ارشيف من :آراء وتحليلات

المشاركة الفرنسية في إبادة التوتسي في رواندا: الأدلة دامغة!

المشاركة الفرنسية في إبادة التوتسي في رواندا: الأدلة دامغة!

طيلة ثلاثة أشهر، جابت شعلة أنحاء رواندا لتصل إلى أكبر الملاعب الرياضية في العاصمة كيغالي في السادس من نيسان/ أبريل الحالي، حيث ستظل موقدة، كتعبير عن الحداد، لمدة مئة يوم.


بهذه الصورة، انطلق إحياء ذكرى المئة يوم التي جرت خلالها، بين السادس من نيسان/ أبريل والتاسع عشر من تموز/ يوليو 1994، إبادة حوالي مليون رواندي ينتمون إلى أقلية التوتسي.

وقد وصفت هذه الإبادة من قبل الأمين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون، الذي حضر حفل الافتتاح مع العديد من ممثلي الدول والمنظمات القادمين من مختلف بلدان إفريقيا والعالم (باستثناء فرنسا التي لم تدع إلى المشاركة) وصفت بأنها بقعة سوداء في تاريخ الأمم المتحدة. فالواقع أن الـ 2500 جندي الذين كانوا يشكلون قوة السلام الدولية في رواندا، لم يفعلوا شيئاً من أجل وقف المذابح.

هل كانت قوة السلام الدولية تلك هي المذنب الوحيد؟ ألم تكن هنالك بقع سوداء أكثر من السواد في أطراف أخرى شاركت في أحداث رواندا؟ بعض الوقائع تشير إلى أن هنالك ما هو مثير للتساؤلات.

المشاركة الفرنسية في إبادة التوتسي في رواندا: الأدلة دامغة!

بعد يومين فقط من اغتيال الرئيس الرواندي، جوفنال هابياريمانا واندلاع المجازر في 6 نيسان/أبريل 1994، وفي حين كانت رواندا تشهد حملة شعواء من الحقد على التوتسي، قام أواخر الجنود الفرنسيين المتواجدين في البلاد منذ العام 1990 بمغادرة البلاد وبإخلاء اليقية (بينها مصر)، وذلك في إطار عملية "توركواز" التي أطلقت تحت البند السابع بموجب القرار رقم 929 الصادر عن مجلس الأمن بهدف "وقف المجازر وحماية الأهالي".

وبعد ثلاثة أسابيع، توقفت المجازر. ومن يومها صدر عن مراقبين محايدين، ولكن أيضاً عن منظمات إنسانية، وحتى عن ضباط فرنسيين، ما لا يحصى من شهادات تؤكد أن الجيش الفرنسي قد شارك بشكل نشط في ارتكاب المجازر التي كان مكلفاً بوقفها.

وقائع أخرى حدثت خلال السنوات القليلة التي سبقت المجازر لتسهم بدورها في إعطاء المصداقية لهذا الاتهام:

بين العام 1991 والعام 1994، قدمت فرنسا، وبشكل منتظم، مساعدات إلى الهوتو اشتملت على السلاح والأعتدة والذخائر، علماً بأن الهوتو الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال في العام 1962، كانوا يضطهدون التوتسي الذين كانوا يفرون من الاضطهاد بشكل مكثف إلى البلدان المجاورة.
وكما ولو أن الاضطهاد الذي كان يمارسه الجيش الرواندي بحق التوتسي لم يكن كافياً، كان مسؤولون فرنسيون يشجعون إقامة "جبهة عنصرية" تضم جميع فصائل الهوتو. من هؤلاء مارسيل دوبارج الذي شغل منصب وزير التعاون الفرنسي في تلك الفترة. وقد خاطب دوبارج المعارضين الهوتو خلال إحدى زياراته للهاصمة الرواندية، كيغالي، بقوله: "تضامنوا مع الرئيس في مواجهة التوتسي".
كان بين المهام الموكلة إلى عملية "توركواز"، إقامة "منطقة إنسانية آمنة" على الحدود بين رواندا وزائير بهدف إرسال المعونة إلى مئات الألوف من المدنيين الروانديين الذين التجأوا إلى تلك المنطقة. لكن المجازر لاحقت اللاجئين التوتسي حتى داخل تلك المنطقة!

خلال الفترة الحرجة التي شهدت تصاعد التوترات والأحقاد بين التوتسي والهوتو، ارتفع عدد أفراد الجيش الرواندي الذي كان تحت سيطرة الهوتو من 3500 جندي ، في العام 1990، إلى 35 ألف جندي، عام 1993، وذلك بفضل المساعدات الفرنسية التي اشتملت على أسلحة ثقيلة وعربات هجومية وطوافات، وكل ذلك جرى استخدامه في المجازر المرتكبة بحق التوتسي. كما كان الجيش الفرنسي يقوم بتدريب الجنود ورجال الميليشيات التابعة للهوتو، ويشارك في التدقيق في الأوراق الثبوتية للمارة، الأمر الذي كانت تعقبه عمليات قتل على الهوية لكثيرين من التوتسي.
كل هذه الوقائع تذهب باتجاه تجريم فرنسا، بلد حقوق الإنسان، التي كان يرأسها خلال العملية الفرنسية في رواندا الاشتراكي الصميم، فرانسوا ميتران. لكن المحكمة الجنائية الدولية التي كلفها مجلس الأمن بمحاكمة المسؤولين عن ارتكاب المجازر في رواندا لم تأخذ هذه الوقائع بعين الاعتبار. ذلك أمر أكثر من طبيعي بالنسبة لمحكمة هي في الواقع أداة في خدمة القوى الامبريالية.

أما فرنسا الرسمية، فهي تتملص من الاتهامات الموجهة إليها. لكن دفاعها عن نفسها يظل عاجزاً عن تبرئتها. فعلى سبيل المثال، أنكر برنار كوشنير، الاشتراكي السابق الذي أصبح وزير خارجية سابقاً في ظل الرئيس ساركوزي، أنكر مشاركة فرنسا "بشكل مباشر" في الإبادات التي استهدفت التوتسي. ما يعني اعترافاً من قبله بأنها قد شاركت فيها "بشكل غير مباشر"، الأمر الذي لا يمكن اعتباره مشرفاً لفرنسا بوجه من الوجوه.

وبمناسبة الحديث عما هو مشرف أو غير مشرف، من الضروري التوقف أمام تصريحات نشرها على موقعه الالكتروني، آلين جوبيه، وزير خارجية فرنسا خلال فترة الإبادة في رواندا، ودعا فيها الرئيس الفرنسي والحكومة الفرنسية إلى الدفاع "بلا غموض" عن شرف فرنسا... ومع هذا، وقع هو نفسه في الغموض عندما عبر عن استيائه إزاء الاتهامات التي تعتبر أن الفرنسيين هم المسؤولون "الرئيسيون"، معترفاً، شأن زميله كوشنير، بأن فرنسا تتحمل مسؤولية "ثانوية".

بالنتيجة، وحتى ثبوت العكس، يصعب على فرنسا التي تجرجر خلفها كل مساوئ تاريخها كدولة استعمارية مسؤولة " بشكل مباشر" عن المجازر التي جعلت من الجزائر بلد المليوني شهيد، ومسؤولة بشكل مباشر عن المجازر وأعمال التطهير التي ترتكب بحق المسلمين في إفريقيا الوسطى... يصعب عليها أن تثبت براءتها في ما يخص مجازر رواندا.
2014-04-15