ارشيف من :آراء وتحليلات

توتر شديد في العلاقات بين روسيا والسلطة الانقلابية الأوكرانية

توتر شديد في العلاقات بين روسيا والسلطة الانقلابية الأوكرانية

بعد ايام معدودة على الاستفتاء الذي جرى في القرم واعلان اعادة توحيد شبه الجزيرة مع روسيا، بدأ التوتر يتفاقم بسرعة بين موسكو والسلطة الانقلابية في كييف.


وبعد اجراء الاستفتاء، ونجاحه نجاحا باهرا بالرغم من اعتراضات الفاشست الاوكرانيين وجميع الدول الغربية وعلى رأسها اميركا، بدأت قوات الدفاع الذاتي المشكلة حديثا في القرم في السيطرة على القواعد العسكرية الاوكرانية، البرية والبحرية والجوية، المتموضعة في شبه جزيرة القرم. وتمت السيطرة على المزيد من السفن الحربية الاوكرانية التي انزلت العلم الاوكراني ورفعت مكانه العلم الروسي وعلم اسطول البحر الاسود الحربي الروسي. وتقول وكالة الاسوشيتد برس انه لدى سيطرة قوات الدفاع الذاتي على السفينة الحربية الاوكرانية "خميلينتسكي" جرى اطلاق نار، ولكنه لم يبلغ عن وقوع اصابات، كما افاد مصور الوكالة الذي كان موجودا هناك.

واستمر التوتر شديدا جدا، بالرغم من الافراج عن قائد الاسطول الحربي الاوكراني سيرغيي غايدوك الذي اعتقلته قوات الدفاع الذاتي في القرم لبعض الوقت الى جانب سبعة من الضباط المؤيدين للسلطات الانقلابية في كييف. وكان المدعي العام في القرم وجه تهمة الى غايدوك بأنه اعطى تعليمات لمجموعات مسلحة آتية من كييف باستخدام السلاح ضد المواطنين العزل. وفي المساء وجه وزير الدفاع الروسي سيرغيي شويغو نداء الى سلطات جمهورية القرم بالافراج عن غايدوك. وقال شويغو ان الاميرال غايدوك كان ملزما بتنفيذ الاوامر الصادرة اليه من قيادته في كييف. وقد وقع 3500 عسكري اوكراني في سيباستوبول تعهدا ان يستمروا في خدمتهم في الجيش الروسي، حسبما اعلن نائب رئيس لجنة الدفاع الشعبي في سيباستوبول سيرغيي توتويف، كما نقلت عنه وكالة ايتار ـ تاس. وقد حصل كل من هؤلاء على مبلغ 2000 غريفنا، وهو ما يساوي متوسط الاجر الشهري في الجيش الاوكراني. اما الذين رغبوا في مغادرة القرم، فقد دفع لهم مبلغ اضافي 4000 غريفنا وكذلك نفقات الانتقال للعودة الى حيث يقصدون. واعلن توتويف انه لم تحدد مهلة مغادرة للذين ارادوا العودة الى اوكرانيا، كما انه لم يمنع عليهم نقل ممتلكاتهم الشخصية. وفي الوقت ذاته اصدر الرئيس بوتين مرسوما، ينص على ان العسكريين الاوكرانيين الذين يرغبون في الانضمام الى القوات المسلحة الروسية، يتم الاعتراف لهم برتبهم وشهاداتهم العسكرية.

وبعد الاستيلاء على مبنى قيادة الاسطول العسكري الاوكراني ونزع الرموز الاوكرانية عنها، ورفع الاعلام الروسية واعلام اسطول البحر الاسود الروسي، وصل قائد اسطول البحر الاسود الروسي الاميرال الكسندر فيتكو، واجتمع مع قائد الاسطول الاوكراني المعتقل سيرغيي خايدوك لمدة 15 دقيقة ثم خرج برفقة ضابط روسي، بدون ان يدلي اي منهما بأي تصريح. واعلنت وكالة ايتار ـ تاس انه في اعقاب ذلك خرج 30 جنديا بحريا اوكرانيا حاملين اغراضا ووثائق، وغادروا منطقة قيادة الاسطول الحربي الاوكراني بدون اي عائق والتقوا مع اقاربهم عند بوابة القاعدة. وبعد ذلك خرج الاميرال خايدوك برفقة حوالى 50 ضابطا، يحملون اغراضا شخصية ووثائق. وغادر الاميرال خايدوك في سيارة معتمة الزجاج وذات لوحة اوكرانية. واكدت رويترز ان العسكريين الاوكرانيين الاوائل الذين غادروا مركز القيادة الاوكرانية في سيباستوبول لم يكونوا مسلحين وكانوا في ثياب مدنية.

