ارشيف من :آراء وتحليلات

ما هي الاحتمالات والخيارات الحكومية ؟

 
ما هي الاحتمالات والخيارات الحكومية ؟
ساد في لبنان توقع أن يكون شھر كانون الثاني ھو شھر حسم الملف الحكومي، ولكن المواعيد التي حددت لولادة حكومة جديدة  سقطت تباعا  وفسحة الأمل تقلصت. الأوساط المھتمة بالملف الحكومي منھمكة الان  بفك لغز التعثر المفاجئ وتحديد أسبابه وما إذا كانت إقليمية مرتبطة ب "جنيف  2"  ومسار المعارك قي سورية و الاصطفاف الاقليمي ، أم داخلية ومرتبطة بصراع الأحجام والأدوار عشية انتخابات رئاسة الجمھورية. وھذه الأوساط كانت انشغلت منذ أسابيع بفك لغز الصعود المفاجئ للحكومة الجديدة بعد سبات عميق دام تسعة أشھر. ولكن بمعزل عن حركة "الصعود والھبوط" وما يكتنفھا من غموض والتباس، فإن صورة الاحتمالات والخيارات الحكومية باتت أكثر وضوحا بعدما رست على ثلاثة:

الأول: الحكومة الحيادية التي يمكن القول إنھا باتت مؤجلة وهي اصبحت في اسفل الاحتمالات، لا بل لم تعد واردة أقله في ھذه المرحلة حتى في حسابات الرئيس ميشال سليمان الذي لوّح بھا كورقة سياسية ضاغطة منذ شھرين لتحريك الملف الحكومي في ظل سباق مع الوقت وتآكل المھل الدستورية واقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي. ولكن مع فتح ملف الحكومة السياسية الجامعة وتوافر فرص جدية لتشكيلھا، لم يعد الرئيس سليمان متحمسا ل "الحكومة الحيادية"،لانها من جهة تسقط احتمال التمديد والتجديد ومن جهة اخرى تم التأكد من حجم العقبات والمخاطر السياسية التي تعترضھا: حزب لله يرفضھا بالمطلق لأنھا تستھدفه ولا تعني سياسيا بالنسبة له إلا أمرا واحدا"إبعاده عن الحكومة"... الرئيس بري يؤكد أن حكومة كھذه لن يدعھا تصل الى البرلمان ولن تنال الثقة... جنبلاط يقول إنه لن يكون في عدادھا وسينسحب منھا، وإنه لن يسير إلا بحكومة جامعة. النتيجة أن الحكومة الحيادية ستسقط بعد إعلانھا مباشرة باستقالة أكثر من ثلث أعضائھا، ويفرض سقوطھا إجراء استشارات تكليف جديدة لن تعيد تمام سلام وربما تعيد الرئيس نجيب ميقاتي أو من يريده فريق 8 آذار زائد جنبلاط.

الثاني: حكومة سياسية جامعة كأمر واقع وتكون "حكومة بمن حضر"، أي يصار الى إصدار مراسيمھا بالاتفاق بين سليمان وسلام ويُراعى في توزيع حقائبھا الاعتبارات السياسية والطائفية ولكن من دون أخذ موافقة مسبقة من القيادات السياسية ورؤساء الكتل الذين يوضعون أمام أمر واقع ويكون عليھم إما أن يتعاطوا معه أو أن يرفضوه، مشاركة أو انسحابا.

ثمة اعتقاد سائد بأن حكومة كھذه يمكن أن تمر  والرھان ھنا على تأمين غطاء إسلامي لھا من الثلاثي: الحريري  بري  جنبلاط، وغطاء مسيحي من الثلاثي: سليمان  الجميل  المستقلون في 14 آذار ... ولكن ھذا الاعتقاد ليس في محله لأن مقاطعة عون لحكومة مفروضة عليه ستكون حتمية معتبرا أنھا ستكون منسقة مع الجميع إلا معه، وھذه المقاطعة ستجر الى مقاطعة كل فريق 8 آذار زائد جنبلاط: حزب لله يتضامن مع عون، بري يتضامن مع حزب لله، جنبلاط يتضامن مع بري.

الثالث: حكومة سياسية جامعة متوافق عليھا لا تنتج أزمة جديدة وإنما تشكل ضمانة وحماية للمرحلة السياسية المقبلة المحكومة باستحقاق مفصلي ھو الاستحقاق الرئاسي. ھذه الحكومة تفتح الطريق أمام انتخابات الرئاسة وتجعل الاتفاق على رئيس جديد ممكنا. وإذا تعذر إجراء الانتخاب لسبب أو ظرف ما، فإنھا تتولى إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي من دون مشاكل وخضات... وفي الحالين تكون قد أدت دورا إيجابيا في تھدئة الصراع ومنع انزلاقه في اتجاه الشارع والفتنة وفي تقطيع الاستحقاق الرئاسي ومنع نشوب أزمة حكم ونظام سواء حصلت الانتخابات أم لم تحصل. ھذه الحكومة متوقفة عند عقدة التمثيل المسيحي لأن عدم مشاركة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية فيھا ولأسباب مختلفة يقوّض ميثاقيتھا وقاعدتھا المسيحية ويجعل حكومة سلام بتراء مثل حكومة السنيورة نھاية عام 2006 بعد انسحاب وزراء حزب لله وأمل منھا... وبما أن موقف جعجع ھو موقف نھائي في مقاطعته للحكومة لأسباب  تتعلق بالموقف من حزب لله وسلاحه ، فإلتركيز سيكون على معالجة "طروحات عون"وتفكيك عقدة المداورة في الحقائب.

اقتراحات وأفكار عدة طرحت لتذليل اعتراض عون وإقناعه بالمشاركة على قاعدة المداورة. أغلب الظن أن عون متمسك بحقيبة الطاقة ومستعد للتفاوض على وزارة الاتصالات لمقايضتھا ب "الأشغال"، وھذا من جانب عون المدعوم من حزب لله يضع الكرة في ملعب الرئيس المكلف تمام سلام: إما أن يوافق على بقاء وزارة الطاقة مع الوزير جبران باسيل كثمن لتشكيل الحكومة... وإما أن يرفض التراجع عما تعھد به من مداورة ويصبح أمام خيارين: إقناع الرئيس سليمان بخيار حكومة أمر واقع... أو الاعتذار بعدما استنفد فرصته... كما يمكن لسلام أن يستمر على الحال التي لازمته عشرة أشھر: لا يشكل... ولا يعتذر... ويبقى كذلك حتى ربع الساعة الأخير من ولاية الرئيس سليمان...

خلاصة الملف الحكومي في ضوء كل ما تقدم وما آل إليه من احتمالات وخيارات، ھي أن ھذا الملف بات أمام احتمالين:
1-تأليف حكومة سياسية جامعة بطريقة توافقية وبولادة طبيعية... وھذا ما لم يعد متيسرا وممكنا من دون  إرضاء عون وتجاوز "عقدة المداورة"...  .

2-عدم التأليف وسقوط كل الصيغ الحكومية ... وھذا يعني وضع الاستحقاق الحكومي جانبا والقفز الى "الاستحقاق الرئاسي"، فتكون الحكومة جزءا من عملية التفاوض على الرئاسة ...واحتمال اجراء انتخابات رئاسية مبكرة .

باختصار لبنان يراوح بين ولادة حكومة جديدة او اعتذار الرئيس سلام او انتخابات رئاسية مبكرة او الفوضى .
2014-02-03