ارشيف من :آراء وتحليلات

حكومة وحدة وطنية او ’سيناريو سوري’ في اوكرانيا

حكومة وحدة وطنية او ’سيناريو سوري’ في اوكرانيا
يوم الجمعة المنصرم في 21 الجاري وقع الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش، وزعماء "المعارضة السلمية" الاوكرانية، وهم ارسيني ياتسينيوك، اوليغ تياغنيبوك وفيتالي كليتشكو، اتفاقا للخروج من الازمة الراهنة.

وتم التوصل الى الاتفاق في اعقاب الوساطة المشتركة من قبل روسيا والاتحاد الاوروبي من اجل وضع حد للاصطدامات والعنف. وجرى التوقيع بحضور وزير الخارجية الالماني فرانك ـ والتر شتانماير، ووزير الخارجية البولوني رادوسلاف شيكورسكي، ومسؤول قسم الشؤون الاوروبية في وزارة الخارجية الفرنسية اريك فورنيه. وينص الاتفاق على اجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة ائتلافية وتعديل الدستور.

واصدر وزراء خارجية المانيا، فرنسا وبولونيا بيانا مشتركا حيوا فيه شجاعة الاطراف التي وقعت الاتفاق. ودعا البيان الى التوقف الفوري للعنف والمواجهة في اوكرانيا، كما نقلت وكالة رويتر. وأكد وزير الخارجية الالماني انه تم الاتفاق على اجراء الانتخابات الرئاسية هذه السنة وذلك قبل موعدها القانوني في اذار 2015. واعلن احد زعماء المعارضة وهو أرسيني ياتسينيوك انه عملا بالاتفاق فإن الانتخابات الرئاسية المبكرة ستجري ما بين شهري ايلول وكانون الاول هذه السنة، كما نقلت عنه وكالة ريا نوفوستي الروسية. ووصف وزير الخارجية البولوني الاتفاق بأنه "تسوية جيدة لاجل اوكرانيا" وانه "يعطي حظا للسلام. ويفتح الطريق نحو الاصلاحات ونحو اوروبا". وان "بولونيا والاتحاد الاوروبي يؤيدان هذا الاتفاق".

وقبل توقيع الاتفاق كان الرئيس يانوكوفيتش قد كتب في موقع الرئاسة الالكتروني "في هذه الايام المأساوية، حينما تتعرض اوكرانيا لمثل هذه الخسائر الكبيرة، وحينما يقتل الناس على جانبي المتاريس" فإن الرئيس يجد ان من واجبه ان يعلن انه "ليس هناك شيء اهم من الحياة الانسانية". ولذلك فإن الاوكرانيين ينبغي ان يعملوا معا كل ما هو ضروري لاجل اعادة السلم الى البلاد.

حكومة وحدة وطنية او ’سيناريو سوري’ في اوكرانيا

وبعد نهاية المباحثات وقبل توقيع الاتفاق اعلن الرئيس يانوكوفيتش عن عزمه على اجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ووعد بتشكيل حكومة "وحدة وطنية" وبادخال تعديلات على الدستور تحد من صلاحيات الرئيس وتنقلها الى البرلمان. واعلن انه من اجل المساهمة في حل الازمة في البلاد فإنه سيوقع بالاحرف الاولى على اعادة العمل بدستور سنة 2004 الذي ينص على توزيع الصلاحيات بين الرئاسة والبرلمان.

وفور توقيع الاتفاق اجتمع البرلمان الاوكراني وصادق على قانون باستعادة العمل بدستور سنة 2004، كما نقلت وكالة " اونيان". وحصل القانون على اكثرية 386 صوتا من اصل 397 نائبا حضروا الجلسة. وصوت الى جانب هذا القانون 140 نائبا من الحزب الحاكم وهو "حزب الاقاليم"، و89 نائبا من حزب "باتكيفتشينا" المعارض، و40 نائبا من حزب "أودر" المعارض، و35 نائبا من حزب "سفوبودا" المعارض، و32 نائبا من الحزب الشيوعي الاوكراني المؤيد للرئيس، و50 نائبا مستقلا. وينص دستور سنة 2004 على ان الحكومة يتم انتخابها من قبل البرلمان، ورئيس الحكومة يتم الموافقة عليه من قبل البرلمان من بين عدد من الاسماء يرشحها رئيس الجمهورية. كما يتم تمديد فترة البرلمان من 4 الى 5 سنوات. كما ان الرئيس هو الذي يرشح وزراء الدفاع والخارجية ورئيس جهاز الامن الوطني. اما بقية الوزراء فيختارهم وينتخبهم البرلمان. وصادق البرلمان على مرسوم بالافراج عن جميع المعتقلين اثناء الاحداث الاخيرة. كما صوت البرلمان على عزل وزير الداخلية بتهمة تجاوز الصلاحيات المعطاة له.

