ارشيف من :نقاط على الحروف
ليبراسيون... الصفحة الأخيرة
ميساء ابراهيم
في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي احتفلت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية بعامها الأربعين.. للمناسبة صدر كتاب يحكي تاريخ ومراحل واحدة من أعرق الصحف في فرنسا، منذ تأسيسها على يد الفيلسوف جان بول سارتر في عام 1973 وما أحدثته من ثورة في عالم الصحافة المكتوبة لجهة الشكل والمضمون وبشكل لافت لجهة الصورة.
اليوم يكتب فصل جديد في تاريخ هذه الصحيفة. عنوانه صراع بين مستثمرين ومتمولين يريدون إنقاذ "الشركة"، وكتاب ومراسلين ومحررين يريدون إنقاذ "الصحيفة"، أي بين طرفين ينظر واحد منهما إلى "ليبراسيون" بميزان الربح والخسارة فيما يعتبرها الآخر جزءاً لا يتجزأ من المجتمع ومساراً ثقافياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً مشاركاً في صناعة الرأي العام.
يقول أصحاب فكرة تحويل الصحيفة إلى شبكة اجتماعية وفضاء ثقافي "إن فكرتهم هي الوحيدة القادرة على انتشال الصحيفة، التي لم تعد تملك قدرة التأثير نفسها، من واقعها المأزوم" وفي حال تم رفضها فإن "لا مستقبل لـ"ليبراسيون"".
يردّ كتاب عريقون فيها من أمثال روبير ماغيوري على هؤلاء بأنه "من خلال إنقاذ الصحيفة ووضع كل الطاقات في مشروع تحريري وسياسي يعيد للصحيفة روحها وبريقها وتأثيرها، ينقذون شركتهم".
لعلّ أزمة الصحيفة "اليسارية" التي لم تعد تشبه اليسار كثيراً، تندرج في سياق أزمة الصحافة الفرنسية والصحافة المكتوبة عموماً، لكن لا يختلف اثنان على أن لـ"ليبه Libé" كما يطلق عليها رمزية كبيرة. فكان أن جاء تحرك الموظفين فيها تصاعدياً ليتحول عنوان صفحتها الأولى يوم السبت الماضي "نحن صحيفة"Nous sommes un Journal" إلى حملة احتلت مكاناً لها في عالم التواصل الاجتماعي بين فايسبوك وتويتر.
ما بدا من خلال الأيام الماضية أن الأمر يتعدى أزمة مالية يمكن أن تحلّ باستقالة مدير الصحيفة نيكولا ديموران وانتقاله إلى "لوموند" "تسهيلاً للحوار الذي يمكن أن يخرج الصحيفة من محنتها" كما قال. ما يجري اليوم هو أزمة ثقة بين "ليبراسيون وقرائها".
حقيقة لا تعكسها فقط الأرقام التي يتسلّح بها الممولون لتسويق مشروعهم الجديد والتي تشير إلى تراجع في المبيعات بنسبة 15% خلال العام الماضي، بل حجم ومضمون التفاعل الشعبي والنخبوي مع الحملة التي أطلقها صحافيو "ليبراسيون" عبر صفحة "الفايسبوك" الخاصة بالحملة والتي بلغ تعداد المشاركين فيها 5 آلاف شخص.
تعليقات وإن أتت بمجملها داعمة لتحرك الصحافيين وساخرة من فكرة تحويل الصحيفة إلى "مقهى أو مطعم"!! إلا أنها لم تخل من انتقادات للسياسة التحريرية ودعوات تطالب بعودة "ليبراسيون" إلى المكان الذي تنتمي إليه يساراً.
أحد المشاركين يقول "شخصياً أريد صحيفة أكثر يساراً، تعالج القضايا التي تهز العالم حالياً. أريد صحيفة تركز أكثر على القضايا الوجودية دون أن تضع المشاكل السياسية جانباً بالتأكيد".
