ارشيف من :نقاط على الحروف
إعلام العدو سلاحه.. وإعلام لبنان نقطة ضعفه
إعلام مجنّد. عبارة تختصر واقع إعلام العدو الاسرائيلي. "تَجَنُّدٌ إعلامي" في خدمة "المصلحة الاسرائيلية العليا" يفضح "صبيانية" الإعلام اللبناني في مقاربة القضايا الكبرى.
سمات عدّة تطبع تعاطي الإعلام الاسرائيلي مع القضايا الحساسة لا سيّما تلك المتعلّقة بالحروب. أبرزها بحسب محرر الشؤون العبرية في تلفزيون المنار حسن حجازي "قضية الالتزام بالرواية الاسرائيلية الرسمية كما هي"، خصوصاً عندما يختص الأمر بالعمليات الأمنية التي لا تتبناها "اسرائيل" بشكل مباشر. ويشير حجازي الى الالتزام المطلق لإعلام العدو بمصلحة كيانه السياسية والعسكرية "فهو يتبنّى الرواية الاسرائيلية للأحداث دون نقاش، فلا يسأل مثلا عن شرعية ضربة اسرائيلية في مكان جغرافي ما".
السمة الأخرى المميزة لإعلام العدو هي "الترويج للعمل العسكري الاسرائيلي، وممارسة الحرب النفسية لرفع معنويات الشارع في الكيان الغاصب، هو جزء من الحرب الاسرائيلية"، يضيف حجازي، موضحاً أن "الإعلام الاسرائيلي هو الأداة الأمثل لجيش العدو لإمرار رسائله الأمنية والعسكرية".
وبعكس ما هو رائج في وسائل الإعلام اللبنانية حيث يتعاطي "المهرّجون"، و"المنجّمون" بقضايا المقاومة والعسكر والأمن القومي، في "اسرائيل" لا يتحدّث في الشؤون العسكرية سوى ذوي الخبرة. والتحليل السياسي يتطلّب التخصص، كلاً في شأنه.
وفيما تغنّي وسائل الإعلام اللبنانية "كلّ على ليلاها"، في ما يتعلّق ببعض المصطلحات الإعلامية التي من المفترض أن تكون موحّدة لا سيّما في حالات الحرب، يلفت توحيد المصطلحات في وسائل إعلام العدو، فتستخدم جميعها مثلاً كلمة " المخربين" أو "الارهابيين" لدى الحديث عن المقاومين في فلسطين او لبنان. كما تستخدم جميعها لفظ "حلال" (أي شهيد) عند الحديث عن الجنود الاسرائيليين القتلى.
أمّا في لبنان، فحدّث ولا حرج عن "فوضى المصطلحات"، التي تخضع لمزاجية كل وسيلة إعلامية. واحدة تسمي الشهيد "قتيلاً" وأخرى ترفعه في أفضل الحالات الى مرتبة "ضحية". فضلاً على اسقاط صفة "العدو" عند ذكر عبارة "الجيش الاسرائيلي"، حتى وصلت سقطات احدى القنوات اللبنانية حد القول "جيش الدفاع الاسرائيلي".
حجازي يشير في سياق حديثه الى "التماسك الملحوظ في الخطاب الإعلامي الاسرائيلي، حيث تحدد الرقابة العسكرية الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها، خصوصاً فيما يتعلّق بالتغطية الإعلامية خلال المعركة"، ويستشهد بواقعتين حصلتا خلال حرب تموز 2006.
الأولى، هي منع وسائل الإعلام من عرض صور أو مشاهد من أرض المعركة من دون المرور على الرقابة العسكرية. وهذا كان يجري عكسه تماماً في وسائل الإعلام اللبنانية، حيث كانت تعرض الصور التي قد تعطي احداثيات يستفيد منها العدو، وتضر بالمقاومة دونما رقابة ذاتية.
أمّا الثانية فتتعلّق بخطابات الامين العام لحزب الله، التي بحسب اعتراف الاسرائيلي كانت خلال الحرب تحقق أهدافاً ايجابية لمصلحة الحزب من خلال اتقانه أسلوب الحرب النفسية وتأثر الشارع "الاسرائيلي" به. ونتيجة لذلك، منعت الرقابة العسكرية الإعلام الاسرائيلي من بث كامل خطابات السيد مباشرة، وطلبت الاكتفاء بأجزاء محددة منها.
"الإعلام الاسرائيلي" يتفوّق كذلك على وسائل الإعلام اللبنانية لجهة الحفاظ على مشاعر أهالي قتلى جيش العدو. فلا يُسمح بذكر اسم القتيل في الجيش الا بعد ابلاغ أهله بالطرق الرسمية، ولو أخذ ابلاغ الأهل أياماً. أما في بلد "الحريّات" لبنان، فإن وسائل الإعلام تتنافس على السرعة في اعلان اسماء الشهداء والضحايا، وحتّى تصوير أشلائهم من دون مراعاة لمشاعر الأهل الذين يتبلّغون نبأ استشهاد أبنائهم عبر شاشة.
"تفلّت" الإعلام اللبناني من أية قيود في حالات السلم كما في الحرب على حدّ سواء، لا يوازية "تفلّت" في أي بلد آخر. ففي فرنسا "أمّ الحريات" و"مدرسة الديمقراطية" شهد الإعلام تضييقاً كبيراً في مرحلة الحرب على مالي، حتّى سمّيت بأنها "حرب بلا صورة". أعداد العسكريين القتلى خلال الحرب لم تكن تذكر على شاشات التلفزة، والصورة لم تنقل سوى المشاهد التي أرادها الحكم في فرنسا، والتي تحفظ ماء وجه هذا البلد، فلم تعرض الشاشات الفرنسية من حرب مالي سوى أفراح الماليين بدخول القوات الفرنسية اليهم. سياسة إعلامية موجّهة أقلّه في أوقات الأزمات، يحلم اللبناني بخوض تجربتها مع إعلامه.
يخلص حجازي الى القول إن أزمة الإعلام اللبناني تكمن في ضياع الهوية، ويضيف "عليهم تحديد العدو من الصديق ليبنوا على ذلك السياسة الإعلامية"، سائلاً "اذا كانوا يعتبرون اسرائيل هي العدو كما يقولون، فأين هو خطابهم الإعلامي؟ وأين توظيفهم للأحداث بما يتلاءم مع هذا القول.