ارشيف من :آراء وتحليلات
جدل في تونس حول جولة خليجية لجمعة
يقوم رئيس الحكومة التونسية المهدي جمعة بداية من الخامس عشر من الشهر الجاري بجولة خليجية ستقوده مبدئيا ووفق ما تم الاعلان عنه إلى السعودية والامارات وعمان والبحرين، وهي مرشحة لتضم دولا أخرى. لكن اللافت إلى حد الآن أن هذه الجولة لا تتضمن دولة قطر وتقتصر فقط على بعض دول مجلس التعاون الخليجي الذين سحبوا سفراءهم من الدوحة.
كما سيزور جمعة بداية الشهر القادم كلاً من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بعد أن وجه له الرئيس الأمريكي باراك أوباما دعوة حملها له وزير الخارجية جون كيري أثناء زيارته الأخيرة لتونس. وكان جمعة استهل عهده بزيارة الجزائر والمغرب تأكيدا على تمسك تونس بفضائها المغاربي وحرصها على تمتين علاقاتها بدول جوارها وخصوصا تلك المنتمية إلى اتحاد المغرب العربي المعَطّل بفعل قضية الصحراء.
ترحيب
واختلفت الآراء كالعادة بشأن هذه الجولة الخليجية، فقد رحبت بها جهات عديدة ورأت ضرورة استثمارها ماليا بما أن البلاد تعيش أزمة اقتصادية تسببت فيها الفوضى التي عرفتها عقب الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي واختيارها لمسار طويل في عملية البناء الديمقراطي تضمن ثلاث مراحل انتقالية. وينتظر هؤلاء من رئيس الحكومة أن يقنع الاماراتيين على وجه الخصوص باستئناف المشاريع الكبرى التي كان من المنتظر أن يشرعوا في إنجازها في تونس على غرار "سما دبي" و"المرفأ المالي" و"مدينة الورد" (أقطاب مالية واستثمارية وعقارية وسياحية ضخمة) و"المدينة الرياضية" (أكاديمية رياضية تتضمن مركبات ضخمة للتنس وملاعب وقاعات رياضة ومسابح) وغيرها والتي تعطلت بفعل ما عاشته البلاد من أوضاع استثنائية.
كما ينتظر هؤلاء من رئيس الحكومة أن يتحصل على هبات مالية تسدد بعض ما تحتاجه البلاد خلال المرحلة القادمة. حيث كان جمعة قد صارح التونسيين خلال حوار تلفزيوني بالوضع الاقتصادي الخطير الذي تعيشه تونس وحدد المبلغ المالي الذي تحتاجه للخروج من أزمتها في انتظار أن يعود الانتاج والتصدير إلى سالف عهده وخاصة أن هناك شبه هدنة اجتماعية بعد أن تراجع نسق الاضرابات الذي عطل الانتاج في أكثر من قطاع حيوي.
ديبلوماسية التسول
المنتقدون لهذه الزيارة رأوا في سلوك رئيس حكومتهم مواصلة لنهج حكومتي الجبالي والعريض أي الاعتماد على الهبات والقروض الخارجية من دون تكثيف الانتاج وإيجاد الحلول التي يعتمد فيها التونسيون على الذات. وقد درج التونسيون على نعت هذا الأسلوب في التعاطي مع الأزمات بـ"ديبلوماسية التسول" التي نشطت بعد الثورة ويخشى أن تعلم التونسيين التواكل وتضعف من سيادتهم أمام الأمم المانحة.
ويدعو هؤلاء المعترضون إلى الاقتصار على مطالبة الدول الصديقة في أقصى الحالات بإعادة جدولة ديونها لتونس نظرا للأوضاع الاستثنائية التي تعيشها والاكتفاء بذلك دون مطالبتها بالهبات. فالاقتصاد التونسي لديه مصادر دخل متنوعة ( الفوسفات، منتج نفطي غير كثيف يحقق الاكتفاء الذاتي، صناعات كيماوية، صناعات غذائية، صناعة النسيج، بعض الصناعات الالكترونية، سياحة، زراعة متطورة، خدمات....) ويكفي أن يتوافر الأمن والاستقرار لينتعش هذا الاقتصاد ويجنب البلاد التداين أو رهن قرارها السيادي لدى البلدان الواهبة للمنح.
تساؤلات
ويتساءل بعض المراقبين عن السبب الكامن وراء عدم تضمين هذه الجولة زيارة لقطر. هل وزارة الخارجية بصدد الاعداد لهذه الزيارة وسيتم الاعلان عنها قريبا ضمن الجولة التي ما زالت مفتوحة لتشمل دولا أخرى؟ أم أن رئيس الحكومة سيستثني الدوحة التي كانت إلى وقت غير بعيد محجا لقادة حركة النهضة ووزرائها كما رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي؟
هل هناك تغيير جذري في السياسة الخارجية التي ميزت تونس مع حركة النهضة والتي اصطفت من خلالها مع تركيا وقطر وقطعت علاقات البلاد العريقة والضاربة في القدم مع دمشق؟ هل سيقع اللجوء إلى السعودية والامارات من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية أسوة بمصر التي تبرع لها هذا الثنائي بمبالغ خيالية؟ وهل المهدي جمعة هو "سيسي تونس" الجديد الذي ينجز انقلابا ناعما على إخوان تونس وعلى حلفائهم في المنطقة؟ جميعها أسئلة تؤرّق الشارع التونسي وينتظر أجوبة شافية عنها قد توضحها زيارة جمعة لقطر وتضمينها في جولته الخليجية وقد يزيدها غموضا استثناؤه للدوحة في هذه الجولة التي "ملأت الدنيا وشغلت الناس".