وبالتزامن مع احداث سيباستوبول قامت وحدات الدفاع الذاتي الموالية لروسيا بالسيطرة على القاعدة الاوكرانية في نوفوزيورنويه في القسم الغربي من القرم، كما اذاعت وكالة الصحافة الفرنسية. وغادر هذه القاعدة حوالى 50 عسكريا اوكرانيا، فيما رفعت وحدات الدفاع الذاتي العلم الروسي فوق القاعدة. وابلغ نائب آمر القاعدة بالتلفون لوكالة الصحافة الفرنسية ان وحدات الدفاع الذاتي الموالية لروسيا دخلت القاعدة يتقدمها نساء واطفال. ومع ان الجنود الاوكرانيين كانوا مسلحين الا انهم لم يبدوا مقاومة. "ولم يصب احد بأي اذى".
كما اذاع قائد الاسطول الاوكراني المعزول سيرغيي غايدوك ان 38 قاعدة عسكرية اوكرانية في القرم تم اقتحامها.

واعلن دميتريي بسكوف، الناطق بلسان الرئيس الروسي بوتين، ان العسكريين الاوكرانيين في القرم عليهم ان يختاروا بين ان ينضموا الى جيش القرم، الذي اصبح جزءا من الجيش الروسي، او ان يغادروا شبه الجزيرة. وذكـّر بسكوف ان الرئيس بوتين في النداء الاخير الذي وجهه ذكر انه يوجد في القرم اكثر من 20 الف عسكري اوكراني. "وقسم منهم انضم الى جانب القرم وهؤلاء هم الان جزء من روسيا. وقسم آخر لا يزال محجوزا في وحداته السابقة، وقسم ثالث هو محاصر من قبل وحدات الدفاع الذاتي في القرم. والبعض ما زالوا في الداخل، ينتظرون بعض الاوامر. وهم الان لا يدرون اين هو الوطن، وماذا يجري"، حسب قول بسكوف. وهو يضيف انه تجري الان في القرم بعض الاستفزازات ضد الوحدات الموالية لروسيا، من اجل استثارة صدام.

وتتضارب الانباء حول ما جرى خلال الاسبوع المنصرم في سيمفروبول عاصمة القرم، حيث وقع اطلاق نار وسقط قتيلان.
وفي البيان الذي اصدرته ميليشيا (البوليس) القرم والذي نقلته وكالة ايتار ـ تاس، جاء فيه ان قناصا اطلق النار وقتل مقاتلا في وحدات الدفاع الذاتي للقرم وجنديا اوكرانيا. كما جُرح اثنان آخران، هما ايضا مقاتل في وحدات الدفاع الذاتي وجندي اوكراني. وحسبما جاء في بيان الميليشيا فقد تم اطلاق النار من نقطة واحدة في اتجاهين مختلفين. وحدث اطلاق النار من نافذة بناء غير مكتمل بالقرب من موقع وحدة عسكرية. وجرى اطلاق النار على اعضاء وحدات الدفاع الذاتي الذين كانوا يتحققون من بلاغ بأنه يوجد في البناء المذكور اشخاص مسلحون، وفي الوقت ذاته اطلقت النار على الوحدة العسكرية الاوكرانية القريبة. وكان ذلك بمثابة استفزاز مبيت لاجل زعزعة الوضع في سيمفيروبول في يوم التوقيع على اتفاق "توحيد القرم مع روسيا".

