ارشيف من :آراء وتحليلات

الأزمة الأوكرانية في الطريق المسدود


الأزمة الأوكرانية في الطريق المسدود

حينما يتحدثون في روسيا عن اوكرانيا، فمن المسلّمات البديهية القول بوجود "اوكرانياتين: شرقية وغربية" و"الفاصل بينهما". "الغرب هو غرب، والشرق هو شرق، ولن يلتقيا ابدا".


وبحسب احصاء سنة 2013، يبلغ عدد سكان اوكرانيا 45.400.000 نسمة. وهي تنقسم الى 24 محافظة (أوبلاست)، ومدينتين ذات استقلال اداري هما كييف وسيباستوبول، بالاضافة الى شبه جزيرة القرم ذات الاستقلال الذاتي. واستنادا الى احصاء سنة 2001 فإن 78% من السكان هم اوكرانيون و17% هم روس. والسكان بأجمعهم تقريبا يتكلمون اللغتين الاوكرانية والروسية. وفي الوقت ذاته فإن اللغة الروسية هي اللغة الام لغالبية السكان (96 الى 66%) في محافظات القرم، دونيتسك، دنيبروبتروفسك، لوغانسك، خاركوف، زابوروجيه، اوديسا ونيقولايفسك. واجمالي عدد السكان في "اوكرانيا ذات اللغة الروسية" يبلغ 19.400.000 نسمة. وبالطبع ان هذه المحافظات هي مرتبطة الى درجة كبيرة بروسيا، جغرافياً، اقتصادياً وثقافياً.

اما اوكرانيا الغربية فهي على الاغلب تتشكل من المحافظات التي حررها الاتحاد السوفياتي سنة 1939. وحتى سنة 1914 كانت تلك المحافظات تدخل ضمن اطار الامبراطورية النمساوية ـ الهنغارية. وخلال الحرب العالمية الثانية، نشأت في هذه المحافظات حركة موالية للمحتلين الالمان، وقاتلت ضد الجيش الاحمر بحجة محاربة "الاحتلال السوفياتي". واستمر الصراع مع هذه الحركة حتى سنة 1954. وهذه المحافظات هي: ما وراء الكاربات، ايفانو ـ فرانكوفسك، لفوفسك، تيرنوبولسك، تشيرنوفيتس، فولينسك، روفنسك. وقد انضمت اليها محافظة خميلنيتسك. ويبلغ عدد سكان المحافظات الغربية الثماني 12 مليون نسمة. والقسم المتبقي من اوكرانيا، وهي 10 محافظات بالاضافة الى مدينة كييف ذات الاستقلال الاداري، ويبلغ عدد سكان هذا القسم 14.000.000 نسمة (بما في ذلك كييف، التي يبلغ عدد سكانها 2.900.000 نسمة). وهذه هي اوكرانيا الوسطى، جغرافياً وكذلك ثقافيا ونفسيا. وهي تضطلع بدور "مركز الثقل" الذي يوازن بين القطبين المتنابذين الشرقي والغربي، ويخلق استقرارا معينا لكل تركيبة الدولة.

وعلى المستوى الثقافي ـ النفساني والاقتصادي، فإن جميع محافظات البلاد هي تعددية بشكل بارز. ولكن على المستوى الحقوقي فإن اوكرانيا هي دولة موحدة، حيث ان جميع حكام المحافظات يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية. والطوق الموحد يضغط على عنق الدولة. ومن السهولة التصور ان الفيديرالية يمكن ان تكون اكثر استقرارا واكثر توازنا. حيث يتم انتخاب برلمان ذي مجلسين، تتمثل فيه جميع المحافظات بشكل متساو في المجلس الاعلى، ويتم انتخاب حكام المحافظات بالانتخابات المباشرة، ويتم وضع ميزانية لا مركزية لكل محافظة.

