ارشيف من :نقاط على الحروف
جعجع يطلق حملته الانتخابية: نحو الجمهوريّة
تظلّل هالة حزب الله خطاب فريق الرّابع عشر من آذار منذ فترة طويلة. وكلّما خطب أو صرّح أو تحاور قطب من أقطاب هؤلاء تحدّث عن "ضرورة انسحاب الحزب من سوريا، وتحميله مسؤوليّة التّفجيرات"، لينضمّ الآذاريون إلى بروباغندا الحرب المعلنة وغير المعلنة على شتّى الجبهات ضدّ حزب الله.
استضاف الإعلامي جورج صليبي ليل أمس رئيس حزب القوّات سمير جعجع في برنامج "الأسبوع في ساعة". على امتداد حوالي الساعة والنّصف، قدّم جعجع نفسه مرشحاً لقيادة "الجمهوريّة"، في إطار يشعر المشاهد بأنّه أمام أحد مفكّري الثّورة الفرنسيّة. تميّز اللّقاء بنبرة هادئة نسبياً سيطرت على خطاب الضّيف السّاعي لعودة حزب الله إلى كنف "الشّرعيّة"، مميّزاً بين جناحيّ الحزب، بقوله "نريد سحب الجناح العسكري والأمني لحزب الله من لبنان"، في دعوة واضحة لتحليق المقاومة بجناح واحد.
أفرد صليبي المحور الأوّل بكامله للحوار حول "طاولة الحوار". ظلّلت الحائط صورة الأعلام اللّبنانيّة ومناصري القوّات وفريق 14 آذار، في حين علتها عبارة "نحو الجمهوريّة". إذاً هي اطلاق للحملة الانتخابيّة ، وهو أمرٌ لم يخفه صليبي في مقدّمته لدى كلامه عن تلّة معراب، وبعبدا، وعن العراقيل أمام وصول جعجع إلى سدّة الرّئاسة، في حين شغل الاستحقاق الرّئاسي الحيّز الأكبر من المقابلة مع مرشّح "غير مستتر".
"لا لزوم للمشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، طالما أن حزب الله لن يشارك فيه" صرّح جعجع، لأنّه يرى أنّ حزب الله ليس جدياً في الحوار، وغير جاهز له.
فالحوار "إضاعة وقت الجمهور والجمهوريّة والشّعب". "مرشّح الجمهوريّة " يعتبر أنّه من الضّروريّ إنجاز التّحوّلات الجذريّة المتمدّنة والمدنيّة (شعار الجمهوريّة الفرنسيّ الشّهير)، مصوّراً الحزب على أنّه ميليشيا لا يمكن محاورتها، ولا تقوم قائمة لدولة أو جمهوريّة بوجودها.
بالنّسبة لجعجع دخول الحزب سوريا وحمله السّلاح المقاوم ينتهك السّيادة اللّبنانيّة، ولكن منذ الاستقلال حتّى تولّي حزب الله وحده تقريباً زمام المقاومة في الجنوب، أي منذ عام 1943 لغاية عام 1990، 47 عاماً مرّت فما الذّي منع قيام جمهوريّة القوات الفاضلة؟
ولدى سؤاله عن المعادلة الذّهبيّة "الجيش، الشّعب، المقاومة"، بدا جعجع كأنّه أحد طافري مصر (بالإذن من الصّحافيّة نوّارة نجم) المتململين من "كلام السّتينات"، متسائلاً: "بعدو بالثّلاثيّة؟" فهل أوجد جعجع وفريقه بديلاً جديداً "مودرن" وأكثر فعاليّة" قادراً على حماية الانتصارين (2000 و 2006)؟ جعجع نفسه صرّح أنّ المجتمع اللّبناني، والسّياسيين، والحكومات المتعاقبة، والدّولة والشّعب (ثلاثيّة السيّد نصر الله حاضرة) دعمت وساندت المقاومة "بإرادتها أو غصباً عنها"؟ فهل كان التّحرير ليتحقّق لو ترك الخيار لبعضهم؟
وقد اقتضت متطلّبات المرحلة اللّغويّة منها والأمنيّة من جعجع التّحصّن بالبراغماتيّة (تغيير المعادلة الخشبيّة) التّي سيستبدلها بـ "الحلم" فيما يتعلّق بـ "عدم الاعتراف" بالتأثير الإيراني على لبنان، لأنّ "كلّ شيء يبدأ بحلم".
طلب جعجع من حزب الله سلّة شروط تبدأ بإعلان بعبدا، وترسيم الحدود مع سوريا، وقد لا تنتهي بتسليم الحزب السّلاح. التّركيز المستمر على سلاح الحزب، يوحي بعدم الاكتراث للسياقات التّاريخيّة، الفكريّة، والاجتماعيّة لجمهور المقاومة بدءًا من مؤمني الحزب وصولاً إلى ملحدي اليسار في هذا المحور المقاوم المتنوّع.
وعليه لا يمكن لأحد إنكار عدّة حقائق منها أنّ مدنيّة هوغو ومونتيسكيو أغرقتها عنصريّة لو بان ورعونة أولاّند المتورّط في الدّم السّوريّ حتّى النّخاع، وأنّ مدنيّة جورج واشنطن، وبنيامين فرانكلين غارقة في وحول الدّم على امتداد البسيطة. فبأيّ جمهوريّة، بأيّ مدنيّة، يبشّر جعجع؟ هل هي العودة إلى "سويسرا الشّرق، وقوّة لبنان في ضعفه"؟
يؤكّد جعجع "لا نطالب بانسحاب حزب الله من سوريا فقط بل نريد سحب الجناح العسكري والأمني لحزب الله من لبنان، فمن ينهي الجماعات التكفيرية في سوريا هم السوريون بأنفسهم" في استعادة لكلام سعد الحريري حول طرد السّوريين المتوقّع للتكفيريين.