في حين ادعت وزارة الدفاع الانقلابية الاوكرانية، كما نقلت عنها وكالة رويترز، انه جرى في سيمفيروبول مهاجمة القاعدة العسكرية الاوكرانية حيث قتل الرقيب س. كاكورين، الذي كان في الحراسة على برج المراقبة في القاعدة. وزعمت ان المهاجمين كانوا يرتدون الزي العسكري الروسي.
وتعليقا على ذلك اعلن رئيس الوزراء الاوكراني الانقلابي ارسيني ياتسينيوك ان النزاع مع روسيا انتقل الى المستوى العسكري، ودعا الى عقد اجتماع للجنة التي تشارك فيها اميركا وبريطانيا وروسيا لبحث هذه المسألة.
وقال الرئيس المؤقت الاوكراني الانقلابي الكسندر تورتشينوف "ان اوكرانيا والعالم المتمدن لن يعترفا ابدا بضم الاراضي الاوكرانية" الى روسيا.
وفي الوقت ذاته اعلنت السلطات الانقلابية في كييف انها ستقاتل لاجل "تحرير" شبه جزيرة القرم و"لن تعترف ابدا بضمها من قبل موسكو". واعلنت ان شبه الجزيرة هي "ارض اوكرانية محتلة موقتا".

توتر شديد في العلاقات بين روسيا والسلطة الانقلابية الأوكرانية

وفي خضم الحمى الفاشستية المستفحلة في كييف، طرح بعض النواب العنصريين في مجلس النواب الاوكراني مسألة اعتماد نظام التأشيرات (الفيز) للسفر بين البلدين. ولكن الاوساط الانقلابية الحاكمة اعلنت انها لن تتعجل الان في طرح مسألة تطبيق نظام التأشيرات (الفيز) بين البلدين، وخاصة ان الاحصاءات أكدت ان اكثر من ثلاثة ملايين مواطن اوكراني سافروا للعمل في روسيا سنة 2013، ومن جهة ثانية فإن غالبية المواطنين الروس الذين كانوا يأتون الى اوكرانيا انما كانوا يأتون للسياحة في شبه جزيرة القرم بالذات التي انضمت الان الى روسيا. وبالتالي فإن تطبيق نظام الفيز بين البلدين سيحمل خسائر فادحة لاوكرانيا ذاتها، وسيكون لمصلحة روسيا، وسيؤدي الى زيادة الاضطرابات الاجتماعية الناشئة عن الغلاء والبطالة في اوكرانيا. وقد أجل مجلس الامن القومي والدفاع الاوكراني النظر في هذه المسألة.

ومن جهته فإن بطل الملاكمة العالمي السابق فيتالي كليتشكو، زعيم الحزب المعارض "أودر"، والمرشح للرئاسة في الانتخابات القادمة في 25 ايار، دعا الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين اوكرانيا وروسيا.
وقد اعلنت روسيا انها ستكثف حضورها العسكري في القرم، للدفاع ضد "التهديدات الخارجية". وفي هذا الصدد صرح نائب وزير الدفاع الروسي يوري بوريسوف انه "من الضروري ان نطور البنية التحتية العسكرية في شبه الجزيرة، حتى تمثل بجدارة الفيديرالية الروسية، وحتى يمكن الدفاع عنها ضد اي اعتداءات".

ولم يذكر بوريسوف اية تفاصيل، ولكن الخبراء يقولون ان تقوية الحضور العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم سينطلق من توحيد المواقع والوحدات الروسية، الخاصة باسطول البحر الاسود الروسي، مع القواعد الاوكرانية التي اصبحت الان تحت سيطرة العسكريين الذين انضموا الى الجيش الروسي.