تعليق آخر في السياق نفسه لكنه أكثر حدة، يتضمن كلمات "نابية" ربما تعبر عن غضب صاحبها الذي طالب الموظفين بالتالي "اشتروا الصحيفة، بيعوا المبنى للحصول على رأسمال، وعودوا يساريين".
تعليقات النخبة الفرنسية لم تكن أقل حدّة. رينيه فرينيي روائي فرنسي، يقول "مضى ثلاثون عاماً وأنا أكتب، لم أحظ قط بسطر دعم واحد... لم يعد بوسعي أن أشتري "ليبه".. الباريسية والفساد التهماها.. ليس هي فقط".
تعليقات أخرى حاولت توصيف المشكلة واقتراح الحلول لها. بالنسبة لفيليب غافي، أحد مؤسسي "ليبراسيون" فإن "هذه الصحيفة التي طبعت مهنتنا وبلدنا سرعان ما ابتعدت عمّا شكّل الـ""ADN الخاص بها. عاماً بعد عام ومع رحيل مؤسسيها أصبحت فقيرة، انحرفت عن مسارها، ونسيت جذورها وما منحها فرادتها ونفوذها".
ماذا عن الحلول؟
هناك الكثير الذي يجب مراجعته وإعادة النظر فيه. يرسم غافي في تعليقه على "فايسبوك" ما يشبه خارطة طريق لاستعادة الصحيفة أمجادها. بدءاً باستكشاف الحدث وتفسيره تمهيداً لإعادة صياغته ضمن قالبها الخاص، فهم المعادلات الجديدة، وصولاً إلى تقليص مقالات الرأي والتحليل لصالح الاهتمام بالظواهر الاجتماعية والمواضيع التي تهم الجماهير.
قبل فترة أطلق مسلح النار داخل مكاتب "ليبراسيون"، ساعات قليلة وخرجت الصحيفة لتعلن نجاتها من "قطوع" خطير فيما أصيب أحد موظفيها بجروح بليغة...
اليوم يتهددها خطر من نوع آخر نتيجته موت من نوع آخر.. ومن يدري ما إذا كانت الأيام السوداء التي تعيشها "ليبراسيون" ستنتهي بكتابة الفصل الأخير في تاريخها.
في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي احتفلت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية بعامها الأربعين.. للمناسبة صدر كتاب يحكي تاريخ ومراحل واحدة من أعرق الصحف في فرنسا، منذ تأسيسها على يد الفيلسوف جان بول سارتر في عام 1973 وما أحدثته من ثورة في عالم الصحافة المكتوبة لجهة الشكل والمضمون وبشكل لافت لجهة الصورة.
اليوم يكتب فصل جديد في تاريخ هذه الصحيفة. عنوانه صراع بين مستثمرين ومتمولين يريدون إنقاذ "الشركة"، وكتاب ومراسلين ومحررين يريدون إنقاذ "الصحيفة"، أي بين طرفين ينظر واحد منهما إلى "ليبراسيون" بميزان الربح والخسارة فيما يعتبرها الآخر جزءاً لا يتجزأ من المجتمع ومساراً ثقافياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً مشاركاً في صناعة الرأي العام.
يقول أصحاب فكرة تحويل الصحيفة إلى شبكة اجتماعية وفضاء ثقافي "إن فكرتهم هي الوحيدة القادرة على انتشال الصحيفة، التي لم تعد تملك قدرة التأثير نفسها، من واقعها المأزوم" وفي حال تم رفضها فإن "لا مستقبل لـ"ليبراسيون"".
يردّ كتاب عريقون فيها من أمثال روبير ماغيوري على هؤلاء بأنه "من خلال إنقاذ الصحيفة ووضع كل الطاقات في مشروع تحريري وسياسي يعيد للصحيفة روحها وبريقها وتأثيرها، ينقذون شركتهم".
لعلّ أزمة الصحيفة "اليسارية" التي لم تعد تشبه اليسار كثيراً، تندرج في سياق أزمة الصحافة الفرنسية والصحافة المكتوبة عموماً، لكن لا يختلف اثنان على أن لـ"ليبه Libé" كما يطلق عليها رمزية كبيرة. فكان أن جاء تحرك الموظفين فيها تصاعدياً ليتحول عنوان صفحتها الأولى يوم السبت الماضي "نحن صحيفة"Nous sommes un Journal" إلى حملة احتلت مكاناً لها في عالم التواصل الاجتماعي بين فايسبوك وتويتر.
