ارشيف من :آراء وتحليلات

الجماهير الشعبية الاوكرانية تقول كلمتها


الجماهير الشعبية الاوكرانية تقول كلمتها

كي تبرر تدخلها في الشؤون الداخلية لاوكرانيا، تحاول الدول الغربية وعلى رأسها اميركا ان تدعي ان الازمة الاوكرانية هي ازمة خارجية بين روسيا واوكرانيا. وتحت هذه الحجة بدأت اميركا ودول الناتو تحشد قواتها في بلدان اوروبا الشرقية الاعضاء في حلف الناتو، كبولونيا ورومانيا وبلغاريا، كما بدأت السفن الحربية الاميركية والغربية الاخرى تتوجه الى البحر الاسود.


وتحاول الدوائر الغربية ان تستثير ردود فعل عسكرية من قبل روسيا، من اجل تدويل الازمة وتبرير تدخل الناتو. ولكن روسيا التي لها خطتها الاستراتيجية العامة للمواجهة مع الغرب، اعطت ظهرها بازدراء لتجميع القوات الغربية قرب اوكرانيا، وعمدت الى سحب القوات التي كانت قد حشدتها في بداية الازمة، حينما قامت المجموعات الفاشستية المسلحة (ما يسمى "القطاع الايمن" واشباهه) بتنفيذ الانقلاب المسلح على الحكومة الشرعية ليانوكوفيتش، وبالتوجه بالباصات والقطارات الى المناطق الشرقية والجنوبية لاوكرانيا واحتلال المباني العامة والاعتداء على المواطنين الروس في تلك المناطق. وقد تحركت حينذاك الجماهير الشعبية في تلك المناطق وتصدت للمجموعات الفاشستية، وردتها على اعقابها. وفي القرم اعلن المجلس النيابي المحلي عدم الاعتراف بالحكومة الانقلابية في كييف، واتخذ قرارا باجراء الاستفتاء العام للانضمام الى روسيا.

وبعد النجاح الباهر للاستفتاء الشعبي العام في جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي وعودتها الى الوطن الام روسيا، بدأ يتضح بشكل صارخ تماما ان الازمة الاوكرانية هي ازمة داخلية 100%، واسبابها الرئيسية هي ثلاثة:

ـ1ـ الازمة الاقتصادية العميقة، والتدني الحاد لمستوى المعيشة.

ـ2ـ التمييز الذي تمارسه المجموعات الموالية للغرب، والسلطات المركزية المتأثرة بها، ضد السكان الروس والناطقين باللغة الروسية، ولا سيما في المناطق الشرقية والجنوبية، والتي هي في الوقت ذاته المناطق الاكثر انتاجية صناعيا وزراعيا وسياحيا، ومع ذلك الاكثر فقرا واهمالا.

ـ3ـ موجة سُعار المجموعات الفاشستية الموالية للغرب، خصوصا في المناطق الغربية، وهي المجموعات المدعومة والممولة من قبل المخابرات الغربية، والتي انتقل بعضها الى امتشاق السلاح. وقد توجت تلك المجموعات نشاطها المسعور بتنفيذ الانقلاب المسلح ضد السلطة الشرعية بزعامة الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، الذي اضطر الى الفرار مع عائلته الى روسيا حفاظا على حياته، بعد ان رفض "التنازل طوعا" و"دستوريا" عن الرئاسة.

والان، وامام ذهول الدوائر الغربية التي لم تعد تعرف كيف ستتصرف، بدأت الجماهير الشعبية الغاضبة في المناطق الشرقية والجنوبية تنظم صفوفها، وتحتل ابنية المؤسسات العامة، وتعلن عن تشكيل "جمهورية شعبية مستقلة" لكل منطقة، وجيشا شعبيا للدفاع عن الجمهوريات المناطقية، وتطالب باجراء استفتاء شعبي في كل "جمهورية" للانضمام الى روسيا الاتحادية، على غرار الاستفتاء الذي جرى في 16 شباط الماضي في القرم.


الجماهير الشعبية الاوكرانية تقول كلمتها


ويوم الاربعاء في 9 نيسان الجاري، اصدر وزير الداخلية الانقلابي أرسين أفاكوف انذارا لمدة 48 ساعة، طلب فيه إخلاء المباني العامة وتسليمها لسلطات كييف "بالمفاوضات او بالقوة". ومضت الـ48 ساعة، ولم تجرؤ سلطات كييف على ارسال قواتها لرد المتظاهرين، خوفا من ان تنقسم القوات المسلحة وتنضم غالبيتها الى الجماهير الغاضبة، كما جرى سابقا في القرم. وردا على تهديدات وزير الداخلية، اعلنت الجماهير الغاضبة تشكيل "الجمهورية الشعبية" في كل منطقة، و"الجيش الشعبي الشرقي ـ الجنوبي" للدفاع عن تلك الجمهوريات، ودعت الى اجراء الاستفتاءات للانضمام الى روسيا او البقاء ضمن اطار اوكرانيا على قاعدة المبدأ الفدرالي، ووجهت الانذار من جهتها للسلطات الانقلابية بعدم التعرض للارادة الشعبية لجماهير المنطقة.

