ارشيف من :آراء وتحليلات
المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية: الى التمديد دُر
تقترب مدّة الأشهر التسعة التي حدّدتها الإدارة الأميركية للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحكومة الإحتلال الإسرائيلي، من الانتهاء في 29 نيسان المقبل. لا اتفاق يلوح في الأفق. أعلنها بنيامين نتنياهو صراحة: لا اتفاق سلام مع الفلسطينيين إن لم يلغِ حق العودة ولم يتضمّن اعترافاً منهم بيهودية "دولة إسرائيل".
بذلت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، عبر وزير خارجيتها جون كيري، جهوداً خارقة. حاولت دفع الطرفين الى التوصّل الى اتفاق تسوية على الحد الأدنى من الملفات العالقة منذ خروج المفاوضات الى العلن في أوسلو عام 1993. عملت على تسويق حلول لملفات شائكة مثل اللاجئين والحدود والاستيطان. المفاوض الفلسطيني لم يعد يملك ما يتنازل عنه، فيما الطرف الإسرائيلي يستغل الحاجة الأميركية لإنجاز السلام، بمحاولة فرض شروطه كاملة ومن دون مواربة.
تقول مصادر فلسطينية مطّلعة على تفاصيل المفاوضات، إن "إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخير يعقّد المفاوضات التي شهدت بعض الإيجابيات أخيراً". يريد نتنياهو من إعلان كهذا إقراراً فلسطينياً، وبالتالي عربياً، بما يعتبره "حق اليهود التاريخي في أرض فلسطين"، وتنازلاً عن حق عودة ملايين الفلسطينيين من الشتات الى أرضهم.
لم يعد في جعبة فريق المفاوضات الفلسطيني أية مكاسب يمكن أن يفرّط بها تسهيلاً لمسار المفاوضات. تقول المصادر: إن المفاوض الفلسطيني بدأ يلمس عدم جدية الإسرائيليين في تسهيل المفاوضات. إعلان نتنياهو الأخير يؤكد عدم جهوزية تل أبيب لتقسيم القدس وترسيم الحدود والاعتراف بدولة فلسطينية قابلة للحياة، وهي الملفات التي يمكن بالاتفاق عليها الخروج بتسوية مقبولة للجميع.
في هذه الأجواء، بدأ الراعي الأميركي يروّج لإمكانية تمديد المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية 9 أشهر إضافية. كانت الإدارة الأميركية حدّدت سقفاً زمنياً مدّته 9 أشهر، للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي انطلقت في 30 تموز 2013، بعدما كانت متوقفة منذ العام 2010. التمديد فرضته الشروط الإسرائيلية الجامدة، وعجز المفاوض الفلسطيني عن التحرّك في المربّع الضيّق المرسوم له.
تقول المصادر إنه من المرجّح أن يُعقد لقاءٌ جديدٌ في العقبة الأردنية يجمع الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية. سيُعقد الاجتماع بعد تاريخ 29 نيسان المقبل، موعد انتهاء مدّة المفاوضات الجارية حالياً، وسيُخصّص لإعادة تقويم المفاوضات ومسارها ونتائجها. فشل اللقاء الذي جمع الملك الأردني عبد الله الثاني بالرئيس الأميريكي باراك أوباما في كاليفورنيا في 14 شباط الماضي، أسّس للقاء الموسّع المرتقب.
تشير المصادر الى أن لقاء عبد الله الثاني ـ أوباما كان غير مريح للأول نظراً للضغوط الهائلة التي مورست عليه. تعرّض الملك الأردني لضغوط أميركية كبيرة تتعلّق بالملفين الفلسطيني والسوري. يريد أوباما من الملك توطين اللاجئين الفلسطينيين ـ أو عدد كبير منهم على الأقل ـ على أراضي المملكة. تربط المصادر بين الضغوط الأميركية على الأردن وحاجة واشنطن لفتح كوّة كبيرة في ملف المفاوضات تسمح بإنجاز التسوية.
أصبح معلوماً أن إدارة أوباما تستعجل تحقيق التسوية في الملف الفلسطيني. يريد الديمقراطيون إنجازاً يدفع قطارهم في مواجهاتهم المقبلة مع الجمهوريين. التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية في حسابات إدارة أوباما، تصيب عصفورين بحجر واحد: استثمار في مواجهة الخصوم داخلياً، وتزخيم مشروع إدارة أوباما في الشرق الأوسط. من هذا المنظار، ترى واشنطن أن الفرصة سانحة اليوم أمام إسرائيل لإنجاز تسوية تصب في مصلحتها وتبقيها الطرف الأقوى في محيطها.
تقول المصادر إن الإدارة الأميركية تراهن على ضعف الجانب الفلسطيني المفاوض، من أجل إنجاز التسوية. في العقل الأميركي أن وجود محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية سيجعل من تحقيق التسوية، ولو المرحلية، أمراً ممكن التحقّق. في مواجهة التعنّت الإسرائيلي المستمر والمتصاعد، لم يُبدِ الجانب الفلسطيني أية ردود فعل تتجاوز التصريح بعدم قبول تمديد فترة المفاوضات يوماً واحداً، فيما التمديد 9 أشهر إضافية أصبح أمراً واقعاً.
على الجهة الأخرى، يبدو بنيامين نتنياهو مستفيداً من الفوضى العربية العامّة بعد "الربيع العربي"، يلعب رئيس الوزراء الإسرائيلي على الخلافات العربية ـ العربية والفلسطينية ـ الفلسطينية، واستطاع لحد الآن فرض معظم رؤيته للمسار المفترض للتسوية وحجم التنازلات المطلوبة من الطرف الآخر في هذا السبيل.
أميركياً، يتفاعل رفْض نتنياهو سلاماً مع الفلسطينيين لا يلغي حق العودة ولا يعترف بيهودية "إسرائيل" كدولة. من المرجّح أن ترتفع حدّة السجالات القائمة بين إدارة أوباما ونتنياهو وأعضاء من حكومته، حول هذا الأمر. تتزايد في واشنطن الأصوات التي تتهم نتنياهو بعرقلة جهود الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط. بالطبع لا تؤسّس هذه الأصوات لمشكلة كبيرة بين الحليفين التاريخيَّين. أساساً، مَن يتطرّق لهذا الموضوع داخل مطبخ القرار الأميركي، يقاربه من زاوية حرص أميركا على إسرائيل وتفوّقها في المنطقة.
عقّد إعلان نتنياهو الأخير المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية التي تعوّل عليها إدارة أوباما لتحقيق إنجاز يرفد مشروعها في الشرق الأوسط. هبطت أسهم هذا الإنجاز الى أدنى مستوياتها. دخل ملف المفاوضات في متاهة التمديد. ومعه، دخل أمل أوباما بحل نهائي للملف، في غيبوبة طويلة.