ما بدا من خلال الأيام الماضية أن الأمر يتعدى أزمة مالية يمكن أن تحلّ باستقالة مدير الصحيفة نيكولا ديموران وانتقاله إلى "لوموند" "تسهيلاً للحوار الذي يمكن أن يخرج الصحيفة من محنتها" كما قال. ما يجري اليوم هو أزمة ثقة بين "ليبراسيون وقرائها".
حقيقة لا تعكسها فقط الأرقام التي يتسلّح بها الممولون لتسويق مشروعهم الجديد والتي تشير إلى تراجع في المبيعات بنسبة 15% خلال العام الماضي، بل حجم ومضمون التفاعل الشعبي والنخبوي مع الحملة التي أطلقها صحافيو "ليبراسيون" عبر صفحة "الفايسبوك" الخاصة بالحملة والتي بلغ تعداد المشاركين فيها 5 آلاف شخص.
تعليقات وإن أتت بمجملها داعمة لتحرك الصحافيين وساخرة من فكرة تحويل الصحيفة إلى "مقهى أو مطعم"!! إلا أنها لم تخل من انتقادات للسياسة التحريرية ودعوات تطالب بعودة "ليبراسيون" إلى المكان الذي تنتمي إليه يساراً.
أحد المشاركين يقول "شخصياً أريد صحيفة أكثر يساراً، تعالج القضايا التي تهز العالم حالياً. أريد صحيفة تركز أكثر على القضايا الوجودية دون أن تضع المشاكل السياسية جانباً بالتأكيد".
تعليق آخر في السياق نفسه لكنه أكثر حدة، يتضمن كلمات "نابية" ربما تعبر عن غضب صاحبها الذي طالب الموظفين بالتالي "اشتروا الصحيفة، بيعوا المبنى للحصول على رأسمال، وعودوا يساريين".
تعليقات النخبة الفرنسية لم تكن أقل حدّة. رينيه فرينيي روائي فرنسي، يقول "مضى ثلاثون عاماً وأنا أكتب، لم أحظ قط بسطر دعم واحد... لم يعد بوسعي أن أشتري "ليبه".. الباريسية والفساد التهماها.. ليس هي فقط".
تعليقات أخرى حاولت توصيف المشكلة واقتراح الحلول لها. بالنسبة لفيليب غافي، أحد مؤسسي "ليبراسيون" فإن "هذه الصحيفة التي طبعت مهنتنا وبلدنا سرعان ما ابتعدت عمّا شكّل الـ""ADN الخاص بها. عاماً بعد عام ومع رحيل مؤسسيها أصبحت فقيرة، انحرفت عن مسارها، ونسيت جذورها وما منحها فرادتها ونفوذها".
ماذا عن الحلول؟
هناك الكثير الذي يجب مراجعته وإعادة النظر فيه. يرسم غافي في تعليقه على "فايسبوك" ما يشبه خارطة طريق لاستعادة الصحيفة أمجادها. بدءاً باستكشاف الحدث وتفسيره تمهيداً لإعادة صياغته ضمن قالبها الخاص، فهم المعادلات الجديدة، وصولاً إلى تقليص مقالات الرأي والتحليل لصالح الاهتمام بالظواهر الاجتماعية والمواضيع التي تهم الجماهير.
قبل فترة أطلق مسلح النار داخل مكاتب "ليبراسيون"، ساعات قليلة وخرجت الصحيفة لتعلن نجاتها من "قطوع" خطير فيما أصيب أحد موظفيها بجروح بليغة...
اليوم يتهددها خطر من نوع آخر نتيجته موت من نوع آخر.. ومن يدري ما إذا كانت الأيام السوداء التي تعيشها "ليبراسيون" ستنتهي بكتابة الفصل الأخير في تاريخها.