ارشيف من :آراء وتحليلات

هكذا سقط المستعربون في جنيف 2

هكذا سقط المستعربون في جنيف 2
بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الأول 2011، قرر وزراء الخارجية العرب تعليق عضوية سوريا بجامعة الدول العربية، من خلال سحب تمثيل الحكومة السورية للدولة، والإبقاء على مقعد سوريا خاليا. وقام بعضهم ايضاً بسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية، بضغط من إمارة قطر. آنذاك ظن البعض أنهم بهذا القرار ـ الذي يخالف كلياً ميثاق جامعة الدول العربية لا سيما المواد 1، 8 و 18 (لمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة ميثاق الجامعة العربية) ـ يستطيعون التأثير على الحكومة السورية، ويحملون المجتمع الدولي على سحب اعترافه بها، لكنهم لم يصلوا الى مبتغاهم.

وكما خالف الوزراء العرب ميثاق الجامعة العربية حيث لا يحق للمجلس أن يسحب عضوية أي دولة إلا إذا أخلّت بواجباتها تجاه الجامعة، وهذا ما لا ينطبق على سورية التي كانت من الدول الأولى المؤسسة للجامعة، خالفوا مبادئ وأهداف الأمم المتحدة التي تمنع في ميثاقها التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وهو ما يؤكده أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني.
 الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة، تنص انه "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ ”للأمم المتحدة“ أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع"

فبعد مرور عامين على قرار الجامعة العربية، شاركت معظم دولها، التي ضغطت من أجل تعليق عضوية سوريا في الجامعة، في مؤتمر جنيف 2 الذي يعالج الأزمة السورية. وهو المؤتمر الذي أكد من جديد الاعتراف بالحكومة السورية وبالتالي الاعتراف بالنظام القائم، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وضرب كل مفاعيل قرارات الجامعة العربية.

حتى إن العرب الذين سارعوا لسحب عضوية سوريا في الجامعة كانوا يوجهون حديثهم خلال المؤتمر إلى وفد الحكومة السورية، وليس هناك أبلغ من هذا الدليل على اعترافهم بأن الحكومة القائمة حالياً في سوريا، هي الحكومة الشرعية والدستورية، وأن النظام الحاكم والممسك بزمام السلطة هو النظام السوري.

يشير جوني في حديث لموقع "العهد الاخباري" إلى أن "العرب لم ينالوا ما أرادوه من خلال هذه المخالفات، بل على العكس من ذلك فإن القرارات التي تحملت الجامعة وزرها، انقلبت عليها وباتت الجامعة في حالة يرثى لها، ولم يعد لها اي تأثير او مفاعيل دولية، كما أنه ليس للدول العربية قرار وازن في المجتمع الدولي، الذي يعترف بأسره اليوم بالحكومة السورية حتى من يعارضها".

من هنا فان "شرعية الحكومة السورية اليوم اوسع من مشاركتها في الجامعة العربية والاعتراف بشرعية الحكومة السورية ما زال ساري المفعول، وهي حتى الان لا تزال ممثلة في الأمم المتحدة بكل تفرعاتها (الجمعية العامة، مجلس الأمن، مجلس حقوق الإنسان)، وفي الوكالات والمنظمات الدولية، ومعترف بها لدى أكثرية دول العالم الاعداء كما الاصدقاء"، يوضح جوني.
هكذا سقط المستعربون في جنيف 2
هكذا سقط المستعربون في جنيف 2

بناءً عليه، فان مفاعيل قرارات الجامعة العربية لا تؤثر على سوريا، فسحب هذا الاعتراف ليس له اي مفاعيل قانونية، لأن سورية لم تختَر الانسحاب من الجامعة العربية، ومن فرض عليها ذلك هم العرب بخطوة غير لائقة ولا قانونية ولا ميثاقية، وذلك بحسب المادة 18" التي ذكرناها سالفاً. برأي جوني أن "ما يحصل اليوم في جنيف هو لفك الاشتباك الدولي، وعودة سوريا الى المجتمع الدولي كحكومة سورية تمثل الدولة في الامم المتحدة، وأتى مؤتمر جنيف 2 ليؤكد المؤكد".
المادة 8 من ميثاق الجامعة: "كل دولة من الدول المشتركة فى الجامعة تحترم نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها".

المادة 18: "إذا رأت إحدى دول الجامعة أن تنسحب منها، أبلغت المجلس عزمها على الانسحاب قبل تنفيذه بسنة".

ووفق جوني "العرب لم يستطيعوا التأثير على سوريا، بل انهم في نهاية المطاف اجتمعوا معها تحت قبة أممية، وليس لقراراتهم أي تداعيات في اللعبة الدولية، حتى إن معظم الدول التي صوتت ضد سوريا في الجامعة العربية تتعامل معها اليوم".

على أن سحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية، ما هو إلا مجرد وسيلة للضغط لا تؤثر في عملية الاعتراف. برأي جوني هناك دول وحكومات كثيرة قائمة بلا اعتراف، مذكراً بأن معظم السفراء الذين يتم سحبهم من سوريا تبقى صفتهم الرسمية كسفراء أجانب في سوريا موجودة.

ويضيف جوني "فعلى سبيل المثال السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد يقال عنه السفير الاميركي في سوريا، وليس السفير الاميركي لدى المعارضة السورية، كما أن بشار الجعفري هو المندوب الدائم لسوريا في مجلس الأمن وليس ممثل المعارضة في مجلس الامن، وبالتالي فانه مع هذا الاعتراف باتت قرارات الجامعة العربية لا تعبر الا عن نفسها".

لقد ظهر العرب بحالة ذهول وحيرة، من عنفوان الوفد السوري، الذي كان يواجه أكثرية الدول التي تعارضه وتسعى لإسقاط النظام ، ولم يستطع العرب تحقيق أهدافهم، بل راح بعضهم يحاول تلميع صورة الاخر، ويسوي مصالحه على حساب الشعب السوري. يخلص جوني إلى أن ما يضرب مفاعيل قرارات الجامعة هو أن "النظام السوري لا زال قوياً وماسكاً للحكم في سورية، والحكومة السورية هي صاحبة السلطة والسيادة، وهناك أكثرية شعبية تؤيد النظام وترفض أفعال المعارضة".

إذاً، يمكن القول إن المستعربين سقطوا في مؤتمر جنيف 2، حيث ضرب هذا المؤتمر كل قراراتهم الجائرة بحق سوريا الشعب والدولة.
2014-01-28