ارشيف من :آراء وتحليلات

حكومة سلام الافتراضية والصراع على دور الجيش

حكومة سلام الافتراضية والصراع على دور الجيش

تواجه "حكومة سلام الافتراضية " مخاضا عسيرا، وهي أمام ولادة قيصرية قد تؤدي الى "مولود ميت". حددت مواعيد ولاحت فرص لتشكيل حكومة سياسية جامعة ومن ثم تبددت. وسبب ھذا التعثر غير مفھوم وينطوي على لغز محيّر أو قطبة إقليمية مخفية او ازدواجية في المواقف والمصالح...

تشير الوقائع الى وجود اندفاعة خارجية باتجاه الاسراع في تشكيل الحكومة للحفاظ على الاستقرار في لبنان وتحييده عن الأزمة السورية،لكن عدم وجود "جھوزية داخلية" أدى الى توقف عملية الحكومة عند "شيطان التفاصيل".
فبعد ان صدر عن الرئيس سعد الحريري موافقة للمشاركة في حكومة يتمثل فيھا حزب لله، برزت مواقف تعجيزية من "صقور" تيار "المستقبل" ولا سيما منھم الرئيس فؤاد السنيورة، ما عرقل عملية التشكيل.

لذلك تتساءل أوساط سياسية قريبة من 8 اذار عن أسباب التشدد بفرض المداورة : اذا كانت النوايا جدية، فھذه الحكومة مجرد جسر للعبور الى الاستحقاق الرئاسي وعمرھا الافتراضي بضعة أشھر، ما يفترض تسھيلا لمسألة توزيع الحقائب، خصوصا من قبل رئيس الجمھورية ميشال سليمان الذي يجب أن يكون مقتنعا بأنه وصل الى نھاية عھده ولا طائل من الدخول في "بازار" تقاسم الحقائب مع الطرف المسيحي الآخر.

لذلك الأنظار تتجه الى مرحلة "ما بعد حكومة سلام" في ظل قناعة سياسية تترسخ بأن ھذه الحكومة ستولد ميتة ولن تكون قابلة للحياة وستسقط سريعا، لينفتح الباب مجددا على استشارات تكليف جديدة : ھل يعاد تكليف سلام مجددا ؟! أم يعود الرئيس نجيب ميقاتي الى الأضواء ؟! أم أنھا بداية العد العكسي لعودة الرئيس سعد الحريري... عودة يرغب بھا الحريري ولكنھا غير ممكنة من دون تسوية كبيرة...

حكومة سلام الافتراضية والصراع على دور الجيش

بموازاة بازار تشكيل الحكومة، يواجه لبنان تحديات امنية خطيرة قد تسرع تشكيلها ومن الممكن ان تطيح بها، ومنها :

1 - ذكرت تقارير امنية ان مخيم عين الحلوة اصبح "مطبخ المخططات الأصولية". وأنه عرضة لزجه في مشكلة داخلية مع تحوله الى بؤرة إرھابية خصوصا بعد اعترافات الشيخ عمر الأطرش الذي اعترف بتردده الى داخل المخيم وعلاقاته فيه، وبعد أن تردد أن بعض السيارات المفخخة قد خرجت منه، ھذا عدا عما يتردد عن احتضان بعض أحيائه عناصر ومجموعات تابعة لـ"جبھة النصرة" و"القاعدة" و"فتح الإسلام". ويقول مسؤول في اللجان الشعبية إن المخيم بات أشبه بـ "الجمر تحت الرماد" وقد ينفجر في أي وقت رغم الخطوات الاستباقية التي تقوم بھا مختلف القوى الفلسطينية.

وهذا ما دفع مراجع أمنية الى التأكيد أن حملة الجيش ضد الإرھاب ستستمر وعلى وتيرة متصاعدة، لافتة الى أنه بعد توقيف عمر الأطرش وقبله جمال دفتردار، تم توقيف أكثر من 30 مشتبھا بھم اتضح أنھم ينتمون الى "داعش" و"جبھة النصرة"و"كتائب عبدلله عزام" ومنھم من يحمل جنسيات أجنبية مثل الدانماركية والبلجيكية والألمانية والفرنسية، وكل ھؤلاءينسقون مع غيرھم من المشتبه بھم العرب، مع تنظيم "القاعدة" الذي يرسخ أقدامه تدريجا في الساحة اللبنانية.

