ارشيف من :آراء وتحليلات
الإفلات من العقاب: البحرين نموذجاً
بعد مرور ثلاث سنوات على بدء الثورة البحرينية، في 14 فبراير/شباط، لم يعد يكفي الحديث فقط عن الانتهاكات التي يرتكبها النظام البحريني بحق معارضيه. وعلى الرغم من أهمية تبيان هذه الانتهاكات، إلا إنه لا بد من البحث عن آليات توقف هذه الانتهاكات، والبدء بالحديث عن خطوات لردع هذا النظام وإيقاف إجرامه بحق أهل البحرين.
فوفق تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، تدهور سجل حقوق الإنسان البحريني في مجالات أساسية خلال عام 2013". فقد استمرت قوات الأمن في القبض على العديد من الأشخاص تعسفاً في البلدات التي تشهد بشكل منتظم المظاهرات المعارضة للحكومة. وجاءت تقارير التعذيب والمعاملة السيئة رهن الاحتجاز المستمرة متسقة مع نتائج اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق لعام 2011.
الإفلات من العقاب: البحرين نموذجاً
وكذلك، يؤكد نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية سعيد بو مدوحة أن المنظمة راقبت الوضع في البحرين ووثقت ما ارتكبته السلطات من انتهاكات. "هناك أكثر من 2000 معتقل في البحرين.. وهناك أشخاص قتلوا بسبب التعذيب.. وتم اعتقال أكثر من 100 طفل، وإن معظم الانتهاكات لوحظت في تقرير لجنة تقصى الحقائق ايضاً".
وبطبيعة الحال فإنه لا بد من البناء على تقرير لجنة تقصي الحقائق في البحرين التي ترأسها الخبير قي القانون الدولي شريف بسيوني - كونها لجنة تحقيق أممية - لإبراز انتهاكات النظام، ومن ثم الحديث عن آلية قضائية معينة لردعه. إذ كان قد خلص التقرير إلى أن "مواجهة المتظاهرين في البحرين بالقوة تسببت في موت مدنيين وزيادة التوتر في الشارع البحريني"، كاشفاً أن السلطات البحرينية "لجأت إلى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية" بما في ذلك "بث الرعب بين المواطنين وإتلاف الممتلكات خلاف التعليمات التي لديهم". وأكد التقرير أن التعذيب "مُورس على المعتقلين بشكلٍ متعمد بهدف انتزاع الاعترافات أو للعقاب والانتقام".
ومن المؤسف أن كل ذلك يحصل، في ظل افلات المسؤولين البحرينيين من العقاب، الذي يمكن تعريفه قانونياً، بأنه غياب العقوبة وغياب المسؤولية الجنائية عن المنتهكين لحقوق الإنسان. والافلات من العقاب بحسب ما يؤكده معظم الحقوقيين، يهدر الحقوق الأساسية للمتضرر، في مقابل تراخي المسؤول في القيام بواجباته بتنفيذ حقوق شعبه، وأهم حقوق المتضرر هو الحق بالعدالة. ويمكننا القول إن الافلات من العقاب هو عندما يقوم شخص بالتصرف مع وجود حصانة تحميه من العقاب، وهذا يعني بأنه لن يكون هناك عواقب لتصرفاته.
ويعتبر تقرير بسيوني هاماً جداً، لأن لجان التحقيق وعلى الرغم من أنها تعد آليات غير قضائية، أي أنها لا تحاسب مباشرة، إلا أنها تساعد على المتابعة والمساعدة وتقديم الادلة لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، حيث يمكن لها أن تكمل عمل النيابة الجنائية بجمعها وتصنيفها وحفظها للأدلة التي يمكن استخدامها في توجيه الاتهام الجنائي، والمحاسبة القضائية.
وبما إن الانتهاكات التي خلص لها تقرير بسيوني تطابقت، مع الانتهاكات الخطيرة التي تحدث عنها نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، حول جرائم الحرب وضد الانسانية، فإن نفاذ هذا النظام والالتزامات الناشئة عنه من شأنها أن تضع حداً لافلات المجرمين في البحرين. وذلك لأن المحاكم البحرينية عاجزة عن التحقيق في هذه الجرائم.
ولكن المحكمة الجنائية الدولية اليوم هي أيضاً غير مفعلة لجلب المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة لوقف الإفلات من العقاب. كما نشير ايضاً الى انه من الآليات المتوافرة والممكنة لجوء المواطن البحريني الذي تعرض للقمع والضرر لرفع دعاوى ضد المسؤولين في محاكمات وطنية ذات ولاية عالمية، ومن الممكن تفعيل هذه الخطوة ودعمها دولياً. كما يمكن للدول ان تحيل هذه الجرائم على المحكمة الجنائية الدولية كما تؤكد المادة 14 من نظام روما التي تقول إنه "يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة".
