ارشيف من :ترجمات ودراسات

تقويم أميركي لخطاب أوباما في القاهرة: ما قيل وما لم يُقل (2)

تقويم أميركي لخطاب أوباما في القاهرة: ما قيل وما لم يُقل (2)
أخطأ أوباما بعدم إشارته إلى معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية


إن الأمر الأهم كان غياب أي إشارة إلى "العالم الإسلامي"، وتفضيل العبارة "الدول ذات الأكثرية الإسلامية" بدلاً من ذلك


إعداد: علي شهاب
تميز خطاب الرئيس الأميركي باراك اوباما في العاصمة المصرية بكلمات محددة لم يذكرها الرئيس، وبمرجعيات لم يشر إليها، بحسب التقويم الذي وضعه مدير المعهد التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى روبرت ساتلوف. وأفرد ساتلوف النقاط التالية في معرض تقويمه لما لم يقله اوباما في خطابه:
* إن الأمر الأهم كان غياب أي إشارة إلى "العالم الإسلامي"، وتفضيل العبارة الأكثر دقة "الدول ذات الأكثرية الإسلامية" بدلاً من ذلك. إن هذا الاعتراف باستمرارية أولوية الدول ومعارضة ضمنية لهدف الإسلاميين إنشاء خلافة عالمية تقوم بتوحيد جميع المسلمين في كيان واحد يكون فوق السلطة الوطنية، هو خطوة كبيرة إلى الأمام وينبغي الإشادة به.

والآن مع اختفاء مصطلح "العالم الإسلامي" من القاموس، فإن التحسن القادم في النصوص الذي ينبغي على الرئيس أن يتبعه هو التمييز بين دفاعه عن المسلمين ودفاعه عن الإسلام. وفي حين أن لدى حكومة الولايات المتحدة مصلحة قوية في الحفاظ على، وحماية حقوق المسلمين في العيش بحرية وممارسة شعائرهم الدينية، كما فعلت واشنطن في البوسنة والعراق وأماكن أخرى، فإنه لأمر مثبط للهمة بالنسبة لأي رئيس أن يقترح بأن "الشراكة بين أميركا والإسلام يجب أن تستند على ‘ما هو الإسلام‘، وليس على ‘ما هو غير ذلك‘". أولاً، تتشارك الولايات المتحدة مع شعوب وحكومات، وليس مع أديان؛ ثانياً، ينفذ الرئيس دستور الولايات المتحدة، ولا يقوم بتفسير القرآن. لقد أخطأ الرئيس بوش بارتدائه عباءة "الإمام الأعلى" عندما أثنى على بعض المراسم الدينية الإسلامية (مثل الفتاوى ضد العنف) مقابل مراسم لم تلق إعجابه (مثل الفتاوى التي تدعو إلى مقاومة القوات الاميركية في العراق)؛ ويخاطر الرئيس أوباما في الوقوع بالخطأ نفسه باستعماله لغة توحي بوجود علاقة مع الدين، بدلاً من معتنقيه.

* المثير للدهشة، أن الرئيس أوباما لم يشر في خطابه في عاصمة إحدى الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين تعيشان في سلام مع إسرائيل، إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي "احتُفل" هذا العام بالذكرى السنوية الثلاثين لتوقيعها، ولم يشر إلى "الشجاعة والرؤية التي تحلى بها أنور السادات، ولم تكن هناك حتى إشارة إلى دور القيادة الشجاعة باعتبارها عنصراً أساسياً في صنع السلام". لقد كانت هذه فرصة ضائعة، سيحتفل بها البعض كإشارة إلى عداء الإسلاميين تجاه السادات.

* في ما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، تجنب الرئيس بشكل خاص الإعلان عن خطة جديدة لترجمة "مبادرة السلام العربية" إلى عملية تنفيذية، التي من شأنها أن تحفز الدبلوماسية بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال اتخاذ إجراءات والتزامات من قبل الدول العربية. وفي حين أنه وجه نداء هاما إلى الدول العربية لوقف استغلال الصراع مع إسرائيل "من أجل تحويل انظار الأمم العربية عن المشاكل الأخرى"، لا يبدو أنه قام بالضغط في الموضوع أو طلب القيام بعمل واضح وسريع. ويشير الغموض حول هذه المسألة (وبالفعل كان الرئيس غامضاً جداً في هذا الجزء من الخطاب)، بأنه لم يحصل من العاهل السعودي الملك عبد الله على التزامات موضوعية يمكن أن تشكل أساساً لنهج جديد حقاً.