وتتحدث المراجع الأمنية عن بعض الصعوبات التي تواجه عمل الأجھزة المعنية أبرزھا تمدد ھؤلاء الإرھابيين في عدد من البلدات اللبنانية التي شكلت "بيئة حاضنة" لھم، على الرغم من أن ھذا الأمر أحدث انقساما داخل ھذه البلدات بين فريق يدعو الى "احتضان" ھؤلاء المقاتلين وبين فريق يعمل على إبعادھم طوعا، أو تسھيل مھمة الجيش في اعتقالھم. إلا أن المراجع نفسھا تقر بتنامي نفوذ السلفيين في عدد من البلدات اللبنانية في البقاع والشمال، ما جعل قدرة المرجعيات المحلية على مواجھتھم تتراجع تدريجا.

ودعت المراجع الأمنية الى التعامل بجدية مع التھديدات التي تصدر عن المنظمات الإرھابية لا سيما منھا "داعش"و"جبھة النصرة"، لأن المعلومات التي تم جمعھا من الموقوفين أظھرت وجود مخطط لتوسيع نطاق العمليات الانتحارية، وأن إفادات الموقوفين تحدثت عن تنسيق كامل بين "داعش" و "النصرة" و "كتائب عبدلله عزام" في ما خص تحركھا داخل الأراضي اللبنانية، وتوسيع رقعة الاعتداءات الإرھابية الى الجنوب.

2 - تعثر "جنيف 2"، رفع منسوب التصعيد الأمني، ويتوقع اللبنانيون أن تكون مدنھم وقراھم القريبة من خطوط التماس والبعيدة عنھا، ميدانا لتداعيات ھذا التصعيد، لا سيما عندما تحتدم المواجھات في مناطق قريبة من الحدود اللبنانية ـ السورية في البقاع والشمال على حد سواء، إضافة الى ما يسببه اتساع رقعة القتال من نزوح سوري الى الداخل اللبناني.

3 – الصراع على المؤسسة العسكرية : تتحضّر إيطاليا لعقد مؤتمر دولي لدعم الجيش في روما بعد ثلاثة أشھر، وتتحضّر فرنسا بدورھا لعقد اجتماع ثان متفرع من "مجموعة الدعم الدولية للبنان" يعقد في باريس مطلع آذار يستكمل مداولات اجتماع "مجموعة الدعم" في نيويورك في 25 أيلول 2013.
بعد زيارتي عمل الى فرنسا والسعودية، يزور قائد الجيش العماد جان قھوجي روما قريبا للاتفاق مع الجانب الإيطالي على قضايا لوجستية تخص الجيش.

لذلك برزت تجاذبات حول من يتولى الوزارات الامنية. وقد ذكرت مصادر أن عقدة الاسم الذي سيتولى وزارة الداخلية تدرجت من النقيب السابق للمحامين رشيد درباس الى اللواء عمر زين سفير لبنان لدى المملكة العربية السعودية، إلى النائب سمير الجسر، وصولاً الى النائب أحمد فتفت، إلى أن حمل آخر الطروحات اللواء أشرف ريفي مقابل رفع "الفيتو" عن بقاء الوزير جبران باسيل في وزارة الطاقة.

وقد رفضت 8 اذار ان تكون حقيبتا الداخلية والدفاع في عھدة قوى 14 آذار، خصوصاً في ظل الظروف التي تشھدھا المنطقة ولبنان. ومع بروز مساع ليكون دور الجيش في مواجهة المقاومة بدلا من ان يتابع دوره الفعال في مواجهاته الناجحة ضد الارهاب.

باختصار يواجه تشكيل الحكومة سباقا بين التسوية او الاحتواء من جهة والتصعيد الامني من جهة اخرى. وفي كل الحالات الصراع الخفي هو حول دور الجيش ومن يقبض على قراره. وقد اكد مؤخرا قائد الجيش ان المعركة ضد الارهاب مستمرة.
فهل يترك له الخيار ام ان الهبات والمساعدات والتشكيلات تعمل لتغيير المسار ؟ وفي كل الحالات 8 اذار بالمرصاد وكل انحراف سوف يواجه بالتمرد لا بالانتظار.
2014-02-13