ارشيف من :آراء وتحليلات

حكومة كردستان الجديدة ومخاضات التشكيل العسيرة

حكومة كردستان الجديدة ومخاضات التشكيل العسيرة
يشير تأخر تشكيل حكومة اقليم كردستان، خمسة شهور حتى الان الى وجود ازمة حقيقية وكبيرة وخطيرة في داخل الكيان السياسي الكردي، تتشابه في الكثير من ابعادها وجوانبها ومعالمها وملامحها مع الازمة السياسية المزمنة في العراق، التي ادت الى تأخر تشكيل الحكومة الاتحادية بعد انتخابات 2010 لمدة تسعة شهور، ومن غير الواضح كم يتطلب من الوقت لتشكيل الحكومة المقبلة التي ستفرزها الانتخابات البرلمانية المقبلة في نيسان/ ابريل 2014، ربما يحتاج الفرقاء ـ او الشركاء ـ الى اكثر من تسعة أشهر، ولا سيما ان شيئا جوهريا لم يتغير في واقع المشهد السياسي العراقي خلال الاعوام الاربعة الماضية.

ولعل المهلة التي حددها رئيس الاقليم مسعود البارزاني بنهاية هذا الشهر، للانتهاء من تشكيل الحكومة الجديدة تعكس مدى القلق والاستياء في داخل الاوساط السياسية وفي الشارع الكردي على السواء.

فقبل اكثر من اسبوعين، وتحديدا في العاشر من شباط/فبراير الماضي رفعت ستون منظمة مجتمع مدني كردية مؤلفة تحت عنوان "مبادرة احتجاجات الشعب" دعوى قضائية لدى المحكمة الاتحادية العراقية ضد القيادات الكردية بسبب تأخر تشكيل الحكومة. في ذات الوقت الذي نظمت فيه تظاهرة أمام مبنى برلمان كردستان، وقال ناشطون في تلك المنظمات "إن هذه الأزمة التي تجاوزت حدود المعقول ما زالت قائمة منذ أكثر من أربعة أشهر وأدت الى الإضرار بمصالح الأفراد في المجتمع".

ويتفق كل الفرقاء السياسيين الاكراد على ان تأخر تشكيل الحكومة المحلية في كردستان ينطوي على مخاطر وسلبيات كبيرة، ويطلق رسائل غير طيبة، بيد ان كل طرف يحاول ان يتنصل من مسؤولية التأخير ويلقي بها على الاخر، دون ان يسميه في اغلب الاحيان.


حكومة كردستان الجديدة ومخاضات التشكيل العسيرة

لا شك ان النتائج التي افرزتها انتخابات البرلمان الكردي في الحادي والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر الماضي، مثلت احد ابرز وأهم عوامل تأخير تشكيل الحكومة كل هذا الوقت، لانها اتت على موازين القوى القائمة، ورسمت معادلات سياسية جديدة، فبينما كان الحزبان الكرديان الرئيسيان، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، يمثلان طرفي المعادلة السياسية في الاقليم، وما سواهما عناصر مكملة من خلال اصطفافها في هذا الجانب او ذاك، او بقائها بعيدا عن دائرة الحراك السياسي الفاعل والمؤثر، ازاحت انتخابات ايلول/سبتمبر احد هذين الطرفين ـ وهو الاتحاد الوطني ـ عن القمة، ليحل محله غريمه الجديد الذي ولد من رحمه، المتمثل بحركة التغيير(كوران) بزعامة نوشيروان مصطفى، لكن هذه الاخيرة لم يكن بإمكانها ان تشغل موقع الاتحاد الوطني، ولا كان الاخير مستعدا ان يخضع ويذعن للغة الارقام الانتخابية، ويتجاوز تاريخه النضالي والسياسي الطويل، وعند هذه النقطة بدت الامور معقدة وشائكة الى حد كبير، وبرزت الحاجة الى بناء توافقات بمساحات اوسع من المساحات السابقة، وهذا يعني استحداثا لمناصب جديدة لترضية هذا الطرف او ذاك لا اكثر كما حصل في بغداد، حينما كان خيار الهروب من الطريق التفاوضي المسدود يتم بايجاد وزارات ومواقع عليا جديدة قد لا تكون لها اية ضرورة. ويعني كذلك نقاشا وبحثا وجدالا وسجالا اطول، وهو ما لمسه المراقب واضحا في جانب كبير منه من خلال التحركات المكوكية المتواصلة لرئيس الحكومة المكلف نيجرفان البارزاني، على مختلف الاطراف التي ربما راح البعض منها يرفع سقوف مطالبه وشروطه بقدر اكبر من حجمه ورصيده، مستغلا تعقيدات المشهد، وضغوط الشارع، ومرور الوقت.

