ارشيف من :آراء وتحليلات
ما هي الآثار القانونية لقطع واشنطن علاقاتها مع دمشق؟
على عكس ما هو الحال لدى بناء العلاقات الدبلوماسية بين الدول لا يتطلب قطع هذه العلاقات وإنهاء مهمة البعثة الدبلوماسية، الرضى والاتفاق بين الأطراف المعنية. فقطع العلاقات الدبلوماسية يتم من طرف واحد يعبر عن ارادته، دون اتفاق مسبق كما في حالة بناء العلاقات، وهو عمل غير ودي قد يؤدي إلى توتير نظام العلاقات الدولية.
منذ بداية الأزمة السورية، لم تترك الولايات المتحدة الاميركية، طريقة للتدخل في الشؤون السورية الا واستخدمتها. ولطالما خرقت الإدارة الاميركية سيادة سوريا، عبر دعم المسلحين من الناحية العسكرية تارةً وتارة أخرى عبر دعمهم سياسياً. ووصلت الأمور بواشنطن، إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، علماً أنها لطالما انتهكت هذه العلاقات عبر سفيرها السابق روبرت فورد، الذي قام في اكثر من مناسبة بالتحريض على العنف ضد الدولة.
لقد قررت الولايات المتحدة إغلاق السفارة السورية في واشنطن والمطالبة برحيل العاملين الأجانب وغير الديبلوماسيين عنها، وذلك باستثناء مواطني الولايات المتحدة ومن لهم الحق في الإقامة الدائمة على أراضيها.
إن أسباب قطع العلاقات الدبلوماسية تكون في أغلب الأحيان سياسية بامتياز وليست قانونية، وهذا ما حصل مع البعثة السورية التي أوقفتها الإدارة الأميركية، علماً أنها لم تخرق القانون الاميركي ولا القانون الدبلوماسي، بل بسبب الأزمة الحاصلة في سوريا وهذا ما أكدته الخارجية الاميركية ذاتها.
د. علي الشامي: " الدبلوماسية هي علم وفن إدارة العلاقات بين الأشخاص الدوليين، وهي مهنة الممثلين الدبلوماسيين، أو الوظيفة التي يمارسها الدبلوماسيون، وميدان هذه الوظيفة هو العلاقات الخارجية للدول والأمم والشعوب". |
لا شك أن الدولة حرة في قطع العلاقات الدبلوماسية الاخرى وفق ما تراه سياستها ومصالحها ـ هذا ما ينص عليه القانون الدبلوماسي ويشير اليه فقهاء القانون ـ إلا أنها ملزمة بتطبيق قواعد هذا القطع من خلال احترام البعثة وحماية مقراتها واعضاءها ومصالح الدولة الاخرى.
وإن كانت اتفاقية فيينا 1961 التي تنظم العلاقات الدبلوماسية، لم تشمل تفاصيل قطع العلاقات الدبلوماسية، إلا انها وضعت القواعد الواجب احترامها عند قطع هذه العلاقات وطرد البعثة، لجهة احترام وحماية وحراسة مقر البعثة وأموالها ومحفوظاتها بالإضافة الى حماية مصالح الدولة المعتمدة ومصالح رعاياها.
ووفق ما تقدم، فيتوجب على الإدارة الأميركية التالي:
أولاً: حماية البعثة السورية كما ينص عليه القانون الدبلوماسي، فقد أكدت اتفاقية فيينا على هذه الحماية في المادة 45 التي نصت على أنه "في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين ـ أو إذا ما استدعيت بعثة بصفة نهائية أو بصفة وقتية : تلتزم الدولة المعتمد لديها حتى في حالة نزاع مسلّح أن تحترم وتحمي مباني البعثة – وكذلك منقولاتها ومحفوظاتها .
وأكدت المادة 22 أن "مباني البعثة تتمتع بالحرمة. وليس لممثلي الحكومة المعتمد لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة. على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحطّ من كرامتها".
ثانياً: حماية محفوظات البعثة الدبلوماسية ومراسلاتها، حيث تؤكد المادة 24 على أنه "لمحفوظات ووثائق البعثة حرمتها في كل وقت وأينما كانت"، وتنص المادة 27 على حفظ مراسلات البعثة وكذلك محفوظاتها.
ثالثاً: على السلطات الأميركية، حماية رئيس البعثة واعضاءها، حيث تقول المادة 29 ان "لشخص الممثل الدبلوماسي حرمة ـ فلا يجوز بأي شكل القبض عليه أو حجزه ـ وعلى الدولة المعتمد لديها أن تعامله بالاحترام اللازم له، وعليها أن تتخذ كافة الوسائل المعقولة لمنع الاعتداء على شخصه أو على حريته أو على اعتباره". يتمتع المسكن الخاص للمثل الدبلوماسي بنفس الحرمة والحماية اللتين تتمتع بهما مباني البعثة وتشمل الحرمة مستنداته ومراسلاته – وكذلك أيضاً متعلقات الممثل الدبلوماسي بحسب المادة 30 من الاتفاقية.
شارل كالفو: " الدبلوماسية هي علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول
الناتجة عن المصالح المتبادلة، وعن مبادئ القانون الدولي العام ونصوص
المعاهدات والاتفاقيات". |
خامساً: يحق لسوريا ان تعهد لدولة اخرى صديقة ان ترعى مصالحها في واشنطن، فالمادة مادة 46 تشير الى انه إذا وافقت الدولة المعتمد لديها على طلب دولة ثالثة ليست ممّثلة لديها تقوم دولة معتمدة لدى الدولة الأولى بتولي الحماية المؤقتة لمصالح الدولة الثالثة ومصالح مواطنيها، ويجوز للدولة المعتمدة أن تعهد بحماية مصالحها ومصالح مواطنيها إلى دولة ثالثة توافق عليها الدولة المعتمد لديها.
إن القرار الأميركي بإنهاء عمل البعثة السورية في واشنطن، يؤدي دون أدنى شك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، بين دمشق وواشنطن، ويوتر الأزمة القائمة في سوريا، كما يؤدي إلى توتير نظم العلاقات الدولية. ومن الواضح أن هذا القرار ليس له اي مسوغ قانوني، وناتج عن قرار سياسي هدفه الضغط على سوريا ليس إلا، وفي خطوة دعم للمعارضة السورية التي باتت تنتظر أي خطوات يمكن أن تعطيها معنويات، إلا أنه يولد اثار قانونية على الإدارة الأميركية، ويحتم عليها احترام الاصول والاعراف الدبلوماسية، وفي حال عدم احترامها لهذه الاصول يحق للدولة السورية رفع دعوى ضدها الى الأجهزة الدولية المختصة في هذه الخروقات خاصة أن سوريا تعتبر عضواً في الأمم المتحدة.