ارشيف من :آراء وتحليلات
هل باتت أولوية الجزائريين الاستقرار أم الديمقراطية؟
اعتبر الباحث الجامعي والمحلل السياسي الجزائري محمد بغداد ان النخب السياسية في الجزائر، تشعر بنوع من الخطر الداهم، نتيجة الظروف الحرجة والمناطق المضطربة، التي تحيط بها، و في الوقت نفسه، هناك رغبة عارمة وإرادة قوية في المحافظة على الأمن والاستقرار.. وان هذا الامر يصعد الجدل الدائر حول اولويات المرحلة الراهنة .
وقال بغداد في حديث لموقع " العهد " ان للرئيس بوتفليقة الحق كمواطن جزائري في الترشح للرئاسة كغيره من الجزائريين، وفقا للشروط التي يفرضها الدستور وقوانين البلاد، معتبرا ان القرار مرهون بما يختاره الشعب يوم الانتخاب، وهذا من صميم الممارسة الديمقراطية بحسب قوله.
وأضاف بغداد أن هذه الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في شهر نيسان القادم، هي انتخابات عادية، وتجرى في وقتها القانوني، لأن الجزائر منذ سنة 1995 ، وهي تنظم الانتخابات الرئاسية وغيرها من الانتخابات، وفي كل مرة ترتفع مستويات النقاش، بين النخب السياسية، حول تفاصيل وتداعيات هذه الانتخابات، وما يدور من حراك ونقاش هذه الأيام في الجزائر، يندرج في إطار التدرب على الممارسة الديمقراطية، وتعميق جذورها في المجتمع.
أما بشأن تباين الآراء من ترشح الرئيس بوتفليقة، لعهدة رابعة، أجاب: يوجد الكثير من الاحزاب وهيئات المجتمع، التي تسانده في الترشح، إضافة إلى أن عدد الذين قدموا ملفات ترشحهم لرئاسة الجمهورية، قد تجاوز المائة.
تداعيات الترشح
وبخصوص تداعيات هذا الترشح على الحراك الديمقراطي في الجزائر، قال بغداد: إن النقاش الدائر في بلده، فيما يتعلق بترشح الرئيس بوتفليقة، مرتبط بعضه بالوضع الصحي للرئيس، وبقدرته على ممارسة وظائفه، حيث تتباين التقارير الإعلامية، وتتضارب التصريحات السياسية، وهي التصريحات التي تناولت العديد من الملفات الأمنية والمالية، وتشكل المادة الاساسية، لهذا النقاش. وتابع "وبالرغم من تشاؤم البعض، وتردد البعض الأخر في هذا الموضوع، إلا أني اعتقد أنه سيكون، إضافة نوعية للتجربة الديمقراطية، وإن ابتعدت مظاهرها الغربية في التجسيد، إلا أن الرسالة التي تصنعها وتتبناها الأجيال الجديدة لها الكثير من الدلالات، تحتاج إلى مؤسسات قوية لتحليلها، وفهم ابعادها، وتتطلب نخبا راقية تعمل على التجاوب معها".
الاستقرار ام الحراك الديمقراطي
ورداً على سؤال، أجاب بغداد "لا يمكن تصور وجود حياة وممارسة ديمقراطية في بلد معين، دون أمن واستقرار، ولكل بلد أولوياته في كل
مرحلة من المراحل، إلا أن النخب السياسية في الجزائر، تشعر بنوع من الخطر الداهم، نتيجة الظروف الحرجة والمناطق المضطربة، التي تحيط بها. في الوقت نفسه، هناك رغبة عارمة وإرادة قوية في المحافظة على الأمن والاستقرار، وتعميق الممارسة الديمقراطية في البلاد، وهي التجربة التي تتعرض للكثير من الأخطار، في الظروف الراهنة نتيجة عدة هزات عنيفة تمس مفهوم الدولة الوطنية، التي يبدو أنها بدأت تفقد قدرتها على ادارة المجتمع، وهي بحاجة إلى إعادة تفعيل من طرف النخب السياسية والفكرية، المترددة في المرحلة الحالية، نتيجة عدم تعودها على امتلاك أدوات الفهم والتكيف مع الظروف المتغيرة".
والجزائر تمر - بحسب قوله - "بمنعطف خطير، وتجنب تكاليف هذه الاخطار، يتطلب بذل الكثير من الجهود لإحداث التوازن بين ثلاثة أجيال، متواجدة وقائمة اليوم فيها، وهي الأجيال التي تبتعد يومياً المسافة بينها، الأمر الذي يتطلب انجاز مشروع وطني شامل وبسرعة، لأن الدولة الوطنية في صيغتها الكلاسيكية، فشلت في التكيف مع المستجدات، والاستجابة لمتطلبات الأجيال القادمة، والنخب تعيش حالة اضطراب شديدة".