وبدلا من تنفيذ انذار وزير الداخلية، توجه رئيس الوزراء الانقلابي ذاته ارسيني ياتسينيوك الى احدى المدن المتمردة، وهي دونيتسك، لاجراء مفاوضات لتهدئة الاوضاع. وقد التقى بعدد من المحافظين والموظفين الاداريين الكبار وممثلي الاوساط الاقتصادية، وعلى رأسهم الاوليغارشي الملياردير (التتاري الاصل) رينات أخميتوف، الذي يسيطر على القطاعات الصناعية والمالية والتجارية الرئيسية في المناطق الشرقية وخصوصا في منطقة الدونباس الشهيرة. ويعمل في مؤسسات أخميتوف اكثر من 300.000 عامل، وكان عضوا في "حزب الاقاليم" الذي كان يتزعمه يانوكوفيتش، ومن اكبر داعميه، وأدى تخليه عنه في شهر شباط المنصرم الى تسهيل الانقلاب عليه في البرلمان، تحت تهديد المجموعات المسلحة. ويدعم أخميتوف فكرة الفيديرالية وتوسيع اللامركزية الادارية ضمن الكيان الاوكراني، ولكنه يعارض الانضمام الى روسيا، ما يتعارض تماما مع مصالحه الاقتصادية. الا ان اي ممثل عن الجماهير المنتفضة التي تحتل المباني العامة وتطالب باجراء الاستفتاء لم يحضر المباحثات مع ياتسينيوك. وقد وعد ياتسينيوك بأن البرلمان سيعيد النظر في القرار الذي صدر عنه بعد الانقلاب على يانوكوفيتش والذي ينص على التضييق على استخدام اللغة الروسية في المناطق الشرقية والجنوبية ذات الاغلبية الروسية والناطقة بالروسية.

وكانت جماهير المتظاهرين الموالين لروسيا في دونيتسك قد اعلنت مساء الخميس الماضي عن تشكيل "الجيش الشعبي" في محافظة دونيتسك. وجاء الاعلان على لسان دينيس بوشيلين، وهو احد قادة "جمهورية دونيتسك الشعبية" التي اعلنت هذا الشهر، كما جاء في وكالة ايتار ـ تاس.

وجاء في الاعلان "نعلن اليوم عن تأسيس الجيش الشعبي لجمهورية دونيتسك الشعبية ونبدأ بتشكيله"، وقال ان هذا الجيش هو ضروري "من اجل الدفاع عن الشعب في جمهورية دونيتسك الشعبية، ومن اجل الدفاع عن سلامة اراضي الجمهورية".

وصباح يوم الجمعة تناقلت وسائل الاعلام الانباء عن تشكيل "الجيش الجنوبي ـ الشرقي" في مدينة لوغانسك. وان هذا الجيش وضع انذارا امام السلطات الانقلابية، حسبما جاء في صفحة الفايسبوك لـسيرغيي ميلنيكوف مندوب اللجنة القيادية لمدينة لوغانسك للحزب الشيوعي في اوكرانيا. وجاء في بيان ميلنيكوف "لقد علمت ان هيئة اركان "الجيش الجنوبي ـ الشرقي" اتخذت قرارا بتوجيه انذار الى مجلس محافظة لوغانسك بأنه في خلال عشرة ايام ينبغي ان تعقد دورة استثنائية، لمندوبين منتخبين من قبل سكان محافظة لوغانسك، وان المندوبين ملزمون باتخاذ القرار التالي: "ان يتم الاعلان عن تشكيل جمهورية لوغانسك الشعبية، ان يتم الاعلان عن اجراء استفتاء في غضون 10 ايام، لاجل انضمام الجمهورية الشعبية الى الفيديرالية الروسية، او البقاء ضمن كيان اوكرانيا".

وجاء في القرار ايضا ان الجيش الجنوبي ـ الشرقي" لن يسلم سلاحه الا لسلطات لوغانسك التي سيجري انتخابها خلال الاستفتاء".

ويمضي مئات المتظاهرين الذين يحتلون مبنى ادارة المحافظة في غدانسك، الليل في المبنى. وقد طوقوا المبنى بثلاث حلقات من المتاريس التي كدسوا فيها الاثاث القديم واطارات السيارات واكياس الرمل وبلاط الارصفة والاسلاك الشائكة، استعدادا لرد الهجوم المتوقع لقوات السلطة الانقلابية والمجموعات الفاشستية الموالية للغرب.

وليل الجمعة أعلن أحد قادة جمهورية دونيتسك الشعبية دينيس بوشيلين ان المحافظ سيرغيي تاروتا ومدير المدينة الكسندر لوكيانتشينكو يؤيدان اجراء استفتاء في المحافظة حول تطبيق الفيديرالية في اوكرانيا او انضمام محافظة لوغانسك الى روسيا.

وقد اقترحت السلطات المحلية الموالية لكييف تشكيل دوريات مشتركة من قبل الشرطة والمنتفضين لاجل حفظ النظام العام، وكذلك العفو العام عن جميع المشاركين في احتلال مبنى ادارة المحافظة. واقترحت ان ينتقل المحتجون الى ابنية رسمية اخرى. ولكن المحتجين وافقوا على اخلاء طابقين فقط من المبنى لتسهيل الاعمال الادارية الضرورية للمواطنين.

وبالاضافة الى "الجيش الشعبي" بقيادة ايغور خاكيمزيانوف شكل المنتفضون "حكومة مؤقتة" ايضا تقوم بالتفاوض مع سلطات كييف. ولم تعلن نتائج المفاوضات بعد.

وفي مدينة خاركوف جرت مظاهرات شعبية كبرى ايضا، وتم اعتقال 65 شخصا، افرج عن ثلاثة منهم فقط. وبين المعتقلين ايغور لوغفينوف احد قادة "الكتلة الاوكرانية الشرقية". وكان المتظاهرون قد احتلوا مبنى الادارة المحلية في المدينة ورفعوا فوقها العلم الروسي. ولكن الشرطة نجحت في طردهم من المبنى واعتقال 65 منهم بينهم لوغفينوف.

وفي مدينة اوديسا البحرية جرى اصطدام بين مجموعة مؤيدة للسلطة الانقلابية والجماهير المعارضة لها ووقع 7 جرحى.

2014-04-14