ارشيف من :آراء وتحليلات

الحرب المقبلة كما تراها ’تل ابيب’: دمار وخسائر تمنع ’اسرائيل’ عن شنها

الحرب المقبلة كما تراها ’تل ابيب’: دمار وخسائر تمنع ’اسرائيل’ عن شنها
يتبارى المسؤولون العسكريون "الاسرائيليون"، في هذه المرحلة، في توصيف التهديدات والاخطار، التكتيكية والاستراتيجية، بناء على متغيرات وميزان القوى في ساحات المواجهة، القريبة والبعيدة. اكثر من مسؤول سياسي وعسكري، اطل على الجمهور الاسرائيلي، بمواقف وكلمات القيت تباعا في مراكز بحثية متعددة في غير مدينة ومركز بحثي في فلسطين المحتلة، ومن بينها مركز ابحاث الامن القومي، ومركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، ومركز فيشر في هرتسليا، اضافة الى مركز هرتسليا متعدد المجالات.. وغيرها.

وإن غابت التهديدات المباشرة، تجاه لبنان تحديدا، وحلت مكانها تهديدات غير مباشرة عبر توصيف الحروب المقبلة وويلاتها، لكن هذه التوصيفات اتسمت بأنها شاملة لكل من الاعداء، في لبنان وسوريا وغيرهما، وايضا لإسرائيل نفسها، حيث كان التوقع خسائر ودمار، بشرية ومادية، هائلة ومهولة، ربطا بالقدرات العسكرية الموجودة في حوزة الاعداء، وفي مقدمتهم، المقاومة في لبنان.

احاديث قادة العدو، بدءا من وزير الحرب، موشيه يعلون، وبما يشمل رئيس الاركان، بني غانتس، ورئيس شعبة الاستخبارات، افيف كوخافي.. وصولا الى قادة ألوية وكتائب، أحاديث شددت على ماهية الاخطار وحجمها ومستواها وتعاظمها وقدرتها على تهديد الكيان. مع ذلك، فإن تناول تهديد حزب الله والمقاومة في لبنان، على لسان المسؤولين العسكريين الاسرائيليين، كان تناولا من نوع آخر، ربطا بانه صاحب التهديد الأخطر، ويكفي اشارة الاستخبارات "الاسرائيلية" الى انه من بين 170.000 صاروخ موجه الى اي نقطة في "اسرائيل"، حصة حزب الله هي اكثر من 100.000 صاروخ.

الكلمات والمواقف "الاسرائيلية" ألقيت في مناسبات عدة، ومن بينها مناسبات لم تكن ملحوظة مسبقا، او ليس في الاعتياد جعلها منصة لاطلاق الكلمات، بما يرتبط بمواضيع حساسة كالمسائل الامنية والتهديدات. لكن الملفت هو توزّع معظم المسؤولين الامنيين والعسكريين على المراكز البحثية لاطلاق التوصيفات والاسهاب فيها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الغايات من "فورة" التصريحات "الاسرائيلية"؟ وكيف يمكن قراءة التصريحات على تعددها وتنوعها، وما تكشفه من تغيير طال المقاربة والرؤية "الاسرائيلية" لهذه التهديدات، وايضا للحرب المقبلة في حال اندلاعها، وتحديدا تجاه لبنان وحزب الله، وما يحكى عن حلول لها، او قصور في الحلول.

تتبع هذه الكلمات، على اختلافها، يشير الى جملة من النقاط، من المفيد اثارتها.

قدرات وترسانة حزب الله القتالية

كانت الكلمات مشبعة بالتوصيفات، وتحديدا ما يتعلق بحزب الله وقدرته القتالية وتعاظمه العسكري. ولم تغب ترسانة حزب الله الصاروخية عن أي من المتحدثين الاسرائيليين، رغم ان ما برز وكان لافتا بصورة تزيد عن نظرائه، هو رئيس الاستخبارات العسكرية، افيف كوخافي، الذي طالت كلمته في مركز دراسات الأمن القومي، حتى بانت وكأنها استعراض لقوة العدو، اكثر من كونها حديثا معتادا عن ردود على هذه القوة، وهو ما درجت عليه العادة. هذا الاسهاب في الشرح المطول، دفع اعلاميين اسرائيليين وخبراء، للتساؤل عن "سبب التخويف" غير المعتاد، وبالاخص، من حزب الله.

