ارشيف من :آراء وتحليلات

هل أجهضت الحكومة انقلابا في ليبيا؟

هل أجهضت الحكومة انقلابا في ليبيا؟

مثّل إحباط عملية الانقلاب "المزعومة"، والتي قيل بشأنها إن أكثر من ثلاثين ضابطا من الجيش الليبي خططوا للانقلاب على المؤتمر الوطني والحكومة وتشكيل مجلس لحماية الثورة يقود البلاد إلى الانتخابات القادمة، الحدث الأبرز على الساحة الليبية الملتهبة. فقد اختلفت التقييمات بشأن هذه الحادثة وتضاربت الآراء إلى الحد الذي جعل البعض يشكك أصلا في العملية برمتها ويعتبرها إحدى فبركات حكام ليبيا الجدد، أي المؤتمر الوطني، والحكومة المنبثقة عنه لمزيد إحكام قبضتهم على ليبيا.

فالسعي لاستتباب الأمن يصبح أولوية للمؤتمر الوطني العام ولحكومة زيدان، وذريعة تجعل جماعة الحكم يُحكمون قبضتهم على الشارع الليبي المنتفض عليهم بسبب التمديد لأنفسهم. وحجة أصحاب هذا الرأي أن ليبيا لا تمتلك في الوقت الراهن جيشا حقيقيا قادرا على الانقلاب على السلطة الحاكمة فهو حديث التكوين يضم على غرار الجيش المكسيكي عددا مهولا من الضباط أصحاب الرتب السامية أغلبهم من "كبار القوم" في قبائلهم، وقلة قليلة من الجنود لا حول لهم ولا قوة أمام "جماعات الثوار" التابعين للسياسيين والمشاركين في الحكم.

مطالبة بالإصلاح


لذلك، وبحسب أصحاب هذا الرأي، فإن اجتماع الضباط الذي تم والذي صور على أنه عملية انقلاب فاشلة، لا يعدو أن يكون لقاء عاديا لإصدار بيان يطالب بالإصلاح داخل "المؤسسة العسكرية" حديثة التكوين ليكون الجيش قادرا على حماية البلاد وخير ضامن لاستمرار الدولة الليبية. فالمطالبة بالإصلاح باتت شأنا وطنيا يهم الليبيين خاصة وأن جميع مؤسسات الدولة الموروثة عن القذافي وحقبته التي امتدت لأكثر من أربعين عاما بحاجة لعملية إصلاح شاملة تدفع باتجاه بناء بلد على أسس متينة تحكمه المؤسسات ولا يتأثر برحيل هذا الشخص أو ذاك.

ومن بين مطالب الضباط المجتمعين، بحسب البعض، جمع السلاح المنتشر في شتى أنحاء البلاد وبأيدي عناصر الميليشيات المتناحرة وجعله بيد الجيش وحده دون سواه حتى يتمكن من الحفاظ على الأمن الذي لن يتحقق شيء ذال بال في عملية البناء من دون استتبابه. كما يطالب العسكريون بإطار تشريعي يجعل مؤسستهم جمهورية ولاؤها فقط للوطن وليس للقبيلة أو الأفراد مهما علا شأنهم، وهو ما سيضمن لاحقا عدم تفكك هذا الجيش الذي تنتظره تحديات بالجملة خلال المرحلة القادمة التي يراها مراقبون "شديدة الصعوبة".

هل أجهضت الحكومة انقلابا في ليبيا؟

السيناريو المصري

في المقابل يصر آخرون على أن هناك انقلابا فعليا كان سيحصل في ليبيا في إطار الصراع على مراكز النفوذ في البلاد، ويحرك هذا الانقلاب بعض من أقصتهم العملية السياسية، وخصوصا قانون العزل السياسي الذي أطاح بالكثيرين، عن المشاركة في إدارة الشأن العام. ويؤكد أصحاب هذا الرأي على أن هذه الجهات كانت ستدعم ضباط الجيش المنقلبين بمسلحيها من عناصر الميليشيات الذين كانوا مستعدين لسد الثغرة المتمثلة في عجز الجيش الليبي عن إنجاز المهمة بصورة منفردة، ولا تعدو عملية الاستعانة بالقوات المسلحة الرسمية إلا عملية إضفاء للشرعية على عملية التغيير ولكي لا يبدو الأمر وكأنه صراع بين ميليشيات متناحرة على السلطة واقتسام "كعكة الحكم".

كما يستحضر البعض في الأذهان السيناريو المصري الذي ترى بعض الجهات فيه طريقا للخلاص، بعد حالة اليأس التي وصل إليها الليبيون نتيجة لعدم إيفاء حكامهم المنتخبين بتعهداتهم، رغم أن الفارق بين الحالتين واضح وجلي. ففي مصر مؤسسة عسكرية قوية وعريقة قادرة على ضبط الأمور وإدارة "اللعبة السياسية" والمحافظة على استمرار الدولة، في حين أن الجيش الليبي حديث التكوين وهش وإذا دخل في مغامرة من هذا القبيل فإنه سيفشل حتما ويتفكك وستعود البلاد إلى الحكم القبلي ويندثر الحكم المركزي في طرابلس الغرب وهو الذي يواجه في الوقت الراهن صعوبات من هذا القبيل تهدد استمراره. لذلك فإن جل الخبراء والمحللين يؤكدون على أن ليبيا مقبلة على أشهر عجاف وأيام صعبة، رغم فشل الانقلاب، باعتبار الرفض الشعبي لتمديد المؤتمر الوطني العام لمدته النيابية وإصراره على عدم التراجع عن ذلك.
2014-02-13