الراعي للحوار يتقدمه الإتحاد العام التونسي للشغل، بعدم ترشح أي منهم للانتخابات القادمة التي من المرجح أن تتم نهاية هذه السنة.
حتى لا يجوع الذئب
لقد سعى المهدي جمعة في التشكيلة الحكومية التي أعلن عنها أمس مباشرة من قصر قرطاج (مقر الرئاسة الأولى) إلى إرضاء جميع الفرقاء السياسيين على الساحة عاملا بمقولة "حتى لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي". فقد طالبت المعارضة على سبيل المثال بإقصاء وزير الداخلية في حكومة علي العريض القاضي لطفي بن جدو محملة إياه مسؤولية التقصير في حماية الشهيد محمد البراهيمي.
وفي المقابل أصرت حركة النهضة وحليفاها في الحكم على استمرار بن جدو في منصبه وحرضت أنصارها في مدينة القصرين، مسقط رأس بن جدو، على التظاهر تأييدا لاحتفاظه بحقيبة الداخلية. ونتيجة لهذه الضغوط منح جمعة وزارة الداخلية مجددا للطفي بن جدو إرضاءً لحركة النهضة، لكنه أضاف خطة جديدة سميت "وزيرا معتمدا لدى وزير الداخلية مكلفا بالملف الأمني" لإسكات المعارضة، وهو ما يعني عمليا أن بن جدو سيكون مكلفا فقط بشؤون الولاة (المحافظين) والجماعات المحلية (البلديات) فيما خرج الملف الأمني من بين يديه.
أسماء مجهولة
وباستثناء وزراء العدل والدفاع (قاض ومحام أستاذ قانون بالجامعة التونسية) والثقافة (مدير مهرجان قرطاج الأسبق)، فإن أغلب الأسماء في حكومة المهدي جمعة لا يعرفها الرأي العام الوطني، وهي مجهولة ليس فقط لدى عموم المواطنين وإنما لدى النخبة السياسية أيضا. وقد لقي هذا توجه جمعة نحو الإطارات الشابة من أبناء تونس في الداخل ومن المهاجرين، استحسان البعض وتأييده المطلق، ورفض البعض الآخر وانتقاداته. واختلفت التقويمات في هذا الإطار.
فالمؤيدون حجتهم أن تونس بحاجة إلى طبقة سياسية نظيفة من فئة الشباب، لم تتورط في "فساد الماضي" وتؤسس لمرحلة جديدة تقطع مع أساليب العهد السابق في العمل السياسي. فيما يخشى الرافضون لهذا التوجه من قلة تجربة هذا الطاقم الحكومي الجديد الذي قد يعجز عن إدارة الشأن العام لافتقاره للخبرة. ويستشهد الرافضون، بتجربة حركة النهضة في الحكم التي كادت تقود البلاد إلى الإفلاس بسبب عدم تمرس قياداتها على إدارة دواليب الدولة ويخشون من أن يتكرر السيناريو مع هذه الحكومة.
ترقب
أما الشارع التونسي فإنه لا يرغب في استباق الأحداث على ما يبدو إذ لم يخرج لا في تظاهرات مؤيدة ولا في أخرى معارضة، والحديث الغالب لديه هو ضرورة الإنتظار للتعرف الى عمل هذه الحكومة ثم الحكم عليها لاحقا بالإيجاب أو بالسلب. ولعل ما يهم المواطن التونسي بالدرجة الأولى هو أن تعمل هذه الحكومة على التخفيض في أسعار المواد الغذائية والبنزين وتكلفة التزود بالماء والكهرباء والإتصالات حيث شهدت الأسعار خلال حكم حركة النهضة ارتفاعا قياسيا فاق ما كان سائدا خلال فترة حكم الرئيس المطاح به زين العابدين بن علي.
ويرى كثير من المحللين أن المهدي جمعة أمام فرصة تاريخية ليكون زعيما تونسيا جديدا بعد أن خلت الساحة في أرض الخضراء من الزعامات إثر وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة. فحتى قادة أكبر حزبين سياسيين في البلاد نداء تونس وحركة النهضة هما من الطاعنين في السن، ومنذ الثورة لم تشهد البلاد بروز قيادي من الفئة الشبابية يحمل المشعل عن الجيل الذي عاصر بورقيبة وشهد مرحلة بن علي.