ومن توصيفات كوخافي، انه أقر، وبصورة مباشرة، بأن القدرة العسكرية لحزب الله، باتت واقعا قائما لا يمكن صده، والتحدي الماثل امام الجيش الاسرائيلي ليس أصل وجود القدرة، بل منع تفعيلها واستخدامها. وبعبارة أخرى، تجاوزت اسرائيل مسألة بناء القوة لدى المقاومة، بمستوياتها الموجودة حاليا، ويئست من امكان دفعها او صدها، لتقتصر المقاربة على صانع القرار في الجهة المقابلة، من اتخاذ قرار ما بتشغيل واستخدام هذه القوة.

وهذا التغيير، يعدّ اشارة جديدة تؤكد فشل السياسات الأمنية الإسرائيلية المفعلة منذ عام 2006، حيث وعد في حينه كبار مسؤولي الجيش، بأن حزب الله لن يعود الى سابق عهده، وان قدراته وتراسنته العسكرية لن ترمم. أي أن الجهود الاسرائيلية المفعلة في الاعوام الماضية، لم توصل الى نتائج متوخاة، في ضرب قدرة المقاومة، رغم ان هذه القدرة هي المكون الاساسي والابتدائي والاكثر فاعلية في بناء وايجاد التهديد الماثل امام اسرائيل.

في نفس الاطار، جاءت المواقف الاسرائيلية لتؤكد على ما كان يحذر منه الخبراء الأمنيون الصهاينة في السنوات القليلة الماضية، بأن تتحول قدرة حزب الله العسكرية الى مسلمة، تبنى عليها سياسات المواجهة، أي اليأس من امكانية ضربها واحباطها ابتداءا ومسبقا، وقبل ان تندلاع المواجهة الكبرى، بحيث لا يمكن لحزب الله تفعليها قبل الحرب المقبلة الموعودة من قبل الاسرائيليين. ومتابعو الشأن الاسرائيلي يلحظون خلال السنوات الماضية، التحذيرات من فشل صد تعاظم القدرة العسكرية وتحولها الى منعها من ان تتحول الى قدرة رادعة ومانعة بالمطلق حتى لحرية تحرك الجيش الاسرائيلي لاحقا، والحد من المناورة التقليدية الموجودة لديه، سواء في حالة الحرب او حالة اللاحرب، التي تتسم بها السنوات القليلة الماضية تجاه الساحة الشمالية، ولبنان تحديدا.


ويمكن القول ان النقطة الاساسية البارزة في كلمات المسؤولين الاسرائيليين، هي التأكيد على وجود القدرة العسكرية المهولة، بحسب تعبيرات بعضهم، لدى حزب الله، وأنها من المسلمات الواقعية القائمة التي لا يمكن صدها.. والمسألة بحسب تعبير احدهم ليست مسألة حجم، بل مسألة مغايرة تماما، لم تشهد اسرائيل مثيلا لها، من العام 1948.

في هذا الاطار تحديدا، برز تأكيد على تحول نوعي، بما يرتبط بتعاظم القدرة العسكرية لدى المقاومة، وهو تطور خطير ذو اتجاهين اثنين: قدرة تدميرية كبيرة جداً، ودقة كبيرة في الاستهداف وضرب أي نقطة على كامل مساحة فلسطين المحتلة. وبدا من حديث المسؤولين العسكريين الاسرائيليين، ان هذا التطور، أيضا، بات خلف المقاربة والمعالجة، وبالتالي تتوجب معالجة واقع ما بعده، أي كيفية الدفاع او محاولة الدفاع، في وجه هذا التهديد، وليس في ازالته مسبقا. وهو تراجع كبير جدا في المقاربة الاسرائيلية لتهديدات الساحة اللبنانية، مبني في الأساس على فشل معالجة التحديات لسنوات طويلة مضت.