واختلال المعادلات السياسية في انتخابات ايلول 2013، وتراجع الاتحاد الوطني وانكفاؤه، لم يأت من فراغ، وانما كان حصيلة تراكمات امتدت لعدة اعوام، مثل خروج نوشيروان مصطفي، الرجل الثاني بعد جلال الطالباني من الاتحاد الوطني في عام 2006 بداية مسيرة التراجع لدى الاخير وان لم يكن ملحوظا اول الامر، بيد ان مشاركة حركة التغيير (كوران) في انتخابات عام 2009 في الاقليم، وحصوله على ثلاثة وعشرين مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان الكردي البالغة مئة مقعد، مثلت منعطفا واضحا في مسيرة تراجع الاتحاد، ليأتي غياب زعيمه الطالباني نهاية عام 2012 عن المشهد السياسي بسبب المرض، وغموض مصيره منذ ذلك الوقت، ليفتح باب التداعي على مصراعيه في كيان ذلك الحزب الذي ابصر النور في عام 1975 بعد فشل الثورة الكردية التي قادها الراحل الملا مصطفى البارزاني، بصفقة بين الحكومة العراقية، ونظام شاه ايران، وبرعاية اميركية رسم خطوطها واشرف على تنفيذها وزير الخارجية الاميركي حينذاك هنري كيسنجر.

غياب الطالباني اربك الاتحاد الوطني، قيادات وقواعد، وانعكس ذلك على قراراته وسياساته، وعلى رصيده الجماهيري وحجمه الانتخابي، واكثر من ذلك اربك بمقدار معين حليفه ـ وخصمه في ذات الوقت ـ الحزب الدميقراطي الكردستاني الذي يرتبط معه باتفاقيات استراتيجية حددتها المعطيات على ارض الواقع منذ عام 1997، وبالتالي فإن تأثيرات ذلك الغياب امتدت الى تشكيل الحكومة، فالمفاوض، او مسؤول هذا الملف ـ نيجرفان البارزاني ـ حينما ذهب الى السليمانية للتحاور مع الساسة هناك، وجد ان عليه ان يتحدث مع كبار قيادات الاتحاد الوطني، التي خولها المكتب السياسي صلاحيات الامين العام خلال فترة غيابه، النائب الاول كوسرت رسول علي، والنائب الثاني برهم صالح، وزوجة الرئيس هيرو احمد، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة كانت لديه رؤيته الخاصة التي يمكن أن تتقاطع مع رؤى الاخرين، علما ان تسريبات من داخل اروقة الاتحاد تؤكد ان الخلافات تفاقمت الى حد كبير بين الثلاثة، بحيث وصلت الى درجة القطيعة. وتؤكد تلك التسريبات "ان الحزب يعاني على مستوى قياداته العليا من صراع إرادات، فمن جهة يتبنى برهم صالح منهج الإصلاح والتجديد، في حين تسعى هيرو احمد الى المحافظة على الوضع الحالي، ويحاول كوسرت رسول علي ان يمسك بمفاصل التأثير والهيمنة والنفوذ كمقدمة لخلافة الطالباني بالكامل".

والمسألة الاخرى في التأخير ترتبط بالتنافس على المواقع المفصلية المهمة، فشركاء الحزب الديمقراطي، يسعون الى ان تكون لكل منهم حصة في تلك المواقع، وهو ما يجعل ارضاءهم جميعا امرا صعبا جدا، في ذات الوقت فإن الحزب الديمقراطي الذي سيدير الحكومة من خلال منصب رئيس الحكومة، يحرص على تشكيل فريق لا يتقاطع مع سياساته وتوجهاته ومنهجياته في ادارة الاقليم، وهذا الامر يتطلب منه ان يرضي حليفه الواقعي ومنافسه التقليدي، الاتحاد الوطني الكردستاني، ويستوعب شريكه الجديد، حركة التغيير ولا يتجاوز الاخرين، مثل الحركة الاسلامية الكردية.

وشرائط التشكيل واستحقاقاته، لا بد ان تنسحب على اداء الحكومة في مرحلة لاحقة، وتؤثر على درجة الانسجام والتجانس بين مكوناتها، وربما نشهد بعضا من مظاهر الاداء الحكومي السلبي والسيئ في بغداد، شاخصا لدى حكومة اربيل المقبلة.

بعبارة اخرى، اغلب الظن ستكون حكومة اربيل المقبلة اقل تماسكا وانسجاما من الحكومات السابقة، وقد تطغى عليها اجواء ضعف ـ ولا نقول انعدام ـ الثقة والتعويق، ولا يستبعد ان تكون تجاذباتها مع السلطة التشريعية كثيرة، ولا سيما ان هناك ملفات عديدة سوف تفرض نفسها على المشهد السياسي الكردي ابرزها ملف "رئاسة الاقليم". وطبيعي ان الخلافات والاختلافات والتقاطعات السياسية لا بد ان تلقي بظلالها على ملفي الامن والخدمات، اللذين على ضوئهما يتحدد مقدار الفشل والنجاح.
2014-03-01