والان، على خلفية الازمة المستعصية وفشل الحوار بين الرئاسة والمعارضة، يجري الحديث بتواتر حول ضرورة اجراء اصلاح دستوري، والانتقال نحو الفيديرالية. وجميع هذه الموضوعات تثير ردود فعل عميقة في المجتمع الاوكراني. ويرى البعض انه اذا انهارت الدولة، فإن الانتقال الى الفيديرالية سيكون بمثابة مقدمة لانضمام المحافظات الشرقية الى روسيا. بينما يرى البعض الاخر ان الانفصال لن يحدث، لانه لا يمكن ان يحدث بطريقة سلمية كما جرى في تشيكوسلوفاكيا. كما انه لن يحدث بطريقة دموية كما جرى في يوغوسلافيا، لان الميول الوحدوية هي قوية جدا في اوكرانيا. وبقدر ما ان اتجاهات تقوية العلاقات مع روسيا هي قوية، فلا يوجد حزب او تنظيم في شرقي اوكرانيا يمتلك برنامجا يدعو فيه الى الانفصال عن اوكرانيا والانضمام الى الفيدرالية الروسية. كما ان روسيا لا تؤيد مثل هذا الاتجاه. وفي هذا الصدد يقول الرئيس بوتين: "في اوكرانيا لا يوجد سياسيون موالون لاميركا". وفي اوكرانيا لا يوجد سياسيون موالون لروسيا". "في اوكرانيا يوجد سياسيون اوكرانيون".


الأزمة الأوكرانية في الطريق المسدود

وقد دعا الكرملين الولايات المتحدة الاميركية لوقف الابتزاز السياسي لاوكرانيا ووقف تمويل "المتمردين"، في الوقت الذي تقوم فيه الدبلوماسية الاميركية فيكتوريا نولاند بزيارة كييف من جديد في محاولة لايجاد مخرج من الازمة. وفي تصريح ادلى به سيرغيي غلازييف مستشار الرئيس الروسي الى جريدة "كومرسانت اوكرانيا" قال: "على الغرب ان يتوقف عن الابتزاز والتهويل". واعطى مثالا على ذلك اللقاء الذي اجرته نولاند في كانون الاول الماضي مع الاوليغارشيين الاوكرانيين. واضاف ان الاميركيين ينفقون "20 مليون دولار اسبوعيا لتمويل المعارضة والمتمردين، بما في ذلك التسليح".

وتابع غلازييف قوله ان السلطة الاوكرانية ترتكب خطأ بتأجيلها تنفيذ حل بالقوة للازمة في البلاد، واذا لم يتفرق "الميدان" (ساحة تجمع المتمردين) من ذاته، فإن القمع بالقوة يصبح لا مفر منه.

وفي عداد صلاحيات غلازييف تدخل مسائل "التقارب بين اوكرانيا وروسيا". وقد ادلى بتصريح الى جريدة "كومرسانت" الروسية تحدث فيه بلهجة حادة عن احتمالات تقسيم اوكرانيا، ودافع عن فكرة "الفيديرالية العميقة والتقارب بين القسم الشرقي من البلاد" مع الاتحاد الجمركي الذي تقوده روسيا (ويضم بيلاروسيا وكازاخستان).

وكرر اتهام اميركا بالتدخل في الشؤون الداخلية الاوكرانية وتمويل المتمردين. واعلن ان روسيا سوف تتخذ اجراءات مضادة، ولكنه لم يحدد ما هي. واضاف انه "توجد معلومات انه يتم إمرار تعليمات للمقاتلين من قبل السفارة الاميركية، كما يتم تسليحهم. وهذا طبعا غير مقبول وينبغي ان يتوقف". وقال ان السفير الاميركي جفري بايات يحاول ان "يظهر الجريمة بمظهر انتصار للديمقراطية، ويغطي الارتكابات الجماهيرية المضادة للقانون بالجمل المنمقة حول حقوق الانسان". و"اكثر ما يثير العجب ان السفير اعلن بثقة ان اوكرانيا سوف توقع اتفاق المشاركة مع الاتحاد الاوروبي، وكأنما هو، لا القيادة الاوكرانية، من يقرر هذه المسألة. والقيادة الاوكرانية قررت عدم توقيع هذا الاتفاق غير الطبيعي، لانه يؤدي الى الكارثة". وحسب رأي غلازييف فإنه تجري في اوكرانيا محاولة للقيام بانقلاب واسقاط السلطة بالقوة عن طريق الاستيلاء على مباني الدولة ومهاجمة القصر الرئاسي.