تركيز على "كاسر التوازن"

استخدم المسؤولون الاسرائيليون، في الكلمات التي ألقيت أخيراً، تعبيراً شائعا وشهيرا، وهو منع وصول سلاح "كاسر للتوازن" الى أيدي حزب الله في لبنان، إلا ان هذا المصطلح بات وكما تبين من الكلمات التي القيت، "مطاطيا" جداً، وثبت أنه انتقل من حال الى حال. ثابتة "الكاسر للتوازن" ومنع وصوله على حالها، إلا أن العبارة والمصطلح وما يشير اليه، يتحرك الى الامام مع تحرك وتعاظم الترسانة والقدرة العسكرية للمقاومة. وهذه المقاربة لهذا المصطلح تحديداً، مهدورة في الاعلام العربي، ولا يجري تسليط الضوء عليها.

وفي تفصيل ذلك، ان اول من اطلق عبارة "كاسر للتوازن" هو وزير الحرب السابق، إيهود باراك، في اطار توصيفه لقدرات معينة يمنع وصولها الى حزب الله، وإلا ستشكل خطراً كبيراً على قدرات الجيش الاسرائيلي في المناورة داخل لبنان، خلال الحرب أو قبلها. في حينه، اكد باراك على ان سلاحا متطورا نوعيا، يعد من ناحيته، سلاحا كاسرا للتوازن، مشيرا الى اسلحة دفاع جوي، واسلحة دقيقة، واخرى طويلة المدى ومدمرة.

وبحسب ما يجري تداوله في الاعلام العبري، ربطا بتقارير لمراسلين ومعلقين عسكريين استنادا الى مصادر أمنية وعسكرية على اختلافها، فإن معظم ما اشار اليه باراك في حينه، بات في أيدي المقاومة. وبعبارة اخرى، هناك اقرار اسرائيلي شبه مباشر، بانكسار الكاسر للتوازن، كما كان عليه ابتداءا. اذ ان الحديث المفعل حاليا حول التحذير من الأسلحة الكاسرة للتوازن، تتعلق بانواع اخرى غير تلك التي جرى تداولها والتحذير منها سابقا. وحاليا يتركز الكاسر للتوازن على أنواع اكثر تقدما: ياخونت روسية الصنع مضادة للسفن الحربية، سلاح دفاع جوي متطور جدا من انواع جديدة لم تكن متداولة في الاعلام العبري، وصولا الى السلاح غير التقليدي، على اشكالياته وصوره المتعددة...

ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني ان الاسرائيلي يتحرك الى الامام، مع فشل التصدي، والتسليم بعدم القدرة على منع المقاومة من مراكمة القوة العسكرية النوعية. فإن لم يستطع منع وصول سلاح ما، فيصبح هذا السلاح أمراً واقعاً، ليجري التطلع الى اسلحة أكثر تطورا، وهي التي يعاد اطلاق توصيف "الكاسر للتوازن" عليها وهلما جرا.... ومن ناحية ثانية، في المقابل، وهو الاكثر دلالة من الاول، فإن المعادلة التي لوح بها الاسرائيلي قد تحطمت، والتي كانت تنص على ان اي نجاح للمقاومة في بناء القدرة العسكرية وتنميتها بأسلحة نوعية، سيعني وعدا اسرائيليا بالحرب والويل والثبور، وهو ما ثبت انه تهديد لمجرد التهديد ولا يقوى على الخروج الى حيز التنفيذ. وهذا يدل، في مقام اول، على القدرة الردعية المتشكلة لدى المقاومة، والتي تمنع الاسرائيلي من اخراج خياراته العملية العدائية الى ارض الواقع، رغم المصلحة الظاهرة والمؤكدة في ذلك.