وتؤكد معاهدات حقوق الإنسان الدولية على التحقيق في كل الادعاءات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتشترط اتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية، تحقيقاً سريعاً وحيادياً بها. ولا يجوز أن تقوم الهيئات التي مارس العاملون فيها انتهاكاتهم، بالتحقيقات فيها، أو عبر ولاية المحاكم العسكرية التابعة للسلطة بل لا بد من محاكمات نزيهة وعادلة وشفافة عبر أجهزة قضائية دولية معروفة. وتؤكد اتفاقية مناهضة التعذيب انه "على الدول أن تأخذ الخطوات اللازمة لضمان حماية المشتكين والشهود ضد أي سوء معاملة، أو تهديد لشكاواهم أو بسبب تقديم أدلة". ويمنع إرهاب الضحايا، حتى يلزموا الصمت عما حدث لهم.
حتى الآن، لم يفهم النظام البحريني أن الغاية من تأسيس الدولة ليس الوصول إلى السلطة، ولا قمع الناس وإرهابهم أو جعلهم يقعون تحت سلطة العائلة، بل هي تحرير الفرد من الخوف، وجعله يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة، وأن عنف الدولة والانتهاكات الجسيمة تتجاوز مفهوم المصلحة العليا للدولة، وتبرز طبيعة النظام السياسي التسلطي.
ولم تقدم السلطات البحرينية - التي تدعي أنها تريد الاصلاح - أياً من المسؤولين عن قتل المتظاهرين للمحاكمة. حيث كان ينبغي تشكيل هيئة مستقلة للتحقيق بممارسات التعذيب التي مُورست ضد المشاركين في التظاهرات السلمية. وللأسف فإنه حتى الآن ليس هناك اي استجابة من المجتمع الدولي الذي لم يكن فعالاً، على الرغم من أن البحرين لم تلتزم بما وقعت عليه من اتفاقيات دولية.
ويمكن القول إن القانون الدولي لم يكن فعالاً، عبر الأجهزة التي تطبقه، في ردع النظام البحريني عن ارتكاب انتهاكات انسانية جسيمة بحق المدنيين العزل، مع أن أغلب المعنيين عن القانون الدولي يقرون بأن النظام البحريني يريد التخلص من المعارضة نهائياً. ومن هنا تأتي ضرورة تفعيل مكافحة الافلات من العقاب والرجوع إلى تحقيق بسيوني بدلاً من إهماله.
فوفق تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، تدهور سجل حقوق الإنسان البحريني في مجالات أساسية خلال عام 2013". فقد استمرت قوات الأمن في القبض على العديد من الأشخاص تعسفاً في البلدات التي تشهد بشكل منتظم المظاهرات المعارضة للحكومة. وجاءت تقارير التعذيب والمعاملة السيئة رهن الاحتجاز المستمرة متسقة مع نتائج اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق لعام 2011.
الإفلات من العقاب: البحرين نموذجاً
وبطبيعة الحال فإنه لا بد من البناء على تقرير لجنة تقصي الحقائق في البحرين التي ترأسها الخبير قي القانون الدولي شريف بسيوني - كونها لجنة تحقيق أممية - لإبراز انتهاكات النظام، ومن ثم الحديث عن آلية قضائية معينة لردعه. إذ كان قد خلص التقرير إلى أن "مواجهة المتظاهرين في البحرين بالقوة تسببت في موت مدنيين وزيادة التوتر في الشارع البحريني"، كاشفاً أن السلطات البحرينية "لجأت إلى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية" بما في ذلك "بث الرعب بين المواطنين وإتلاف الممتلكات خلاف التعليمات التي لديهم". وأكد التقرير أن التعذيب "مُورس على المعتقلين بشكلٍ متعمد بهدف انتزاع الاعترافات أو للعقاب والانتقام".
ومن المؤسف أن كل ذلك يحصل، في ظل افلات المسؤولين البحرينيين من العقاب، الذي يمكن تعريفه قانونياً، بأنه غياب العقوبة وغياب المسؤولية الجنائية عن المنتهكين لحقوق الإنسان. والافلات من العقاب بحسب ما يؤكده معظم الحقوقيين، يهدر الحقوق الأساسية للمتضرر، في مقابل تراخي المسؤول في القيام بواجباته بتنفيذ حقوق شعبه، وأهم حقوق المتضرر هو الحق بالعدالة. ويمكننا القول إن الافلات من العقاب هو عندما يقوم شخص بالتصرف مع وجود حصانة تحميه من العقاب، وهذا يعني بأنه لن يكون هناك عواقب لتصرفاته.