ويضم الاسطول الروسي الان 40 سفينة، 28 منها في الخدمة الفعالة، اما الباقي فيجري العمل على تحديثها.
وفي 19 اذار في منتصف الليل بالتوقيت الروسي، أغلقت روسيا الحدود تماما في بعض الامكنة، ومنعت دخول الشاحنات الاوكرانية، وصعّبت الى حد كبير في امكنة اخرى امكانية دخول البضائع الاوكرانية الى روسيا، مبررة ذلك بإجراءات مكافحة التهريب ولا سيما تهريب الاسلحة. وتكدست الكميونات الاوكرانية على الحدود على طول كيلومترات. وفي وقت متأخر ادلى الناطق باسم الجمارك الروسية دميتريي كوتيكوف، بتصريح نقلته وكالة ايتار ـ تاس، نفى فيه منع البضائع الاوكرانية من دخول روسيا، وأكد ان السلطات الروسية انما اخذت تتشدد في اجراءات التحقق من طبيعة السلع الاوكرانية بسبب احتمالات التهريب، ولا سيما تهريب السلاح. وانه لا يجري التحقق من حمولات جميع الكمبيونات بل المشكوك فيها فقط.
ومن جهة ثانية اعلنت سلطات القرم انها تستعد لتأميم اكثر من 130 مؤسسة من البنية التحتية السياحية، تملكها الدولة الاوكرانية. وجاء ذلك على لسان وزيرة المنتجعات في القرم إيلينا يورتشينكو كما نقلت عنها وكالة انترفاكس. ولكنه لن يجري تأميم المؤسسات السياحية التي هي ملكية خاصة لمواطنين اوكرانيين. كما سيجري تأميم جميع ممتلكات الدولة الاوكرانية على اراضي القرم، بما في ذلك شركات النفط والغاز واسطول البحر الاسود الاوكراني في سيباستوبول. وسيعتمد القرم على امكانياته الذاتية في انتاج واستهلاك الغاز، اما فيما يتعلق بالطاقة الكهربائية فلا يزال يعتمد على التوريدات من اوكرانيا، الا ان رئيس الحكومة اكسيونوف قال ان القرم يدفع كل متوجبات الطاقة الكهربائية للموردين الاوكرانيين وليس عليه اي دين، واذا حاولت الحكومة الانقلابية الاوكرانية قطع الكهرباء فسيعتبر ذلك تخريبا. ولكن في كل الاحوال فإن القرم هيأ 900 مولد كهرباء على الديزل تحسبا لجميع الاحتمالات.

وفي هذا الوقت صادق مجلس النواب الروسي بهيئتيه العادية والعليا (الفيديرالية) على المراسيم المتعلقة باتفاق توحيد شبه جزيرة القرم ومدينة سيباستوبول التي تتمتع بوضع اداري مستقل، وهو الاتفاق الذي كان قد تم توقيعه في 18 اذار الجاري في الكرملين من قبل الرئيس بوتين ورئيس مجلس الدولة في القرم فلاديمير كونستانتينوف، ورئيس وزراء القرم سيرغيي اكسيونوف، ومحافظ سيباستوبول الكسيي تشاليي. ويدخل الاتفاق في العمل من لحظة توقيعه. وقد صوت مجلس النواب الروسي على الاتفاق وحصل على 445 صوتا "مع" وعلى صوت واحد "ضد". ولم يمتنع احد عن التصويت.
وبموجب الاتفاق فإن المواطنين الاوكرانيين والمقيمين بدون هوية في شبه جزيرة القرم، حتى تاريخ 18 اذار 2014، يعتبرون من هذا التاريخ مواطنين للفيديرالية الروسية. والذين لا يرغبون في الحصول على الجنسية الروسية، لديهم مهلة شهر للاعلان عن ذلك. واللغات الرسمية في القرم ستكون: الروسية، والاوكرانية، والتتارية ـ القرمية.
ومن المتوقع انه حتى سنة 2015 فإن الضرائب التي يتم تحصيلها في القرم ستدخل في ميزانيته كما في السابق. كما ستقدم روسيا دعما ماليا للقرم وسيباستوبول بالتطابق مع قانون الميزانية الفيديرالية لسنة 2014، وبرنامج الميزانية لسنتي 2015 و 2016.
وستكون المرحلة من الان حتى 1 كانون الثاني 2015 بمثابة مرحلة انتقالية يتم فيها تكييف القوانين ومؤسسات الدولة في القرم وسيباستوبول لتتطابق مع القوانين والمؤسسات الروسية. وخلال هذه المرحلة الانتقالية سيجري تسوية تنفيذ الالتزامات العسكرية والخدمة العسكرية على ارض القرم وسيباستوبول. وحتى انقضاء هذه المرحلة فإن المجندين في الخدمة العسكرية سينفذون خدمتهم على اراضي القرم.
وستجري الانتخابات للهيئات التشريعية والتنفيذية في القرم وسيباستوبول يوم الاحد الثاني من شهر ايلول 2015. وحتى ذلك التاريخ فإن السلطة ستكون في عهدة مجلس الدولة ـ اي برلمان القرم وحكومة القرم، وكذلك المجلس التشريعي المنتخب في سيباستوبول.
2014-03-24