ملف الارهاب
ترشح بوتفليقة لولاية رابعة يأتي في الوقت الذي تجد فيه منطقة المغرب العربي، نفسها على فوهة بركان حقيقي، فمن جهة الجنوب، نجد الساحل الأفريقي المتخم بخط الارهاب الساخن، الممتد من الصومال شرقا، وصولا إلى مالي ومرورا بنيجيريا. ومن جهة الشمال هناك التخوف الاوروبي، الممزوج بالأطماع في ثروات المنطقة، وقد دفع الأوروبيون للجماعات الارهابية، مبالغ مالية خيالية مقابل إطلاق سراح رهائنهم.
أمّا أخطر ما تعانيه المنطقة، فهو الترهل الرهيب للنخب السياسية، والوهن المتقدم في المؤسسات السياسية والاجتماعية، إضافة إلى التدهور الإقتصادي، مما جعلها رهينة التحديات الجديدة، وفي مقدمتها الخطر الارهابي، الذي أصبح يهدد بتدمير دول المنطقة، المصرّة الى الآن على الاعتماد على أسلوب المواجهات العسكرية، التي تكبدها خسائر رهيبة مالية وبشرية، ويجعل الآخرين يستنزفون ثرواتها.
والجماعات الارهابية، تتقوّى يوميا وتتغذي من الأجيال الجديدة، من الشباب المحطم من قبل الانظمة السياسية، العاجزة عن ايجاد الحلول المناسبة لمشاكله. فتستثمرها الجماعات الارهابية لصالحها، وتوسع نشاطاتها يوميا، في مساحات الفراغ التي تتخلى عنها دول المنطقة.
حظوظ المرشحين
وحول حظوظ باقي المرشحين المنافسين للرئيس بوتفليقة في الفوز بـ"عرش المرادية" على غرار رئيسي الوزراء السابقين علي بن فليس ومولود حمروش، قال بغداد "بالنسبة للسيد علي بن فليس، الذي يملك كاريزما مهمة، وحضورا سياسيا كبيرا في الساحة الجزائرية، فقد سبق له أن شارك في الانتخابات الرئاسية الماضية، وقد تمكن من الظفر بحصة لا بأس بها، من التأييد الشعبي، وهو رجل يأتي من داخل النظام السياسي، أين سبق له أن كان مقربا من الرئيس بوتفليقة، كونه مدير حملته الانتخابية الاولى، ورئيس حكومته، وهو اليوم يقدم نفسه من خلال برنامج سياسي، يعتبره هو يحمل مفاتيح الحلول للمشاكل الكبرى، التي تعاني منها الجزائر، وهو يركز في حملته على انتقاد ملفات الفساد المالي والاداري. وفيما يتعلق بفرص النجاح في الوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية، فالأمر سابق لأوانه، والكثير من المعطيات ما تزال غامضة لحد الآن، مما يجعل امكانية الفوز من عدمه سابقة لأوانها، إلا أنه يبقى المرشح الاقوى، الذي بإمكانه أن ينافس الرئيس بوتفليقة، لما يحوزه من قوّة شعبية وسياسية تسانده، وبإمكانها أن تحدث التوازن".
انتخابات شفافة
وحول شفافية هذه الإنتخابات من عدمها، أجاب بغداد "لقد عبرت العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية الجزائرية، عن تحفظها على طريقة تنظيم الانتخابات الرئاسية في الجزائر، خاصة من عدم وجود لجنة مستقلة، تشرف عليها، إلا أن السلطة، سارعت في وضع مجموعة من الآليات التي ترد بها على التشكيك في نزاهة وشفافية الانتخابات، مثل اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، واللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات، وهي لجنة مكوّنة من القضاة، تعطي للانتخابات النزاهة والشفافية، إلا أن الادارة تبقى المشرف المباشر على الانتخابات، وقد حرصت السلطة على اتخاذ اجراءات من أجل ازالة التخوف والتشكيك المتزايد".
وأضاف "إن المشكلة الكبرى التي تواجه الانتخابات، تتمثل في خطر العزوف الانتخابي، المتوقع أن يعرف مستويات عالية هذه المرة، فقد سجلت في الانتخابات السابقة، أرقام كبيرة، مما جعل المواطن لا يشارك في الانتخابات، وهو الأمر الذي سيشكّل التحدي الأكبر للجميع، كما ستراهن على العزوف الانتخابي، الاحزاب السياسية التي طالبت بمقاطعة الانتخابات".