ارشيف من :آراء وتحليلات

لبنان: جمهورية المصارف

لبنان: جمهورية المصارف

ان تكون المصارف متحكمة في الاقتصاد اللبناني ليس بالأمر الجديد. تنظر المصارف الى نفسها على انها خط احمر ممنوع على اي سلطة او جهة اوطرف حتى لو كان الدولة ذاتها ان تقترب منها. تتعاطى المصارف بفوقية مع كل السلطات وممثليها دون اي تردد. والسبب ليس مجهولا. المصارف واخواتها المسماة "هيئات اقتصادية" اعتادت ومنذ فترات تاريخية طويلة على التعاطي مع الطبقة السياسية من موقع الممول والمشغل.


منذ بداية القرن العشرين (وحتى ما قبله) تشكلت في لبنان طبقة تضم تجارا ومصرفيين ومالكي أراض وعقارات استولت على الحياة الاقتصادية بكل ما للكلمة من معنى. احتكر هؤلاء  القطاعات الاقتصادية وتحديدا القطاع النقدي المصرفي. ملكية كل المصارف بما فيها بنك سورية ولبنان تعود لهم . المصرف الاخير كان صاحب امتياز اصدار العملة وادارة مالية الدولة والمتحكم بعمليات التسليف والمبادلات التجارية. حتى شركات التأمين تقاسموا ملكيتها. العمليات التجارية لكافة السلع كانت باشرافهم المباشر. الفنادق والقطاع المصرفي كانت جزء لا يتجزأ من عدة السيطرة والاحتكار. قصة الامتيازات الحصرية بدأت من هناك ولم تنته حتى الان. لا تزال خطا احمر عصي على كل السلطات. لم توفر هذه المجموعة شركات الخدمات العامة من مرفأ بيروت وشركات المياه والكهرباء والتبغ والتنباك وشركات المقاولة وشركات الطيران والنقل البري . يكفي الاطلاع على كتاب فواز طرابلسي : تاريخ لبنان الحديث وتحديدا الفصل السابع منه للاطلاع على عجائب وغرائب المعطيات والمعلومات الموثقة بالارقام حول الاوليغلارشية التجارية المالية التي تضم خمس عشرة عائلة "تسيطر على كل قطاعات البلد الاقتصادية ".

لبنان: جمهورية المصارف


وبطبيعة الحال فان النتيجة الحتمية لهذا الواقع هي السيطرة على السياسية والسياسيين . يكتب طرابلسي ": في عهد بشارة الخوري كان 36 نائب يملكون اكبر 230 شركة في البلاد " وقد وصف الصحافي اسكندر رياشي المجلس النيابي في العام 1947 بمجلس ال15 رأسمالي وال40 من اذنابهم " . قبل ذلك بحوالى العشرين عاما تقول المعلومات ان " نواب الامة " كانوا يتقاضون رواتب شهرية من مصرف "شيحا فرعون" .

هذا هو الحال قبل الحرب الاهلية اما بعدها فيكفي ان نذكر ارقام الارباح التي حققتها المصارف منذ العام 1992 لتتضح الصورة . الرساميل المجمعة للمصارف اللبنانية كانت تبلغ في العام 1992 حولى 190 مليون دولار لتصل اليوم الى 9 مليارات دولار بعد استثناء الارباح الموزعة .

لاجل ذلك ترفض المصارف اي قرار بحقها حتى لو كان خفض الضريبة على الفوائد التي ستفقدها فتات الارباح لا غير . لان المصارف وبعض الهيئات الاقتصادية يتعاطون مع لبنان على انه ملكية خاصة لا يجوز لاساتذة او عمال او موظفين ان يشاركوهم فيه كما لا يحق لنائب او وزير او اي مسؤول ان يتخذ قرارا يمس ما يعتبرونه "محمياتهم الطبيعية ".

خلال النقاش الاخير حول سلسلة الرتب والرواتب حصل تناقض هو الاول من نوعه بين الطبقة السياسية ممثلة بالرئيس بري وبين اللوبي المصرفي . لم يسكت الرئيس بري على اهانة المصارف للنواب . وصلت الرسالة للجمعية فتراجعت ولو نسبيا . فهل يمكن ان يتم البناء على هذه الحادثة للكلالم عن نهاية مرحلة التحكم المصرفي بالقرار اللبناني ؟ الجواب رهن بمداولات الجلسة العامة لمجلس النواب .
2014-04-15