ولكن قبل التصويت على القانون وقع اشتباك بالايدي بين عدد من النواب داخل قاعة البرلمان. وتبادل بعض النواب اللكمات وسادت الفوضى عدة دقائق. كما اصدر البرلمان قانونا يسمح باطلاق سراح رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو التي حكم عليها بالسجن لثماني سنوات بتهمة الفساد.

ولاجل التوقيع على الاتفاق كان على احزاب المعارضة المؤيدة للاتفاق ان تحصل على تأييد المعتصمين في ساحة " الميدان". وقد ايد المعتصمون الاتفاق بشرط عدم اشراك وزير الداخلية والمدعي العام الحاليين في اية وزارة قادمة.

حكومة وحدة وطنية او ’سيناريو سوري’ في اوكرانيا

ويتوقع الان ان يبدأ تشكيل حكومة ائتلاف وطني في خلال 48 ساعة، كما تقول وكالة ايتار ـ تاس. وسينتهي التأليف بعد 10 ايام من توقيع الاتفاق. كما ينص الاتفاق على اصدار قانون انتخابات جديد، وتشكيل لجنة انتخابية مركزية جديدة تتمثل فيها بالنسبة مختلف الاطراف. واخيرا ينص الاتفاق على تسليم الاسلحة غير المرخصة الى وزارة الداخلية في خلال 24 ساعة من توقيع الاتفاق. وكل من يضبط معه سلاح بعد ذلك يحال الى القضاء.

ولكن يوم توقيع الاتفاق لم يمر ايضا بدون اعمال عنف. ففي حين كان البرلمان يبحث في الاوضاع، فإن بعض المشاركين في الاحتجاجات في شارع "اينستيتوتسكايا" في كييف اطلقوا النار على رجال الامن. وكان البرلمان قد اصدر سابقا قرارا يمنع بموجبه رجال الامن من استخدام النار ضد المتظاهرين. فلاجل الاحتماء من اطلاق النار عليهم اضطر رجال وزارة الداخلية وبعض وحدات الجيش للدخول الى حرم البرلمان والاحتماء به. وكان قد سقط بالامس حوالى 80 قتيلا بينهم حوالى 20 من قوات الامن قتلوا بالرصاص. ولاحظ المراقبون وجود قناصين مجهولين يطلقون النار على الطرفين.

ويؤكد هؤلاء المراقبين ان الاحداث الدموية قد افتعلتها الكتائب المتطرفة المسماة "اوبشتو ديلو" (القضية العامة) التي هي امتداد تاريخي للمنظمات الفاشستية التي قاتلت مع المحتلين الالمان ضد الجيش الاحمر السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية. وهذه الكتائب اعلنت رفضها للمفاوضات بين المعارضة والحكومة كما رفضت الاتفاق الذي تم التوصل اليه. ويستخدم رجال الكتائب السلاح بشكل مكشوف ويقومون باحتلال المباني الحكومية، مستغلين امتناع رجال الامن عن اطلاق النار تطبيقا لقرار مجلس النواب.