المادة 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب تنص على أن: "كل دولة طرف تتعهد بأن تمنع، في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة 1، عندما يرتكب موظف عمومي أو شخص آخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يحرض على ارتكابها، أو عندما تتم بموافقته أو بسكوته عليها". |
ويعتبر تقرير بسيوني هاماً جداً، لأن لجان التحقيق وعلى الرغم من أنها تعد آليات غير قضائية، أي أنها لا تحاسب مباشرة، إلا أنها تساعد على المتابعة والمساعدة وتقديم الادلة لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، حيث يمكن لها أن تكمل عمل النيابة الجنائية بجمعها وتصنيفها وحفظها للأدلة التي يمكن استخدامها في توجيه الاتهام الجنائي، والمحاسبة القضائية.
وبما إن الانتهاكات التي خلص لها تقرير بسيوني تطابقت، مع الانتهاكات الخطيرة التي تحدث عنها نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، حول جرائم الحرب وضد الانسانية، فإن نفاذ هذا النظام والالتزامات الناشئة عنه من شأنها أن تضع حداً لافلات المجرمين في البحرين. وذلك لأن المحاكم البحرينية عاجزة عن التحقيق في هذه الجرائم.
ولكن المحكمة الجنائية الدولية اليوم هي أيضاً غير مفعلة لجلب المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة لوقف الإفلات من العقاب. كما نشير ايضاً الى انه من الآليات المتوافرة والممكنة لجوء المواطن البحريني الذي تعرض للقمع والضرر لرفع دعاوى ضد المسؤولين في محاكمات وطنية ذات ولاية عالمية، ومن الممكن تفعيل هذه الخطوة ودعمها دولياً. كما يمكن للدول ان تحيل هذه الجرائم على المحكمة الجنائية الدولية كما تؤكد المادة 14 من نظام روما التي تقول إنه "يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة".
وتؤكد معاهدات حقوق الإنسان الدولية على التحقيق في كل الادعاءات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتشترط اتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية، تحقيقاً سريعاً وحيادياً بها. ولا يجوز أن تقوم الهيئات التي مارس العاملون فيها انتهاكاتهم، بالتحقيقات فيها، أو عبر ولاية المحاكم العسكرية التابعة للسلطة بل لا بد من محاكمات نزيهة وعادلة وشفافة عبر أجهزة قضائية دولية معروفة. وتؤكد اتفاقية مناهضة التعذيب انه "على الدول أن تأخذ الخطوات اللازمة لضمان حماية المشتكين والشهود ضد أي سوء معاملة، أو تهديد لشكاواهم أو بسبب تقديم أدلة". ويمنع إرهاب الضحايا، حتى يلزموا الصمت عما حدث لهم.
حتى الآن، لم يفهم النظام البحريني أن الغاية من تأسيس الدولة ليس الوصول إلى السلطة، ولا قمع الناس وإرهابهم أو جعلهم يقعون تحت سلطة العائلة، بل هي تحرير الفرد من الخوف، وجعله يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة، وأن عنف الدولة والانتهاكات الجسيمة تتجاوز مفهوم المصلحة العليا للدولة، وتبرز طبيعة النظام السياسي التسلطي.
ولم تقدم السلطات البحرينية - التي تدعي أنها تريد الاصلاح - أياً من المسؤولين عن قتل المتظاهرين للمحاكمة. حيث كان ينبغي تشكيل هيئة مستقلة للتحقيق بممارسات التعذيب التي مُورست ضد المشاركين في التظاهرات السلمية. وللأسف فإنه حتى الآن ليس هناك اي استجابة من المجتمع الدولي الذي لم يكن فعالاً، على الرغم من أن البحرين لم تلتزم بما وقعت عليه من اتفاقيات دولية.
ويمكن القول إن القانون الدولي لم يكن فعالاً، عبر الأجهزة التي تطبقه، في ردع النظام البحريني عن ارتكاب انتهاكات انسانية جسيمة بحق المدنيين العزل، مع أن أغلب المعنيين عن القانون الدولي يقرون بأن النظام البحريني يريد التخلص من المعارضة نهائياً. ومن هنا تأتي ضرورة تفعيل مكافحة الافلات من العقاب والرجوع إلى تحقيق بسيوني بدلاً من إهماله.