* وأيضاً فيما يتعلق بعملية السلام، انتقد الرئيس النشاط الاستيطاني الإسرائيلي بصورة شديدة، ولكن لم يستخدم منصة القاهرة لتكرار الطلب المحدد لوضع حد لـ"النمو الطبيعي"، الذي هو ربما من أكثر الجوانب إثارة للجدل في السياسة الأميركية حول هذا الموضوع. ليس من الواضح إذا كان ذلك يشير إلى الاستعداد للتعامل مع إسرائيل حول هذه القضية.

* في مناقشته للحرية والتسامح الديني، ضيع الرئيس فرصة لعدم احتفاله بنجاح المسلمين في الهند، موطن ثالث أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم.
عبارات مفعمة بالنتائج

في الوقت الذي يعكف المسؤولون والدبلوماسيون والباحثون على الخطاب للحصول على تلميحات عن السياسات التي لم تأت بعد، هناك مقطعان يستحقان تدقيقا خاصا:

* في القسم المتعلق بعملية السلام، قال أوباما الجملة التالية عن القدس: "يجب علينا جميعاً العمل للوصول إلى اليوم الذي تصبح فيه مدينة القدس وطناً آمناً ودائماً لليهود والمسيحيين والمسلمين، المكان الذي يستطيع فيه جميع أبناء إبراهيم أن يعيشوا معاً بسلام كما جاء في سورة الإسراء، عندما أقام الأنبياء موسى وعيسى ومحمد (سلام الله عليهم) الصلاة معاً". تعبر هذه الجملة لأول وهلة عن رفض موقف إسرائيل بأن معتنقي جميع الأديان يتمتعون حالياً بالحرية والقدرة على الوصول إلى القدس؛ وبسبب تمسكها برؤية قرآنية للقدس، سيتم تفسير هذه الجملة في العواصم الإسلامية بالميل باتجاه نظرة عربية/ إسلامية فيما يتعلق بالوضع النهائي للقدس.

* في المواضيع النووية، أشار أوباما بصورة ضمنية إلى اتهامات الدول العربية حول معايير ازدواجية أميركية في التركيز على طموحات إيران النووية في الوقت الذي تغض النظر عن الأسلحة الإسرائيلية القائمة. وقد استشهد البعض بتصريحات مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية التي صدرت مؤخراً والتي دعت إلى إدراج إسرائيل في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بوصفها علامة على أن إدارة أوباما تعتزم معالجة هذا الموضوع بصورة مباشرة، بطريقة من المؤكد أنها ستثير التوتر مع القدس. إلا أن أوباما قدم رؤية مختلفة في القاهرة، ما يدل على أن التصدي لقدرات إسرائيل النووية يندرج تحت عنوان "التزام أميركا للسعي إلى عالم لا تمتلك فيه أي دولة أسلحة نووية". بإمكان الإسرائيليين العيش بسعادة مع هذا الهدف النبيل والطويل الأمد.

بالمختصر المفيد، يشكل خطاب القاهرة خامسة رسالة رئيسية للرئيس أوباما إلى المسلمين في العالم - بعد خطاب تتويجه، ومقابلته مع قناة العربية في وقت مبكر من هذا العام، وتحياته لمناسبة السنة الإيرانية الجديدة، وخطابه إلى البرلمان التركي ـ وبالرغم من المناقشات حول مضمون هذه التصريحات، لا يمكن لأحد أن يجادل الواقع العملي بأنه أوفى بالتزام شخصي يقضي بجعل "الحوار" مع المسلمين أولوية قصوى. إذا كان هناك أي معنى لعبارة "المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل"، بإمكان الولايات المتحدة أن تتوقع الآن وبحق سماع ورؤية ما سيفعله ويقوله المسلمون ـ قادة وشعوباً ـ رداً على ذلك.
الانتقاد/ العدد 1351 ـ 18 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-18