ارشيف من :آراء وتحليلات

اميركا قلقة من الصاروخ الروسي ’روبيج’



اميركا قلقة من الصاروخ الروسي ’روبيج’
نشرت يوم امس جريدة New York Times مقالا تناولت فيه التجارب الاخيرة التي اجرتها روسيا على الصاروخ الروسي الاحدث RS-26 المسمى "روبيج". (وهو منظومة صاروخية تحت أرضية تحمل صاروخا باليستيا عابرا للقارات. وفي 30 كانون الثاني 2014 الماضي، أجريت 5 تجارب اطلاق، نجحت منها اربع. ويتوقع في وقت قريب ان ينضم هذا الصاروخ الى مجموعة الصواريخ الاخرى التي تملكها القوات المسلحة الصاروخية الاستراتيجية الروسية، من طراز "يارس" (RS-24) و"توبول ـ م" (RT-2PM2). ).

وادعت الجريدة ان هذا يمثل خرقا لموازين التسلح، وان وجود هذا الصاروخ لدى روسيا يخضع لمفاعيل اتفاق "ستارت ـ 3" للحد من التسلح.

ويعلق المراقبون ان الولايات المتحدة الاميركية تبحث بشكل محموم عن اي حجة كانت، من اجل منع روسيا من حيازة اسلحة لا تعجب السياسيين والعسكريين الاميركيين. وفي المقال المشار اليه اعلنت "نيويورك تايمز" عن تجارب لـ"صاروخ مجنح جديد ذي قواعد انطلاق ارضية". وتؤكد الجريدة ان الموظفة الاميركية رفيعة المستوى في قسم مراقبة التسلح روز غوتيميولر (Rose Gottemoeller) في لقاءاتها مع الموظفين الروس سألت عدة مرات عن هذه التجارب، معلنة عن القلق من الامكانيات القتالية لهذه المنظومة الصاروخية، التي حسب رأيها تمثل خرقا لاتفاقية سنة 1987، المتعلقة بإتلاف الصواريخ ذات المديات القريبة والمتوسطة. كما ابلغت غوتيميولر حلفاء اميركا في الناتو عن القلق الاميركي من هذا الصاروخ. وطرحت واشنطن هذه المسألة امام موسكو، ولكنها لم تتلق جوابا شافيا.

وقالت الجريدة ان القلق الاميركي بهذا الشأن قد فاق الاهتمام الاميركي بالبرنامج النووي الايراني وقضية اتلاف الاسلحة الكيماوية في سوريا.

ولكن الجريدة اشارت الى ان ادارة اوباما غير مستعدة حتى الان لان تعلن رسميا ان هذه التجارب تشكل خرقا لاتفاقية الحد من التسلح. ومن المحتمل ان ادارة اوباما تراهن على الوقت لحل هذه المشكلة، او انها تأمل ان تضغط على موسكو في قضايا اخرى.



اميركا قلقة من الصاروخ الروسي ’روبيج’

الا ان عددا من رجال الكونغرس يطلبون من البيت الابيض ردا قاسيا على الروس. هذا بالرغم من انهم يتجنبون النقاش العلني حول هذا الموضوع، اذ انه قد يؤدي الى تعكير جديد في العلاقات، المتوترة بدون ذلك، بين الولايات المتحدة وروسيا.

لماذا اذن يطرح موضوع الصواريخ؟

بعد كل شيء فإن موسكو وواشنطن تذكران جيدا، انه في عهد الرئيس جورج بوش الابن، فإن وزير الدفاع الروسي في حينه سيرغي ايفانوف اقترح حينذاك ان يتخلى الطرفان عن اتفاقية اتلاف الصواريخ قريبة ومتوسطة المدى، التي وقعها غورباتشوف وريغان في البيت الابيض سنة 1987. واكد ايفانوف حينذاك انه يوجد على روسيا خطر استخدام الصواريخ متوسطة المدى من اراضي بلدان مجاورة، انضمت الى حلف الناتو. ولكن ادارة بوش لم توافق على وقف مفعول الاتفاق، مؤكدة ان البلدان الاعضاء في الناتو تنظر الى هذا الاتفاق بوصفه حجر الزاوية في الرقابة على التسلح. وفي نهاية المطاف وافقت روسيا على عدم التخلي عن هذا الاتفاق. واكد هذا الموقف الرئيسان باراك اوباما وفلاديمير بوتين. ولكن، حسب رأي عدد من المحللين الاميركيين، فإن روسيا واصلت تدعيم قدراتها النووية، للتعويض عن ضعف قواتها العادية، غير النووية. والصاروخ الجديد RS-26 يضطلع بدور رئيسي على هذا الصعيد. وحسب تقديرات المخابرات الاميركية، فإن هذه المنظومة الصاروخية مصممة خصيصا لملء الفجوة في القدرات الصاروخية لروسيا، التي ظهرت بنتيجة التقييدات على مديات اطلاق الصواريخ بموجب اتفاقية سنة 1987. وهذه الوثيقة تمنع على الولايات المتحدة وروسيا امتلاك صواريخ قادرة على توجيه ضربات في مدى يتراوح بين 500 و5500 كلم.

ويقول بعض الخبراء ان هذه الاتفاقية هي من افعال الخيانة التي ارتكبها غورباتشوف لاضعاف الاتحاد السوفياتي والتمهيد لغزوه من قبل الغرب الامبريالي والصهيوني.

