ارشيف من :آراء وتحليلات

المقاوم نقيض التطرف

المقاوم نقيض التطرف

المقاوم يواجه فعل تعدٍّ أخلاقي على حقوقه، فعل المقاومة هو تقويم الأود وتصحيح الخلل ورفع الظلم. فهو ليس فعلاً ابتدائياً ولكن رد فعل، يقاوم شيئاً خرج عن طريق الحق والعدل، ولو لم يخرج عن الطريق لما كانت هناك عملية المقاومة. المتطرف، في المقلب الآخر، هو الذي انزاح عن جادة العدل والاتزان في سلوكه وتفكيره وتعدى على الآخرين في حرياتهم وحياتهم.

نشأت المقاومة في لبنان كنقيض حياتي ووجودي للتطرف الصهيوني، فهي فعل حياة وجهد تقويم لما انفلت من العدوانية الصهيونية على الأرض اللبنانية. المقاومة كانت فعل الإنسان اللبناني العادي الذي رأى تفاقم التعدي الصهيوني على حقوقه فانبرى ليقاوم ويقوِّم. المقاوم هو إنسان حي الروح رفض الحياد والجلوس على الأرصفة وانتظار القدر أو انتظار الرابحين من المعارك.

المقاوم هو الذي يمثل روح مجتمعه والعرق النابض في شعبه، وصاحب البصيرة المتحركة والفاعلة في التاريخ، وهو الأكثر معرفة بمصلحة شعبه، لأنه كافح لأجلها، وسهر طوال السنين يفكر فيها، أما القاعدون والخائفون والعاجزون فكانوا أخبر منه بالتأكيد في كيفية حماية أنفسهم وتحصيل مصالحهم الشخصية.

المقاوم نقيض التطرف

المقاوم هو الذي بتضحيته بنفسه، يستطيع أن يتنازل لنظرائه في الوطن عن مكتسبات كثيرة، ولطالما فعل، لأجل مصلحة الجميع، وبإنكاره لذاته الذي تعلمه في ميدان المواجهة مع العدو الطامع، يستطيع أن يتغاضى عن إسفافهم وحتى فهمهم الخاطئ النابع من دونيتهم الأخلاقية وفردانيتهم الشخصية والسياسية، بحيث لم يتمكنوا في تحمل استعداده للتضحية الفردية والسياسية، لتأخرهم عنه في التضحية والمبادرة وشعورهم بالعجز أمام فعاليته. في نفس لحظة هذا التغاضي يقوم المقاوم بدور الأب القائد الذي يحمي شعبه من المخاطر حتى تلك التي يرفض الصغار العاجزون الإعتراف بها، خوفاً من تزايد فعالية المقاوم وتأثيره، وتفاقم مشهد عجزهم وانهيارهم.

المقاوم هو الذي نظر إليه القاعدون والعاجزون دوماً على أنه مشروع فئوي تغلبي وهو من اتهمه حاملو السيجار بأنه لم يراعِ ثقافتهم التي حملوها كرداء يغطي تنكبهم عن المسؤولية الوطنية تجاه محاربة التطرف، وهو الذي استعان العاجزون أمام المسؤولية الوطنية بالتطرف لإضعافه، وهو يدافع عنهم وعن مستقبل أولادهم. المقاوم هو الذي سعى العاجزون المتحالفون مع التطرف إلى جعله فزاعة في المخيلة من خلال مؤسسة التضليل المسخرة لهم بمال غيرهم، لأنه لم يمارس الذئبية في الواقع، وأفقدهم الذريعة لعزله ومحاصرة فعل دفاعه عنهم. المقاوم الذي قاتل الصهيوني سابقاً والتكفيري لاحقاً لتطرفهما وحيداً، وأوداجه تشخب من دمائه وسط بحر المؤامرات، اضطر العاجزين إلى إعطاء جمهورهم صفة المظلومية والعجز، وألبسوه خصائصهم التي لم تكن فيه يوماً.  

لا يمكن للمقاوم إلا أن يكون عدواً وجودياً للتكفيري كما كان للصهيوني، ولا يمكن له إلا أن يواجه المد الهمجي رغم تعجب واستغراب الجميع، وإنكارهم عليه إمكانية التغيير، كما كانوا دوماً، ورغم سيول التحريض والتضليل والتزوير التي تحاصر كل خطوة يقوم بها، إلا أنه كما ثبت في مواجهة الصهيونية وحيداً، هو أثبت اليوم في مواجهة التكفيري، ذلك أن العداء وجودي، فهو نقيضهما الذي لا يتخلف، ولا يمكن أن يتخلف.

بالمقابل، من الطبيعي والمفهوم ببساطة قيام التحالف الوجودي بين التطرفين الصهيوني والتكفيري، شاهد الممارسات الميدانية الإجرامية، نفسها، لاحظ خطاب الغوييم وخطاب التكفير، هو نفسه، راقب الشعور بالاختيار الإلهي مقابل الآخرين، هو ذاته، أما وحدة الأعداء ووحدة الأصدقاء فهي الدليل السياسي والواقعي على هذا التحالف الضمني. ولذا من الطبيعي والمفهوم ببساطة أن تكون المقاومة في مواجهة التطرف، بدون كثير تفكير أو سؤال، وهذه المرة قامت بتضحية أعلى وأسمى من التضحية في مواجهة العدو الصهيوني، خرج المقاوم من لبنان إلى سوريا، الدولة المجاورة، لكي يستبق التهديد ويبذل دمه في أرض بعيدة عن تراب بلاده حماية لأهلها.
2014-02-13