نظرية الضاحية

في العام 2008، قابلت صحيفة يديعوت احرونوت (03- تشرين اول)، قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي في حينه، غازي ايزنكوت، الذي يتولى حاليا منصب نائب رئيس الاركان. المقابلة التي عدت مفصلا في مقاربة تل ابيب للساحة اللبنانية، اطلق فيها ايزنكوت ما عرف بنظرية الضاحية، والتي تتركز على استهداف المدنيين في لبنان، في حال نشبت الحرب مع حزب الله. وبحسب هذه النظرية، كما ورد على لسان ايزنكوت: في كل قرية يطلقون منها نحو اسرائيل، سنستخدم القوة والنار ضد هذه القرية، بصورة غير متناسبة، ونلحق فيها دمارا هائلا.. وهذه ليست توصية، بل خطة تمت المصادقة عليها".
ومن حينه، واظب المسؤولون الاسرائيليون على اطلاق التهديدات ضد المدنيين في لبنان. وتطورت التهديدات لاحقا، لتشمل الحكومة اللبنانية ومؤسساتها وبناها التحتية. بل وصلت الامور الى حد التهديد باستهداف المدنيين والبنى التحتية، ردا على اي خرق على الحدود، ومنهم من تحدث عن رد مؤلم يطال البنى التحتية في لبنان، ردا على عمليات اطلاق صواريخ من الاراضي اللبنانية، مهما كانت الجهة التي اطلقتها!!.

توالي الايام والسنوات، وتراكم القوة الهائلة الرادعة في حوزة المقاومة في لبنان، ابعد هذا معظم هذا التهديد عن التداول، وبدأ المسؤولون الاسرائيليون يترددون في استخدامه. وما كشفتت عنه المواقف والكلمات التي القيت في الاسابيع الاخيرة، شاهد على هذا التراجع. اذ غابت نظرية الضاحية واستهداف المدنيين عن التداول، وحل مكانها نظرية "المواجهات بين الحروب"، وهي النظرية المفعلة حاليا، بأن تنصب الجهود الاسرائيلية، الامنية والعسكرية، على انهاء ما قد يتسبب بحرب واسعة، او تأجيلها اطول مدة ممكنة.

ما هي اسباب هذا التحول، او بعبارة ادق، بدء التحول؟

ما قيل في المراكز البحثية اخيرا، يظهر مقاربة مغايرة، وهناك اقرار بأنه يوجد لدى اعداء اسرائيل، (اي حزب الله) قدرة تدميرية هائلة، مع قدرة على اصابة الاهداف بدقة، وفي نفس الوقت، القدرة على الوصول الى أي نقطة في اسرائيل. وحضور هذه المعطيات في الندوات المقامة أخيراً، وبالمستوى الذي بانت به، دليل على حضورها لدى صانع القرار في تل ابيب، إن قرر اتخاذ قرارا اعتدائي ما. هذا من ناحية.

ومن ناحية ثانية، وهو ما ظهر من المواقف المعلنة على لسان كبار المسؤولين العسكريين الاسرائيليين، إن لدى حزب الله القدرة على الرد، وبصورة تماثلية، لم تكن مسبوقة. ضرب بنى تحتية في اسرائيل مقابل ضرب بنى تحتية في لبنان. وضرب اهداف مدنية قد يفضي الى ضرب اهداف مدنية، خاصة إن جاء، كما نصت عليه نظرية الضاحية لايزنكوت، بصورة متعمدة ومباشرة. في نفس الوقت، تدرك تل ابيب جيدا، وهو ما قيل في الندوات البحثية، ان القدرة التدميرية لم تعد تقتصر فقط على اسرائيل، بل يوجد لدى المقاومة قدرة مماثلة، ويكفي ما لحظته كلمة عراب برنامج الدفاع الصاروخي "الحيتس"، في وزارة الحرب، عوزي رابي، الذي اكد ان صاروخا واحدا فقط يسقط على مجمع وزارة الحرب والاركان العامة، ليدمر نصف المنطقة المستهدفة بشكل كامل، ونفس الشيء بالنسبة لميناء اشدود، او مطار بن غوريون، علما ان في حوزة حزب الله، وكما يؤكد الخبير الاسرائيلي، استنادا الى معلومات استخبارية، على الاقل 5000 صاروخ دقيق ومدمر، قادر على اتمام هذه المهمة، بسهولة.

ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني ان استهداف المدنيين، كنظرية عملية، انتهى من التداول الفعلي، بل وبدأ ينتهي من التداول الاعلامي، لتعذر تسويقه لاهداف ردعية في الاساس، ولتعذر فعله في الحرب، قياسا بالرد الممكن على افعال اعتدائيه مشابهة. ورغم ان المستقبل قد يشهد على تصريحات تهدد المدنيين في لبنان، لكنها تبقى ضمن اللازمة الكلامية، الى حين اختفائها بالمطلق.
وماذا عن الحرب المقبلة

تحدث المسؤولون العسكريون الاسرائيليون عن الحرب المقبلة، بصورة ومستوى وتشديد، مغاير تماما لاحاديث سابقة، وردت على لسان نفس المسؤولين الاسرائيليين في الماضي. غاب التهديد بالحرب كحل للخطر الكامن في الساحة اللبنانية، ولم تعد هذه الحرب، التي جرى الوعد بها طويلا بعد عام 2006، حلا مقبولا. حل مكانها نظرية عمل جديدة، وهي "المعركة ما بين الحروب". وهذه النظرية التي يجري التنظير لها منذ ما يقرب من عام، جاء نتيجة لتراكم الفشل في صد القدرة العسكرية للمقاومة، والفشل في منع تناميها وتنوعها وقدرتها الهائلة على الحاق الأذى بالجبهة الداخلية في اسرائيل، بما يشمل البنى التحتية المدنية والعسكرية.

كان لافتا، الحديث عن ان الحرب ليست هدفا والحكمة هي كيفية تجنبها. هذا ما اكده مستشار الامن القومي، اللواء يعقوب عميدرور، المنتهية ولايته حديثا، في كلمة القاها في مركز ابحاث الامن القومي في تل ابيب، اذ اكد ان "صنّاع القرار في إسرائيل، لا يهرولون نحو حربٍ أخرى. أولئك الذين عاشوا بين الحروب يعرفون مستوى الخطر الذي قد تشكّله الحرب، ويعرفون بأنّ من الحكمة اتّخاذ خطواتٍ لمنع الحروب، وإلى أبعد حدٍّ ممكن"، ويكفي للدلالة على ما قيل هنا، ان عميدرور هو من صقور اليمين الاسرائيلي، ومقرب جدا من نتنياهو، وصاحب نظريات قتالية متطرفة بما يرتبط بالحرب المقبلة، لكن المعطيات التي جمعها واطلع عليها خلال توليه المسؤولية الاخيرة، كمستشار للامن القومي، دفعته الى تغيير نظرياته.
ولنتناول هنا، حرفيا، ما ذكره "عراب البرنامج الصاروخي الاسرائيلي"، عوزي روبي، في توصيفه لاحد مشاهد الحرب المقبلة مع حزب الله. وقد يكون ذلك كافيا، للدلالة على حجم التوقعات الاسرائيلية، والاسباب الدافعة الى منع الحرب او التسبب بها، او الاقدام على ما من شأنه ان يتسبب بها:

"هذه صورة جوية لميناء أشدود، تحاكي تعرضها لصاروخ من الجيل الثاني، وليس من الجيل الثالث لصاروخ أم ـ 600.. فماذا لو اطلقوا عشرة صواريخ على ميناء أشدود. يمكنكم تخيل ماذا يحصل، حيث ان الرأس الحربي لكل صاروخ نصف طن. وعندها يمكنكم تخيل وتصور مدى التدمير حوله، لا نتحدث هنا عن صاروخ غراد، بل سلاح مدمر. وبعد ان رأينا وتخيلنا ما يمكن ان يحدث لاشدود. لنرَ هنا، من خلال هذه الصورة، ماذا يمكن ان يحدث لمطار بن غوريون، حتى وإن لم يصب الصاروخ أي مدرج طيران. والأسوأ من كل ذلك، ماذا لو اصاب هذه الاهداف، وغيرها، الجيل الثالث من هذه الصواريخ، وماذا لو سقطت على تل أبيب، على هذا المبنى الأساسي لوزارة الدفاع، المقدر ان نصفها ونصف هيئة الأركان ونصف وزارة الدفاع المدنية، نصفها جميعها سينهار ضمن مجال الـ100 متر، وهذا من شأنه أن يغير أفق تل أبيب. لذا هو ليس تهديداً تكتيكياً وليس عبارة عن إلحاق الضرر، بل هو تهديد إستراتيجي.. والأسوأ لا يزال قادما".