وليس سرا انه توجد قوى سياسية روسية تعارض هذا الاتفاق. وهو ما عبر عنه الرئيس فلاديمير بوتين في شباط سنة 2007، وقال ما معناه ان الاتفاق يمنع روسيا واميركا من امتلاك صواريخ قريبة ومتوسطة المدى، ولكنه لا يمنع بلدان الناتو المجاورة لروسيا من امتلاك هذه الصواريخ. كما ان سيرغيي ايفانوف، وزير خارجية روسيا حينذاك، ورئيس الجهاز الاداري للرئيس بوتين حاليا، قال في حينه ان اتفاق 1987 كان خطأ. ولكن في الفترة الاخيرة توقفت الشخصيات الروسية الرسمية عن التعبير عن الاستياء من هذا الاتفاق.

ومن الملاحظ ان الجانب الروسي لم يعلن حتى الان رسميا عن المواصفات التكتيكية ـ التقنية لصاروخ RS-26. وبشكل عام تعتمد وسائل الاعلام الروسية والاجنبية، في ذلك، على ما سبق ونشرته الجريدة الالكترونية "نيزافيسيمايا غازيتا" حول الموضوع بتاريخ 9-10-2013. ونذكر انه حينذاك اعلن موقع "مشتريات الدولة" الالكتروني: انه في اواسط سنة 2013 جرى الحديث عن هذه المنظومة في لقاء ضم الرئيس فلاديمير بوتين وتكلم فيه رئيس الادارة العمليانية الرئيسية في هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال ـ كولونيل فلاديمير زارودنيتسكي فقال: "في اطار البرنامج المصدق من قبلكم لبناء القوات المسلحة لروسيا، جرى مساء امس الاطلاق التجريبي للمنظومة الصاروخية المستقبلية "روبيج"، الحاملة للصاروخ الباليستي عابر القارات ذي دقة الاصابة العالية"، ويشار اليه برمز R-26 ويسمى "روبيج". ويضيف الجنرال "ان هذه المنظومة الصاروخية المستقبلية ستسيطر على مجالات اوسع من المجالات التي تسيطر عليها المنظومات الموجودة حتى الان، وهي تتصف بقدرات مناورة اكبر".

وهذا هو بالواقع ما يخيف الاميركيين، اي المواصفات القتالية غير المسبوقة للمنظومة الصاروخية الجديدة. وقد سمّى نائب رئيس الوزراء دميتريي روغوزين صاروخ "روبيج" بأنه "قاتل نظام الدرع الصاروخية" الاميركية، مما يفهم منه ان الرؤوس الحربية لهذا الصاروخ لا يمكن ان تعترضها لا الانظمة الحالية ولا المستقبلية المضادة للصواريخ. وكما يوضح الخبراء، فإن التجهيزات القتالية التي تحملها منظومة الصاروخ RS-26، بعد انفصالها عن الصاروخ الحامل فإنها تطير في مسارات لا يمكن التنبؤ بها. والكومبيوتر المركب على متن كل تجهيز يغير باستمرار خط مسار الجهاز على قاعدة اختيار ارقام عشوائية، بحيث انه لا يمكن اعتراض هذا الصاروخ ولا اي من الرؤوس الحربية المنطلقة منه.

ويعتبر هذا الصاروخ سلاحا هائلا، وعمليا لا يمكن اصابته من قبل اي نظام من انظمة الدفاع الصاروخية الحالية والمستقبلية. ولهذا السبب، على ما يبدو، ظهرت كمية كبيرة من المعلومات حول احتمال ان يمثل هذا الصاروخ خرقا لاتفاقية 1987. ولتأكيد هذه الادعاءات هناك افتراضات أن صاروخ "روبيج" يعمل على مسافة 2000 الى 6000 كلم، ما يتداخل مع مديات الاستهداف المحظورة بموجب اتفاقية 1987، التي وقعها رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف في كانون الاول 1987، والتي تنص على اتلاف الصواريخ ذات المديات المتوسطة والقريبة.

والان، بعد اكثر من عقدين من الزمن، تدعي New York Times ان روسيا تقوم بخرق الاتفاق. وانه اذا كانت روسيا قد صنعت صاروخا جديدا متوسط المدى، فهذا سيكون له تأثير سلبي على الرقابة الاميركية ـ الروسية على التسلح، كما على علاقات روسيا مع جيرانها.

ويربط بعض الخبراء صناعة هذا الصاروخ بتوتر العلاقات الروسية ـ اليابانية، والرد على الحشود الاميركية في المحيط الهادي والشرق الاقصى والاوسط، والنهج السياسي الروسي الراهن لتعزيز النفوذ الروسي في الجوار القريب لروسيا، واعادة بعث الاتحاد السوفياتي السابق بأشكال جديدة. ويضيف هؤلاء الخبراء ان روسيا تمتلك الان 4500 وحدة من الاسلحة النووية، وهذا اكثر بـ10 مرات من اي دولة اخرى (باستثناء الولايات المتحدة الاميركية).

وحتى تموز 1991 كان قد جرى، تطبيقا للاتفاق، اتلاف 846 صاروخا اميركيا و1846 صاروخا سوفياتيا، مع قواعد اطلاقها وتجهيزاتها الارضية.

ومن وقت الى آخر كان يتم اتهام روسيا بخرق هذا الاتفاق. وضمن هذا السياق يدخل الاتهام بأن صناعة الصاروخ RS-26 يمثل خرقا للاتفاق. وهو ما تنفيه السلطات الروسية التي تقول ان الصاروخ RS-26 هو صاروخ باليستي عابر للقارات يزيد مداه عن 5500 كلم المحددة في اتفاقية 1987.
2014-02-01