ارشيف من :آراء وتحليلات
تكفيريو تونس والجزائر يتعاونون ويهددون أمن المنطقة
مثلت العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت أمنيين ومدنيين تونسيين بمنطقة جندوبة في الشمال الغربي للبلاد التونسية، تحولا نوعيا في عمل تنظيم أنصار الشريعة التكفيري الذي يعتبر الجناح التونسي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. حيث لجأ التكفيريون إلى إنشاء حاجز أمني وهمي وارتدى عناصرهم لباس الأمنيين التونسيين ليقتلوا المدنيين وبعضاً من رجال الأمن غدرا بعد أن كفروا مجتمعهم واعتبروا رجال الشرطة والجيش جنود الطاغوت واستباحوا إراقة دمائهم.
لقد لجأ التكفيريون إلى اقتباس أسلوب الحواجز الوهمية من نظرائهم الجزائريين الذين كثيرا ما أوقعوا رجال الأمن والجيش والمدنيين الجزائريين في فخ هذه الحواجز من خلال ما يعرف بـ"العشرية السوداء" لعقد تسعينيات القرن الماضي. ولعل وجود جزائرييْن اثنين ضمن المنفذين للعملية، بحسب ما أعلن عنه الأمن التونسي، يقيم الدليل على أن هذه الجماعات مرتبطة فيما بينها و"تتعاون" وتنسق وتقتبس من بعضها البعض، وهو ما يقتضي مزيدا من تدعيم التنسيق الأمني بين الدولتين التونسية والجزائرية لمجابهة هذا الخطر الذي يهدد كلا البلدين.
رد انتقامي
وبحسب ما تم تداوله فإن هذه العملية جاءت ردا على استهداف قوى الأمن والحرس الوطنيين في تونس لهذه الجماعات وقتل وأسر عدد كبير من عناصرها خلال الآونة الأخيرة، في سلسلة عمليات ناجحة أطاحت برؤوس كبيرة قيادية في تنظيم أنصار الشريعة ومتورطين في عمليات الاغتيال السياسي التي عرفتها تونس خلال الفترة الماضية. ومن تم قتلهم وأسرهم كمال القضقاضي المتهم بقتل الشهيد شكري بلعيد وأحمد المالكي المشهور بكنية "الصومالي" المتورط في قتل الشهيد محمد البراهمي.
وبحسب التسريبات من الأبحاث والتحقيقات التي أجريت مع من تم القبض عليهم، فإن تنظيم أنصار الشريعة التكفيري المحظور في تونس يخطط لمزيد من الاغتيالات السياسية والمزيد من الاستهداف لرجال الأمن والجيش كما يسعى لتفجير مرافق حيوية في البلاد ومراكز تجارية كبرى. والهدف من هذه العمليات التي تم التخطيط لها بعد، والبعض منها تم إحباطه - بفعل يقظة قوى الأمن الموروثة من عهود الديكتاتورية – هو إدخال البلاد في حالة من الفوضى طمعا في قلب نظام الحكم لنشر "الشريعة" كما يراها التكفيريون.
"الحرس القديم"
وتحمّل جهات عديدة، تابعة بالأساس للنقابيين من رجال الأمن، مسؤولية تفشي ظاهرة الإرهاب في الخضراء إلى محافظة رئيس الحكومة الجديد ومعه وزير الداخلية لطفي بن جدو على مسؤولين أمنيين من "الحرس القديم" تطالهم شبهة القرب من حركة النهضة. وذهب البعض إلى حد اتهام هؤلاء القادة باستهداف زملاء لهم بالعقوبات كانوا قد حذروا من تفشي ظاهرة الإرهاب ودعوا إلى ملاحقتها وتفعيل قانون الإرهاب الذي كان معمولا به في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي والذي يتضمن العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان.
يشار إلى أن هؤلاء القادة الأمنيين تم تعيينهم وترقيتهم حين كان الأمين العام المساعد لحركة النهضة، وزير الداخلية السابق، علي العريض وزيرا للداخلية. ويتعرض رئيس الحكومة الجديد المهدي جمعة إلى ضغوط شديدة من قبل عدة جهات فاعلة في المشهد التونسي من أجل إقالتهم ومحاسبتهم على تسترهم على الإرهاب. ويبدو أن جمعة أمام خيارين أحلاهما مر، فإما الاستجابة لمطالب هذه الجهات وإرضاؤها بإقالة المسؤولين المقربين من حركة النهضة وفي هذه الحالة قد تعطل كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي صاحبة الأغلبية عمله وقد تسحب منه الثقة، وإما عدم الرضوخ لمطالب "القوى الحداثية " فتعود البلاد إلى سيرتها الأولى من الاعتصامات وخروج هذه القوى إلى الشارع لإسقاط الحكومة. فالرجل بين فريقين متصارعين وإرضاء كليهما صعب، بل مستحيل.