واضاف "ان الغرب يطلق تسمية "نشطاء" على الارهابيين والانقلابيين، ويحاول وصفهم بأنهم متظاهرون سلميون، مع انه من الواضح كيف يهاجمون رجال الشرطة، وكيف يحضرون قنابل المولوتوف والنابالم، وكيف يتسلحون. ويدعون على المكشوف الى اسقاط السلطة، التي لا تقوم بواجباتها للدفاع عن مؤسسات الدولة، بل تقوم بالتحادث معهم وكأنهم مواطنون يحافظون على القانون".

وقال غلازييف ان حالة الانفصام في اوكرانيا، وعدم رغبة طرفي النزاع في التوصل الى تفاهم قبل وقوع الكارثة، انما تعود جزئيا الى ان السلطة تخشى من ان الغرب ولا سيما اميركا سوف يضع افراد عائلة الرئيس يانوكوفيتش والاوليغارشيين على اللائحة السوداء ويجري تجميد اموالهم وحساباتهم ومصادرة ممتلكاتهم. "واكثر من ذلك انهم هددوه (اي يانوكوفيتش) بتقديمه الى المحكمة الدولية في لاهاي. ان السلطات ترتعش لاجل ملياراتها، وهي تحاول ان تصمد بدون ان تخسر شيئا، وهذا ما يزيد العلة".

ورداً عن سؤال حول كيفية الخروج من هذا الانفصام، اقترح غلازييف ثلاث خطوات: اولا التعامل مع الاحتجاجات بأنها محاولة انقلاب، ثم ان يمتنع الغرب عن ابتزاز السلطة الاوكرانية، واخيرا قبول اقتراح موسكو بتشكيل هيئة ثلاثية "اوكرانيا ـ روسيا ـ الاتحاد الاوروبي" للبحث في اشكال التعاون التجاري ـ الاقتصادي مع اوكرانيا.

وأكد مستشار بوتين انه في اللقاء الاخير بين الاتحاد الاوروبي وروسيا تم التوصل الى اتفاق مع الرئيس بوتين لتشكيل مثل هذه الهيئة، ولكن اميركا كانت تراهن على قلب السلطة الاوكرانية بالقوة.

وقال ان يانوكوفيتش يعمل المستطاع لاجل تجنب الحرب الاهلية وتقسيم البلاد، اما خصومه فيقومون فقط بالاستفزازات، والاقاليم الغربية تسير نحو الانفصال ورفض شرعية السلطة المركزية. "انهم لم يعودوا يخضعون لاوكرانيا، ويوجدون في حالة تمرد. ولهذا فهم انفصاليون". وحسب رأيه انه ليس من مصلحة روسيا ان تنقسم اوكرانيا الى دولتين، ولكنه اصبح من الواضح ضرورة تحقيق الفيديرالية، التي تتمتع فيها المحافظات بميزانيات مستقلة واستقلال ذاتي موسع.

وحول موقف روسيا فيما اذا سارت الامور نحو الاسوأ في اوكرانيا، اجاب غلازييف ان روسيا في كل الحالات تلتزم بوحدة وسيادة اوكرانيا، في حين ان اميركا تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

وفي يتعلق بتصريحات مستشار الرئيس الروسي ادلت الناطقة باسم البيت الابيض بتصريح جاء فيه ان اميركا تقوم بالعمل مع الحكومة والمعارضة لاجل التخفيف من الازمة. واضافت لورا لوكاس ماغنوسون "نحن ندين استخدام القوة من قبل اي طرف في اوكرانيا. وروسيا لا يجب ان تنظر الى ارادة الشعب الاوكراني نحو مزيد من الديمقراطية والتقارب مع اوروبا فقط من ضمن لعبة الربح والخسارة".


 
2014-02-12