ارشيف من :آراء وتحليلات

زيارة أمنية واقتصادية لرئيس الحكومة التونسية إلى الجزائر

زيارة أمنية واقتصادية لرئيس الحكومة التونسية إلى الجزائر


استهل رئيس الحكومة التونسية المهدي جمعة عهده بزيارة رسمية أداها إلى الجزائر، التقى خلالها عددا من المسؤولين الجزائريين يتقدمهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وقد لاقت الزيارة استحسان الرأي العام الوطني باعتبار العلاقات المتميزة التي تربط بين البلدين اللذين تشاركا في الكفاح ضد الإستعمار الفرنسي وفي محاولة بناء إتحاد المغرب العربي.


وقد رأى كثير من المراقبين أن زيارة الجزائر قبل غيرها من بلدان العالم هي رسالة إلى العالم الخارجي مفادها أن تونس دولة مغاربية وهي متمسكة بهذا الإنتماء في عهد هذه الحكومة. وأن الأولوية ستكون خلال المرحلة المقبلة لدعم التعاون مع بلدان المغرب العربي باعتبارها العمق الإستراتيجي للبلاد التونسية وسوقا ضخمة لترويج البضائع التونسية وتنمية الإقتصاد الوطني.

الملف الأمني

ويأتي الملف الأمني في طليعة الملفات التي تدارسها الجانبان التونسي والجزائري خلال هذه الزيارة وخصوصا أوضاع المناطق الحدودية خاصة والبلدان يستعدان للإحتفال بأحداث ساقية سيدي يوسف وهي قرية حدودية تونسية قصفها الطيران الحربي الفرنسي في خمسينيات القرن الماضي وقُتل فيها تونسيون وجزائريون اختطلت دماؤهم بسبب مساندة التونسيين للثورة الجزائرية. وتواجه الجزائر كما تونس خطر الإرهاب وكلاهما بحاجة إلى تدعيم التنسيق الأمني لمواجهة التحديات.
لقد أثبتت التجربة أن التعاون في هذا المجال جد مثمر وفي كل مرة يتم التعاون بين الجيشين التونسي والجزائري يتم إجهاض مخططات التكفيريين ممثلين في الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وقد ضرب الجيشان أروع الأمثلة في التعاون والتنسيق في أحداث الشعانبي التي جدت السنة الماضية والتي واجه فيها الجانبان عناصر هذه التنظيمات وتمكنا من قتل وأسر الكثيرين وضرب البنى التحتية للإرهاب في الأحراج الحدودية. لذلك وصل الجانبان إلى قناعة مفادها ضرورة تدعيم هذا التنسيق، وهو ما عبر عنه السيد عبد المالك سلال رئيس الحكومة الجزائرية بالقول إن أمن تونس من أمن الجزائر وأمن الجزائر من أمن تونس.

الملف الإقتصادي

لقد أثرت سياسات حكومة حركة النهضة سلبا على العلاقات التونسية الجزائرية حتى إن اللجنة العليا المشتركة لم تعقد اجتماعها خلال فترة حكم السيد علي العريض. لذلك فإن البعض اعتبر أن زيارة جمعة هدفها بالأساس إعادة العلاقات الإقتصادية التونسية الجزائرية إلى سالف عهدها وتدعيم ما تم إنجازه سابقا وتفعيل الإتفاقيات المبرمة على غرار الإتفاقية التي يعبر بمقتضاها أنبوب غاز جزائري الأراضي التونسية باتجاه إيطاليا وتنال منه تونس حصة من الغاز الجزائري والتي انتهى مفعولها وتقتضي أن يبرم البلدان اتفاقا جديدا وبشروط جديدة.

زيارة أمنية واقتصادية لرئيس الحكومة التونسية إلى الجزائر

كما تستقطب الجزائر منذ وصول الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم، وإعادته الأمن والإستقرار للبلاد بعد عشرية التسعينيات السوداء، الكثير من المستثمرين من رجال الأعمال التونسيين الذين استقروا بها وحققوا نجاحات لافتة. ويبدو هؤلاء بحاجة إلى إطار تشريعي يدعم وجودهم ويمنحهم امتيازات تؤمنها الإتفاقيات التي أعلن أنها أبرمت بين الطرفين. وبالمقابل فإن تونس تتطلع إلى عودة السياح الجزائريين الذين انقطعوا عن التوافد بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية في الخضراء خلال الفترة الماضية، وبالتالي فإن الجانب التونسي يدفع باتجاه أن تعود وكالات السفر الجزائرية إلى سالف نشاطها بتفضيل الوجهة التونسية عن غيرها من الوجهات السياحية وخاصة أن الجزائر تفتقر إلى بنية تحتية متطورة في المجال السياحي رغم طبيعتها الساحرة.

كما إن الجهود التي بذلها الرئيس بوتفليقة، وزير خارجية بومدين الأسبق في دعم جهود الرباعي الراعي للحوار في تونس من خلال استقبال الغنوشي وقائد السبسي وتقريب وجهات النظر بينهما، تجعل التونسيين ينظرون بعين الرضا إلى أشقائهم الذين توسطوا بالحسنى من دون أن يتدخلوا في الخيارات أو يسعوا إلى دعم طرف على حساب آخر. وطبيعي أن تكون الجزائر هي الوجهة الأولى لرئيس الحكومة التونسية الجديد في وقت يستعد فيه الرئيس بوتفليقة لإعلان ترشحه لولاية رئاسية رابعة.

وللديبلوماسية الجزائرية تاريخ في الوساطات بين فرقاء البلد الواحد أو بين الأمم المتنازعة. فقد نجحت في أكثر من مناسبة في نزع فتيل الأزمات فيما مضى في أكثر من ملف. ويدخل توسط بوتفليقة وهو رئيس الديبلوماسية الجزائرية الأسبق، في الأزمة التونسية في هذا الإطار. لكن ما تجدر الإشارة إليه أن هذه الوساطة لم تكن بالنهاية هي التي أدت إلى التوافق حول شخص السيد المهدي جمعة لرئاسة الحكومة التونسية وإنما جهود الإتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الراعية للحوار.

2014-02-04