ويبدو في الظاهر ان احزاب المعارضة التي يعترف بها الغرب لا تستطيع السيطرة على هذه الكتائب ووقف اعمالها الاستفزازية، ولكن في الوقت ذاته فإن المعارضة تستفيد من اعمال هذه الكتائب لاجل ابتزاز الحكومة والرئاسة. واذا كان زعيما المعارضة الرئيسيان بطل الملاكمة العالمي فيتالي كليتشكو (الحائز دعما خاصا من المانيا، والذي يرجح ان يكون مرشح المعارضة للرئاسة) وأرسيني ياتسينيوك، حريصين فعلا على مستقبل الشعب الاوكراني ووحدة البلاد، فينبغي ان يقوما بكل جهد ممكن للتميّز عن هذه وغيرها من المجموعات المتطرفة التي تهدد السلم الاهلي ووحدة البلاد. كما انه يتوجب على الدول الغربية، وخاصة اميركا التي لم تعلن الى الان تأييدها للاتفاق بين المعارضة والرئاسة، ان تتوقف عن ممارسة الضغط على السلطات الاوكرانية لمنعها من التعامل مع هذه الكتائب الاجرامية والفاشستية المتطرفة، بحجة " حقوق الانسان" و"الدفاع عن الديمقراطية". فاذا لم يتم وقف هذه الكتائب الفاشستية فإن اي عملية سياسية سيكون مصيرها الفشل، وكل المحادثات والاتفاقات السلمية ستذهب ادراج الرياح. واي سلطة، واي حكومة جديدة يمكن ان تتشكل في اوكرانيا، يتوجب عليها ان تدافع عن السلم الاهلي وعن وحدة البلاد، ضد هذه الكتائب الفاشستية. وهؤلاء الفاشست يعرفون تماما هذه الحقيقة، ولذلك فهم لن يكونوا مطيعين تماما حتى للقوى الخارجية التي تستخدمهم، ولن يقبلوا بالمشاركة في اي حكومة ائتلافية، بل يريدون ان يستولوا على السلطة كليا، وان يقوموا بحمامات الدم ضد القوى الاخرى جميعا بما فيها قوى المعارضة التي تريد الاصلاح وتؤيد وحدة البلاد.

وفي هذا السياق، ادلى النائب عن حزب الاقاليم (الحزب الحاكم بزعامة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش) فاديم كوليسنيتشينكو بتصريح الى صحيفة "روسييسكايا غازيتا" قال فيه انه بالرغم من انسحاب قوات الامن من الساحات العامة، عملا بالاتفاق الذي تم التوصل اليه، فإن المتطرفين الفاشست يقومون باحراق بيوت مؤيدي وحدة اوكرانيا في الاقاليم الغربية حيث تسيطر الاحزاب الموالية للغرب. كما قاموا بمهاجمة القنصلية الروسية في مدينة لفوف في غرب اوكرانيا. وقال ان الاقاليم الغربية تحولت الى ساحة حرب، والمتمردون يمنعون السلطات الشرعية وقوات الامن والجيش من ممارسة مهماتها، ويقومون بالانتقام من اهالي مؤيدي وحدة الدولة.

وردا على سؤال: هل بدأت الحرب في اوكرانيا؟ اجاب كوليسنيتشينكو: وماذا نسمي ذلك؟ انه يجري تنظيم تمرد فاشستي في اوكرانيا بتوجيهات غربية. وانهم يقومون، مدججين بالسلاح، بتنفيذ سيناريو شبيه بالسيناريو الذي نفذ في ليبيا ويتم تنفيذه الان في سوريا. ويمكن التذكير بيوغوسلافيا، حينما حول القناصة ساراييفو الى جحيم. واذا جاء حزب مثل حزب " سفوبودا" الى السلطة فسيتم رفض حتى زعماء المعارضة الحاليين الذين وقعوا الاتفاق، ياتسينيوك وكليتشكو وتياغنيبوك، وسيتم منع اللغة الروسية، وستتجمع وحدات الكتائب الارهابية الفاشستية على الحدود مع روسيا.

وقال انه سيبحث مع زملائه في الاقاليم الشرقية كيف يمكن التعايش مع هذه الكتائب الفاشستية. وانه اذا جاءت الى السلطة الكتائب التي لطخت ايديها بالدماء وخربت الدولة، فإن الاقاليم الشرقية والجنوبية لن تتفاهم مع هذه الكتائب. ودعا الى دراسة الفيديرالية بشكل علمي، والى اعتماد اللامركزية للادارة المحلية، واللامركزية المالية. واجراء استفتاء على ذلك. ولفت إلى انه يعبر عن وجهة نظر الحزب في هذا الموضوع. وقال ان عددا كبيرا من نواب الحزب وحلفائه يدعون قوات الامن والوحدات الخاصة "للقيام بعمليات لمكافحة الارهابيين على كافة الاراضي الاوكرانية بهدف تحديد الكتائب الارهابية المسلحة وابادتها". "والا فإن الحرس الوطني الذي شكلته "الجبهة الاوكرانية" في الاقاليم الشرقية والجنوبية سيأخذ على عاتقه القضاء على كتائب المسلحين الفاشست".
2014-02-24