القبة الحديدية واخواتها

بشارة المسؤولين الاسرائيليين، تعلقت بالدفاع الايجابي ردا على الصواريخ. اي المنظومات الاعتراضية، وما يصطلح على تسميته "بالطبقات الاعتراضية"، وفي مقدمتها، بطبيعة الحال، منظومة القبة الحديدية الشهيرة، والتي تبين انها كيان اكبر بكثير من مكوناته الحقيقية.

أكد المسؤولون الاسرائيليون على ان هذه المنظومة، القبة الحديدية، تصلح لصد نوعية خاصة من الصواريخ، القصيرة المدى، على شاكلة صواريخ كاتيوشا او غراد، في صليات محددة، وضمن مواجهات او عمليات محدودة، لكنها لا تصلح، اطلاقا للمواجهات الكبرى والحروب. بحسب ما صدر من تأكيدات، فان هذه المنظومة، ستكون مخصصة خلال الحرب لمحاولة حماية عدد من البنى التحتية الرئيسية، اضافة الى بنى تحتية عسكرية، كالمطارات. بل جرى التأكيد، على ان صانع القرار في تل ابيب، سيختار من بينها للحماية، اما لجهة المدنيين، والبنى التحتية المدنية، وغيرها، فيتعذر على المنظومة محاولة حمايتها، لأن تسيير شؤون الحرب وتأمين المناورة للجيش، اهم بكثير من اي حاجة ومطلب اخر.

الا ان هذه الرواية، التي تؤكد على عدم فاعلية هذه المنظومة، برز فيها جملة من المعطيات، على لسان المسؤولين الاسرائيليين، كانت حتى الامس مخفية عن التداول:

أ ـ القبة الحديدية غير مخصصة لمواجهة صواريخ موجودة في حوزة حزب الله.
ب ـ القبة الحديدية محدودة الحجم، وبالتالي ستوزع على مطارات عسكرية لصد نوع خاص من الصواريخ، وتكون قريبة من الحدود، ربطا بنفس الصواريخ، اي الكاتيوشا والغراد.
ج ـ يتعذر على المنظومة التعامل مع صليات كبيرة جدا، ولا فاعلية لها في حالة كهذه، حتى مع الصواريخ المحدودة الفاعلية والقصيرة المدى.
د ـ لا يمكن بأي حال ان يجاري عدد الصواريخ الاعتراضية عدد الصواريخ المتساقطة.. بل لا يمكن للمالية الاسرائيلية، وايضا الاميركية، ان تؤمن وتنتج صواريخ اعتراضية بحجم مئة الف صاروخ في حوزة حزب الله. وهذا التأكيد جاء على لسان الجنرال عميدرور، المشار اليه اعلاه.

ه ـ كل المنظومات الاخرى التي يجري الحديث عنها، ومن بينها "العصا السحرية"، المخصصة لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى، غير موجودة في الخدمة العملياتية، بل وما زالت في طور التجارب، التي قد تشير الى نجاحها، او الى فشلها. وفي نفس الوقت، يقدر انها في حال نجاحها، ستعاني من نفس معضلات ومشاكل القبة الحديدية.
****
كلمات المسؤولين العسكريين الاسرائيليين، كانت غنية في دلالاتها، وما ذكر هنا جزء منها. وأهمها ربما، هو النظرية الجديدة لدى الجيش الاسرائيلي: الابتعاد عن الحرب او التسبب بها، وما يمسى "بالمعركة بين الحروب". فاذا كانت اسرائيل تخوض معاركها ما بين الحروب، طوال السنوات الماضية، ونتج عنها قدرة قتالية وعسكرية مهولة ورادعة لدى المقاومة، والى درجة تغيير النظرية الامنية والقتالية لاسرائيل، فهذا يكفي بذاته للاشارة الى ان "المعركة ما بين الحروب"، خسرتها اسرائيل
2014-02-16