نبيّ بشرّي المختار، على طريقة جبران، رفض محاولة ربط الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله "حركته بتاريخ جبل عامل ": هذا ليس صحيحاً وأنا بكل وضوح مع تاريخ جبل عامل وهناك تشابه مع تاريخ جبل لبنان". فعن أيّ تاريخ يتحدّث جعجع في وطن لا يقرأ أبناؤه في كتاب واحد للتاريخ؟ عن أيّ تاريخ؟ ذاك المكتوب بحبر 17 أيّار، وبارود "الكنتونات" والتّقسيم، أمّ التّاريخ المكتوب بمداد الدّم العامليّ الذّي روى الأرض حتّى أزهر الصخر؟ وهل لعاملة تاريخ إلاّ بسلاح توجّه حيناً إلى صدر العثماني، وآخر إلى صدر الفرنسي، قبل أن يستقرّ في صدر الصّهيوني ويفقأ عين جبروته؟
اعتبر جعجع أنّ الخطة الأمنية الموضوعة من قبل الحكومة "إذا نفذّت جدياً سنتخلّص من بؤرة في الشّمال، ولننتظر الأيام القادمة والقرار قد اتخذ"، متسائلاً عن تقييد حركة معارضي النّظام، في ظل تسهيل حركة مؤيّديه على الحدود، في معرض إجابته عن الثّورة السنيّة (زلّة لسان) أي الثّورة السّوريّة.
وقد أكّد جعجع أنّ المجموعات المسلّحة خرجت من سجون النّظام والعراق، كأنّه لم يشاهد أبداً صور "جهاديي" أوروبا التّي أتخمت شاشات الصّحف والتّلفزة.
وتساءل جعجع مجدداً: "لمّا كنّا مع الحرب على الإرهاب وين كانوا؟"، فعن أيّ حرب يتحدّث؟ الحرب المستمرّة على الطّريقة الأميركيّة ضدّ حزب الله والمقاومة الفلسطينيّة؟ أم مكافحة إرهاب شباب كليّة العلوم ضدّ الصّهاينة أثناء توغّل جيش العدو في بيروت (حزيران 1982)؟
يؤكّد جعجع أنّ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري قام بتزكيته، وأنّه بحسب استطلاعات الرّأي يمثّل الغالبيّة المسيحيّة، مشدّداً على أنّ ما دفعه للتّرشّح "هو أحداث الأشهر الثمانية الأخيرة ووضع البلاد خلال السنتين الأخيرتين وهو في نزف مستمر"، وأنّ "الدولة هي رجالات الدولة ولذلك فكرت بالترشح للرئاسة للقيام بهذه النقلة النوعيّة"، مصرّحاً أنّ هناك مجموعة خبراء منكبون على إعداد الخطوط العريضة لبرنامجه الرئاسي.
ولدى مواجهة جعجع بأنّه شخصيّة استفزازيّة، صرّح أنّه كذلك بنسبة 20% فقط وهو أمر عادي، متحدّثاً عن المزاج الشّعبي في دير الأحمر، زحلة، عين الرّمانة، رميش، بشرّي، وعندقت (معاقل القوّات)، فيما أغفل مزاج المسيحيين في عكّار، وزغرتا، وإهدن، وكسروان، وهي بلوكات شبه مقفلة للحزب السوري القومي الإجتماعي، حزب المردة، والتّيار الوطني الحرّ فكيف سيعدّل جعجع أمزجتها؟ وإن كانت دقّة إحصاءات شعبيّته في السّاحة المسيحيّة كدقّة نسبيّة استفزازه، قد يكون إعادة إجراء الإحصاء أفضل...
حرص جعجع على التّأكيد أنّ أقلّ الإيمان أنّ يكون الرّئيس العتيد للجمهوريّة ممثّلاً للمسيحيين، وأنّ عين قوى 14 آذار على الحكومة والرّئاسة الثّانية بالرّغم من أنّ "المجموعة الشّيعيّة" ممسكة بيد من حديد عليها. فهل يد قوى الـ 14 من آذار تمسك المراكز بيد من حرير؟ وهل بديل الرّئيس برّي "فتى الحليب والبطانيّات" عقاب صقر؟
إذاً بعد زلّة "الثّورة السنيّة"، يتحدّث جعجع بكامل وعيه عن "المجموعة الشّيعيّة" فكيف سيرأس "الجمهوريّة" بذهنيّة المجموعات الطّائفيّة؟
تحدّث جعجع عن أوتوستراد الدّورة، وعن هدر المال، وتخفيض فاتورة الكهرباء، بعد أنّ طلب من حزب الله تسليم سلاحه، وأفتى أنّ "باطلة كلّ مقاومة خارج الدّولة الشّرعيّة"، مصرحاً أنّه لا يريد الرّئيس السّوري غير ممانع، وأنّ علاقته جيّدة مع الأميركيين. كلّ ذلك، فيما لا يذكر الدّفاع عن الوطن ومجابهة الصّهاينة، فأين العدو؟ ومن العدوّ على برنامجه الرّئاسيّ؟ لا بل تخيّلوا قليلاً ملامح عهده الرّئاسي إنّ تحقّق "الحلم"..